مؤسسات الأسرى: الاحتلال اعتقل (467) فلسطينياً خلال شهر أكتوبر

مؤسسات الأسرى: الاحتلال اعتقل (467) فلسطينياً خلال شهر أكتوبر

رام الله: اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، (467) فلسطيني/ة من الأرض الفلسطينية المحتلّة، من بينهم (135) طفلاً، و(10) نساء.

جاء ذلك ضمن تقرير شهري مشترك صدر، اليوم الأربعاء، عن مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان؛ (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز معلومات وادي حلوة- القدس)، أكّد فيه أنّ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ نحو (4650) أسيراً، وذلك حتّى نهاية شهر أكتوبر، من بينهم (34) أسيرة، و(160) قاصراً، ونحو (500) معتقل إداري.

ويرصد التّقرير كافّة السّياسات والإجراءات والمُتغيّرات التي طبقّتها وأحدثتها سلطات الاحتلال فيما يتعلّق بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى واقع وظروف الأسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال، كما ويتطرّق لهجمة سلطات الاحتلال على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومن ضمنها مؤسسات تتابع شؤون الأسرى ووصمها بالإرهاب؛ وذلك خلال الفترة التي يُغطّيها التّقرير، مستنداً على حصيلة أعمال الرّصد والتّوثيق والمتابعة القانونية والميدانية التي تقوم بها المؤسسات الأربع.

سياسات وإجراءات الاحتلال

يستعرض التّقرير جزءاً من سياسات الاحتلال والانتهاكات المرافقة لعمليات الاعتقال اليومية وظروف التّحقيق والاحتجاز، بالإضافة إلى الانتهاكات المتعلّقة بضمانات المحاكمة، والتي مسّت بجملة من الحقوق المكفولة للأسرى والمعتقلين بموجب القانون الدّولي الإنساني والقانون الدّولي لحقوق الإنسان، ومنها:

سياسة الاعتقال الإداري

وصل عدد أوامر الاعتقال الإداريّ الصادرة بحقّ المعتقلين خلال شهر أكتوبر إلى (106) أوامر، بينها (49) أمراً جديداً، و(57) أمر تجديد. وتستخدم سلطات الاحتلال الاعتقال الإداري بشكل متصاعد كنهج لعدم الكشف عن التّهمة المسندة للمعتقل بموجب أمر الاعتقال الإداري، وتشكّل هذه السّياسة إحدى أدوات سلطات الاحتلال، التي تهدف من خلالها إلى تقويض أية احتجاجات أو مطالبات تتّصل بالحقوق المصيرية للشّعب الفلسطيني.

ومنذ عام 2015 خرجت المحكمة العليا للاحتلال، بما يسمى بقرار "تجميد أو تعليق" الأمر الإداري بحقّ الأسير الذي يخوض إضراباً فردياً عن الطّعام، واعتبرت المؤسسات المختصّة في حينه أن هذا القرار أداة لترسيخ سياسة الاعتقال الإداري، ولم تتوقّف المحكمة العليا عن استخدام هذا القرار حتّى اليوم، علماً أنه لا يعني إلغاء الاعتقال الإداري، بل إخلاء مسؤولية إدارة سجون الاحتلال، والمخابرات (الشاباك) عن مصير وحياة الأسير، وتحويله إلى "أسير" غير رسمي في المستشفى، ويبقى تحت حراسة "أمن" المستشفى بدلاً من حراسة السّجّانين، كما ويبقى فعلياً أسيراً لا تستطيع عائلته نقله إلى أيّ مكان، علماً أنّ أفراد العائلة والأقارب يستطيعون زيارته كأي مريض وفقاً لقوانين المستشفى.

وخلال شهر أكتوبر ظهر تحوّل في تعاطي الاحتلال مع هذا القرار، وذلك من خلال رفض نيابة الاحتلال "تعليق" الاعتقال الإداري للمعتقل علاء الأعرج رغم ما وصل إليه من وضع صحي صعب، مستندة في ذلك على التقرير الطّبيّ الصادر عن المستشفى الإسرائيلي، والذي لم يؤكد أنّ الأسير يواجه احتمالية الوفاة المفاجئة، وعملياً فقد أفضى هذا التحوّل المشروط بالوفاة المفاجئة إلى تضييق الهامش القضائي، الضّيّق من أصله.

ولاحقاً في قضية المعتقلين كايد الفسفوس ومقداد القواسمة اللذين تجاوز إضرابهما اليوم المئة ما بعد العشرة، ظهر هذا التحوّل بشكل أوضح حينما فعّلت مخابرات الاحتلال قرار الاعتقال الإداري بحقّ الفسفوس بعد تجميده رغم وضعه الصّحي الخطير، وإعادة تجميده مجدداً في قرار ثان للمحكمة العليا، وكذلك ما جرى مع المعتقل القواسمة الذي يواجه وضعاً صحياً بالغ الخطورة، حيث قامت مخابرات الاحتلال بتفعيل أمر اعتقاله الإداريّ مجدّدًا، ولم تكتف بذلك بل نقلته من العناية المكثّفة من مستشفى "كابلان" الإسرائيلي، إلى سجن "عيادة الرملة."

وحتّى تاريخ نشر هذا التقرير يواصل ستة أسرى إضرابهم عن الطعام رفضاً لاعتقالهم الإداري، وجميعهم يواجهون أوضاعاً صحية خطيرة، تتفاقم مع مرور الوقت، وهم: كايد الفسفوس ومقداد القواسمة وعلاء الأعرج وهشام أبو هواش وعياد الهريمي ولؤي الأشقر.

التّنكيل والعقاب الجماعي واستخدام القوّة خلال عمليات الاعتقال

تواصل سلطات الاحتلال استخدام سياسة الاعتقالات اليومية في مواجهة نضال الفلسطينين لانتزاع حقوقهم وحرّيتهم، ووصل معدّل الاعتقالات اليومية إلى (15) حالة، ويصاحب ذلك أساليب عديدة تبدأ من اقتحام البيوت في ساعات متأخّرة من الّليل، وما يرافقها من تنكيل واعتداءات بحقّ المعتقل وعائلته، بالإضافة إلى تعمّد قوّات الاحتلال استخدام القوّة المفرطة أثناء عمليات الاعتقال التّعسّفية، وبصورة عشوائية وجماعية.

ومن ضمن ذلك؛ ما جرى في شوارع مدينة القدس، خلال قمع اعتصام عند مقبرة اليوسفية احتجاجاً على تجريف المقبرة وإغلاقها، وفي منطقة باب العمود والشوارع المحاذية له خلال ملاحقة الاحتلال للشّبان والفتية لمنعهم من الجلوس والتواجد في المكان، كما وتعرّض غالبيتهم للاعتقال، وأفرجت سلطات الاحتلال عن معظم المعتقلين بعد ساعات أو أيام من الاعتقال باستثناء بعض المعتقلين الذين قدمت لهم لوائح اتهام تتضمن "إلقاء الحجارة باتجاه حافلة للمستوطنين، عرقلة عمل الشرطة، اعتداء على الشرطة"، كما وأبعدت عشرات المعتقلين عن مكان الاعتقال سواء "شوارع القدس أو المقبرة اليوسفية" لفترات تراوحت بين ثلاثة أيّام وأسبوعين.

وتعرّض معظم المعتقلين من شوارع القدس للضّرب المبرح خلال الاعتقال والاقتياد إلى غرف المراقبة في منطقة باب العمود أو إلى مركبات الشرطة. ومن بينهم: الشّاب معتصم الرجبي (21 عاماً)، والذي تزامن توجّهه من منزله في باب حطّة إلى البقّالة مع اقتحام قوات الاحتلال للمكان ومهاجمتها للمتواجدين بالضّرب والاعتقال.

وأوضح الرجبي بأنّه تعرّض للضّرب المبرح على وجهه وفمه، بالّلكمات المتتالية، وخلال محاولته حماية وجهه بيديه تعرّض للكمة قوية أفقدته الوعي، ثم أصيب بنزيف شديد من فمه وسقط نابه على يده، كما وأصيب بكسور في أسنانه وبالفكّ، وبجرح في الشفتين، وحُرم من حقّه بالعلاج.

وقال الرجبي: "بعد الاعتداء عليّ بالضّرب انسحبت القوات وحاول المتواجدون في المكان تقديم الإسعاف الأولي لي، لكن فوجئنا باقتحام المكان مرّة ثانية واعتقالي دون سبب، وخلال ذلك تعرّضت للضّرب خلال اقتيادي إلى مركز شرطة "باب الأسباط" وداخله حتى حوّلت الى مركز "القشلة" في باب الخليل". وأضاف أنه احتجز من الساعة العاشرة مساء حتى الثانية فجراً في مركز شرطة القشلة، مصاباً بأوجاع شديدة في فمه ونزيف لم يتوقف، وحاول طلب الإسعاف والعلاج لكنّ الشرطة رفضت ذلك، وقالت له: "تكاليف العلاج عليك إذا حضرت الإسعاف إلى المكان"، دون الاهتمام بحالته الصحية.

وأفرجت شرطة الاحتلال عنه بشرط الحبس المنزلي لمدة ثلاثة أيام، وفور الإفراج عنه توجّه إلى مستشفى "تشعاري تصديق"، وعانى من جديد من مماطلة بانتظار العلاج، حيث بقي  بانتظار الطبيب حتى الساعة التاسعة صباحاً، وأجريت له عملية في فمه وضع خلاله جسر وغزرت شفاه بـثماني قطب.

وهذا إلى جانب المدن والبلدات الفلسطينية التي تشهد تصاعداً في حملات المداهمات الّليلية التي يشنّها الاحتلال، خاصة في مدينة جنين التي ينتمي إليها الأسرى الستّة الذين نجحوا بتحرير أنفسهم من سجن “جلبوع” مؤخراً، وبالإضافة لترهيب قاطنيها وسوء معاملتهم، تشهد منازل المواطنين تخريباً وعبثاً بمحتوياتها، ومثّلت مداهمة الاحتلال لبلدة بير الباشا قضاء مدينة جنين نموذجاً على تلك الممارسات خلال اقتحامات الاحتلال الليلية لمنازل بعض المواطنين هناك، والاعتداء على ساكنيها وتخريب وتكسير محتويات المنازل، بالإضافة إلى تحقيقات ميدانية أجراها جيش الاحتلال مع من احتجزهم لفترة من الوقت قبل الإفراج عنهم.

وأفاد "سامي غوادرة" أحد سكان بلدة بير الباشا، أنه في تاريخ 27/10/2021 في تمام الساعة 12 ليلاً اقتحمت وحدة خاصة من جيش الاحتلال منزله وقامت منذ بداية الاقتحام بالتعامل معه ومع أفراد عائلته (زوجته وأولاده) على نحو سيئ جداً، حيث فجّروا أبواب المنزل وعزلوا سامي عن بقية أفراد عائلته مع تعصيب عينيه وتكبيل يديه بأصفاد بلاستيكية، ووضعوا زوجته وابنه وابنته في غرفة لوحدهم، بالإضافة إلى تفتيش المنزل بعنف وتكسير محتوياته، إذ كسّروا غرفة نومه وخربوا الأثاث، وخلطوا جميع المواد التموينية في المطبخ مع بعضها البعض كنوع من الاستفزاز.

 وخلال تواجد الوحدة والجيش الذي استمر لمدة ساعتين ونصف، حقّق أحد الضباط الذي عرّف عن نفسه بأنه مسؤول الوحدة مع سامي ميدانياً وسأله أسئلة لا علاقه له بها، وخلال التحقيق الميداني بقي سامي مكبل اليدين مع نزغ عصبة العينين، وأضاف أن قوات الاحتلال اقتحمت ليلتها منازل عديدة لمواطنين من نفس البلدة منها منزل السيد علي قادري شقيق الأسير يعقوب قادري أحد أسرى نفق الحرية، وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب وتخريب منزله، كسياسة انتقام من الأسرى وأهاليهم.

سياسة الاعتقال على خلفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

 إنّ اعتقال الفلسطينيين على خلفية منشوراتهم على شبكة التواصل الاجتماعي، يشكّل سياسة عقابية يستخدمها الاحتلال من أجل زجّ أكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء والشبّان داخل السّجون، إذ لا يكتفي بملاحقة الفلسطينيين ميدانياً؛ بل ويلاحقهم عبر الواقع الافتراضي. ومن ضمن تلك الحالات؛ حالة القاصر عمر الهشلمون (17 عاماً)، من القدس، والذي تعرّض للاعتقال على خلفية منشور على موقع "الفيس بوك"، كتب فيه: "لست متأكداً من وجودي طويلاً بالدنيا، لكنّني أتمنّى أن أكون قد غرست داخل الجميع ذكرى طيبة وتبقى للأبد"، وبعد دقائق معدودة من كتابة المنشور تلقى والده اتّصالاً من المخابرات وطالبته بضرورة حضور نجله عمر للتّحقيق، ليفاجأ بالتّحقيق معه بشبهة "التهديد لعمل إرهابي"، وجرى تمديد توقيفه لليوم الثاني، وعقدت له جلسة محكمة، نفى خلالها المحامي الشبهة الموجهة له وأفرج عنه.

واقع المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية

يتعرّض الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، إلى أنماط مختلفة من الانتهاكات التي تطال مجموعة واسعة من الحقوق المكفولة لهم، بموجب المعايير الدولية الخاصة بالأسرى، ومنها:

الإهمال الطّبي الممنهج

تعتبر وسيلة الاحتلال الممهنجة في حرمان الأسرى من الرعاية الطبية الحقيقية السليمة، والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاج للمرضى منهم والمصابين، من أهم سبل وأساليب إضعاف الإرادة والجسد على حدّ سواء. ومن خلال مراقبة الوضع الصّحي للأسرى، يتّضح أن مستوى العناية الصحية بالأسرى شديد السّوء؛ وارتقى بسببه عشرات الأسرى شهداء منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وازداد عدد المرضى منهم، بل تجاوز الأمر ذلك ليصبح علاج الأسرى موضوعاً تخضعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضّغط على المعتقلين. ومن بين الحالات المرضية التي برزت مؤخراً؛ حالة الأسير ناصر أبو حميد (49 عاماً)، من مخيم الأمعري في رام الله، والذي عانى من تفاقم في وضعه الصحي وتحديداً من أوجاع في الصدر والرئة وبعد مماطلة طويلة نقل على إثرها من سجن "عسقلان" الذي يحتجز فيه منذ سنوات، إلى مستشفى "برزلاي" الإسرائيلي، ووفقاً للفحوصات الطبية التي أُجريت له تبيّن وجود ورم على الرئتين، ولم تحدد طبيعته لعدة أشهر، بسبب المماطلة والتسويف بإجراء التشخيص الطبي السليم.

بعد ذلك وبفعل ضغوطات واحتجاجات من أسرى سجن "عسقلان"، لعمل الفحوصات اللازمة للأسير أبو حميد، تم نقله لأكثر من مرّة لمشفى برزلاي ليتبيّن في أكتوبر إصابته بورم سرطاني في الرئة اليسرى، وتمّت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم، ليعاد نقله إلى سجن "عسقلان" بعد ذلك بأيام، ولا زال يعاني من مضاعفات العملية والورم السرطاني وتتفاقم حالته الصحية بشكل خطير، علماً أنه معتقل منذ عام 2002 ومحكوم بالسّجن لسبع مؤبّدات و50 عاماً، وهو من بين خمسة أشقاء يواجهون الحكم مدى الحياة في المعتقلات، وكان قد تعرّض منزلهم للهدم عدة مرات على يد قوات الاحتلال، وحرمت والدتهم من زيارتهم لعدة سنوات.

الإضراب عن الطعام لرفض إجراءات السّجّان

  استمرت مواجهة الأسرى خلال شهر أكتوبر للإجراءات التنكيلية المضاعفة التي فُرضت على الأسرى عموماً وأسرى الجهاد الإسلامي بشكل خاصّ، وذلك منذ تاريخ عملية "نفق الحرية"، وشكّل إضراب أسرى الجهاد الذي تبلور وبدعم من كافة الأسرى في السّجون وشارك فيه نحو (250) أسيراً واستمر لمدة تسعة أيام، محطّة هامة لما فرضه من استعادة وتحوّلات على صعيد واقع المواجهة داخل السّجون وتحديداً على وحدة الأسرى، وحماية أهم منجزاتهم تاريخياً، ألا وهي البنية التّنظيمية التي حاولت إدارة السّجون استهدافها بعد عملية "نفق الحرية".

وتمكّن الأسرى في تاريخ الـ21 من أكتوبر، من التوصّل إلى اتفاق مع إدارة سجون الاحتلال يقضي بتحقيق جملة من مطالبهم، أبرزها: وقف الهجمة المضاعفة على الأسرى ومنهم  أسرى الجهاد الإسلامي، وإلغاء العقوبات الجماعية التي فرضت عليهم منذ عملية "نفق الحرية" البطولية، وإعادة كافة المعزولين بما فيهم من قيادات التنظيم إلى الأقسام العامة، وإلغاء الغرامات المالية التي تقدر بملايين الشواقل، والسماح لهم بالزيارة، والالتزام بعدم فتح ملفات للأسرى الذين واجهوا السّجان بحرق الغرف، وكذلك الحفاظ على البنية التنظيمية لأسرى الجهاد. وكان الأسرى وقبل بلورة الإضراب، نفّذوا برنامجاً نضالياً جماعياً، واستند بشكل أساسي على الرّفض وعصيان قوانين السّجن، وانتهى بالإعلان عن الإضراب لاحقاً.

استهداف الاحتلال للمؤسسات الفلسطينية

استكمالاً للتّضييق على مؤسسات الأسرى وعموم المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، استهدف الاحتلال ستًّا من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية مؤخراً بتصنيفها كمؤسسات "إرهابيّة"، ليُتبعه بقرار عسكريّ يجعل المؤسسات عرضة لخطر محدق بإغلاقها وملاحقة عامليها، ما شكّل صدمة للأوساط الحقوقية بالعالم، فالمؤسسات الستّ وهي "الضمير" و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين" و"الحق" و"اتحاد لجان العمل الزراعي" و"اتحاد لجان المرأة العربية" و"مركز بيسان للبحوث" مؤسساتٌ رائدة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين إزاء انتهاكات الاحتلال وفضح جرائمه بحق الأسرى والأطفال، بالإضافة لتطوير المشاريع الزراعية وتمكين النساء وإنتاج الأبحاث، وهي أنشطة تمس عصب حياة الفلسطينيّ اليومية.

ومن الجلي أنّ الأمر سيعرّض آلاف الفلسطينيين وعلى رأسهم الأسرى لمزيد من الانتهاكات بعد اقتطاع الاحتلال لمخصصاتهم من أموال المقاصة، نظراً لأن اثنتين من هذه المؤسسات تختصّ بشكل مباشر في متابعة شؤون الأسرى والأطفال في سجون الاحتلال، فالضّمير تتابع قضايا أكثر من (300) أسير فلسطيني سنوياً بتمثيلهم أمام محاكم الاحتلال، كما تحرص على رصد انتهاكات الاحتلال للأسرى والمعتقلين السياسيين وتوثيقها ونشرها بتقارير سنوية، وأخرى شهرية بالتعاون مع مؤسسات الأسرى، بالإضافة للمنشورات الدورية التي تركز على واقع حياة الأسرى كالصحة والتعليم وغيرها، عدا عن التواصل مع الجهات الدولية كالأمم المتحدة، ومدّها بآخر المستجدات حول الأسرى الذين يتعرضون لانتهاكات خطيرة ما يسهم في التعريف بقضاياهم دولياً، وإثارة الرأي العالمي حولها.

كذلك عملت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين على مدار 30 عاماً بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الأطفال الفلسطينيين وتوثيقها، وتدافع الحركة العالمية عن الأطفال الفلسطينيين في محاكم الاحتلال العسكرية وتوفر المساعدة القانونية للأطفال الذين يعتقلهم الاحتلال، إذ يعتقل سنوياً ما يتراوح بين (500-700) طفل فلسطيني، في الوقت الذي تمثّل فيه الحركة سنوياً ما يقارب (120) طفلاً في محاكم الاحتلال، وبتجريمه لهذه المؤسسات يمنع الاحتلال سعيها لفضح جرائمه، ويضرب عنصراً حيوياً لطالما عمل على تطوير مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع الفلسطينيّ بمختلف فئاته.

ورغم ما تبذله هذه المؤسسات من جهود على مستوى دوليّ لنقد قرار الاحتلال ونقضه، إلا أنها عرضة للإغلاق والملاحقة، ولا تقتصر خطورة هذا الاستهداف على المؤسسات الستّ وحسب، فهذا التصنيف ما هو إلا خطوة يمهد الاحتلال الطريق عبرها لاستهداف بقية المؤسسات الفلسطينية، خاصة التي تعنى بشؤون الأسرى والمعتقلين السياسيين، ولا شك أنّ حاجة هذه المؤسسات اليوم ماسة للدعم والتضامن الشعبيّ، بالإضافة للدعم الدولي، فنجاح الاحتلال في شلّ هذه المؤسسات يعني تمكنه من كتم صوت المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ وتكبيل ممثليه في وقت أحوج ما يكون فيه الفلسطيني لإعلاء صوته ونقل معاناته.

وفي ختام التقرير، تؤكّد المؤسسات الشريكة؛ بأن ممارسات الاحتلال بحقّ الشعب الفلسطيني تنتهك القانون الدولي الإنساني الذي يحظر بشكل قطعي ممارسات العقاب الجماعي والأعمال الانتقامية ضد الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال، كما ورد تحت البند (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، والتي تمنح الشعب الفلسطيني بصفته شعب يعيش تحت الاحتلال مكانة الأشخاص المحميين تحت القانون الدولي. وتؤكد على حقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في الحصول على اعتراف بمكانتهم كمناضلين من أجل الحرية، وسائر حقوقهم الصحية والغذائية والتعليمية، وحقهم في التّمتّع بضمانات المحاكمة العادلة، وحقّهم في الزيارات العائلية واحترام كرامتهم الإنسانية.