في يوم المرأة العالمي، لا تزال هناك 48 أسيرة فلسطينية في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، منهم 24 أم، و7 جريحات، و26 مريضة، ومعتقلة إدارية واحدة بلا تهمة أو محاكمة. بعض الأسيرات يعانين أيضًا من أحكام عالية، تصل أعلاها إلى 16 سنة. جميع الأسيرات محتجزات في سجن الدامون منذ تشرين الثاني 2018. هذا السجن موجود داخل دولة الاحتلال، ما يعتبر انتهاكًا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع نقل السكان من الأرض المحتلة إلى أرض القوة المحتلة.

منذ بدء الاحتلال في عام 1967، تم سجن واعتقال أكثر من 10.000 امرأة فلسطينية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية.. في عام 2019، وككل الأعوام السابقة، تعرّضت النساء الفلسطينيات للاعتقال المتكرر من الشارع، وعلى حواجز الاحتلال، وخلال اقتحامات ليلية عنيفة لمنازلهن. يشارك في هذه الاقتحامات كل من الجنود، وضباط المخابرات، والكلاب المدربة، ويصاحبها تدمير محتويات المنزل وتخريب الممتلكات، ثم يتم تقييد أيدي الأسيرات وتعصيب أعينهن وأخذهن بالقوة إلى العربات العسكرية.

في يوم المرأة العالمي هذا، تسلط مؤسسة الضمير الضوء على التدهور الحاد في ظروف الاعتقال للأسيرات الفلسطينيات. إذ تمتد معاناة الأسرى الفلسطينيون عمومًا، والأسيرات النساء بشكل خاص، من اللحظات الأولى لعملية الاعتقال، وخلال التحقيق، ومن ثم في السجن. تعود هذه المعاناة إلى ظروف اعتقال غير مناسبة، تشمل الطعام، والماء، والنظافة، والرعاية الطبية، والحق في الخصوصية، والحق في التعليم، أو من المعاملة المهينة والاعتداء من قبل وحدات مصلحة السجون الإسرائيلية، خاصة خلال النقل.

التحقيق

بعد اقتيادهن إلى مراكز الاعتقال، تحرم الأسيرات الفلسطينيات بشكل ممنهج من تقديم أي شرح لحقوقهن أو لأسباب اعتقالهن. وغالبًا ما يحرمن التواصل مع محاميهن، ويخضعن للتحقيق لعدة أيام، تتعرضن خلالها للتعذيب ولسوء المعاملة. وتتسبب وسائل المعاملة السيئة التعذيب ضد الأسيرات الفلسطينيات بأضرار ومعاناة نفسية وجسدية. وتشمل وسائل التحقيق العزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة، وظروف احتجاز غير إنسانية، والاستخدام المفرط للقيود وعصب العينين، والحرمان من النوم، والحرمان من الماء والطعام لفترات طويلة، والحرمان من استخدام الحمام ومن الاغتسال وتبديل الثياب لأيام أو أسابيع، والإجبار على الجلوس في وضعيات الشبح، والصراخ، والشتم، والإهانة، والتحرش الجنسي.

لمى خاطر هي صحفية وكاتبة فلسطينية وأم لخمسة أطفال. بعد جلسة التحقيق الأولى لها في 24 تموز 2018 في معتقل عسقلان، تم اقتيادها إلى زنزانة قذرة بدون نافذة، لم تتعدّ مساحتها 2*3 أمتار، بمرحاض ومغسلة مستخين جدًا. أما الأرض والجدران فكانت طينية. أحضر جندي ذكر للمى بعض الأغطية التي لم تكن كافية، إذ كانت الزنزانة باردة جدًا، بسبب مكيف الهواء. كما أن تقديم الطعام للمى لم يكن جيدًا، وعانت أيضًا من الحرمان من النوم. بعد بضع ساعات، بدأت جلسة التحقيق الثانية للمى، حيث خضعت لمى لـ 34 ساعة من التحقيق، تناوب خلالها 14 ضابط على التحقيق معها، كان أربعة منهم هم المحققين الرئيسيين. وفي كل جلسة تحقيق، كان يشارك محقق واحد إلى ثلاثة محققين، كانوا يهينون لمى ويشتمون عائلتها ومجتمعها.

تعرضت العديد من النساء الفلسطينيات للتحقيق خلال العام الماضي. بعضهن تم توجيه التهم لها بعد فترة من التحقيق، فيما تم إطلاق سراح بعضهن الآخر بلا تهم أو بناء على كفالة. معظم تلك الحالات كانت لنساء اعتقلن واحتجزن من أجل الضغط على العائلة أو على أحد أفراد العائلة الذي كان أسيرًا أصلًا، أو كجزء من سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية. أحد الأمثلة هو اعتقال فيروز شريم، شقيقة أشرف نعالوة، المتهم بتنفيذ عملية في مستوطنة إسرائيلية. فيروز هي محاضرة جامعية وحاملة درجة الدكتوراة، كما إنها أم لثلاثة أطفال. خضعت فيروز للتحقيق 28 يومًا في مركز تحقيق الجلمة، وثم تم الإفراج عنها بكفالة قيمتها 4500 شيكل. وتعرضت فيروز خلال هذه الأيام الثمانية والعشرين لسوء المعاملة، شملت التحرش، والإهانة، وجلسات التحقيق الطويلة، والحرمان من النوم، والتهديد، والضغط النفسي، والإهمال الطبي، والحرمان من تلقي زيارة المحامي، إضافة إلى إبقائها في بيئة غير مناسبة للنساء في الاعتقال. تعرّضت والدة فيروز للاعتقال أيضًا وقدمت لائحة اتهامات ضدها، وهي لا تزال معتقلة حتى اللحظة.

النقل العقابي: من سجن هشارون إلى سجن الدامون

كجزء من الإجراءات العقابية التي تلت تشكيل لجنة جديدة للتضييق على الأسرى الفلسطينيين، من قبل الوزير الإسرائيلي جلعاد أردان، تدهورت ظروف الاحتجاز في هشارون. هكذا، ومنذ أيلول 2018 بدأت الكاميرات في سجن هشارون للنساء العمل مرة أخرى، بعد أن كانت معطلة لسنوات إثر اتفاق بين الأسرى والإدارة في عام 2011. رفضت الأسيرات بشكل طبيعي فرض الكاميرات ، وتوقفن في 6 سبتمبر عن الخروج إلى الساحة للفورة. أجبر تركيب الكاميرات الأسيرات على إيقاف روتين الرياضة اليومي أو خلع الحجاب. لقد منعهن تركيب الكاميرات بشكل فعلي من القيام بأي من نشاطاتهن الاعتيادية، لما تمثله الكاميرات من انتهاك لخصوصيتهن.

إضافة إلى ذلك، أفادت الأسيرات بأن هناك نقص في الطعام المقدم، وتحديدًا أنواع معينة من الخضار والخبز. كما انخفضت نوعية وجبات الطعام، حيث أفدن تلقيهن بعض الوجبات غير المطبوخة، وخاصة الأرز. إضافة إلى ذلك، أشارت الأسيرات إلى أنه لم يكن هناك أي توفير للمياه الساخنة لمدة قاربت الشهرين، ابتداء من أيلول 2018.

وأكدت الأسيرات أيضاً أن الخدمات الطبية كانت غير متوفرة، واشتكين من سوء تصرف الطبيب المعين في هشارون. إذ أن العلاج الوحيد الذي قدمه هذا الطبيب هو النصح بشرب المزيد من الماء.

بعد فترة وجيزة، وفي بداية شهر تشرين الثاني 2018، نُقلت جميع الأسيرات والمعتقلات في هشارون إلى سجن آخر يدعى الدامون. وجاء هذا النقل كوسيلة لمعاقبة الأسيرات لرفضهن الإجراءات العقابية الجديدة ضدهن. وفيما يلي بعض الحقائق عن سجن الدامون:

- يقع سجن الدامون في الشمال، في غابات الكرمل في حيفا. تم إنشاء المبنى نفسه أثناء الانتداب البريطاني.
- تم فتح هذا السجن في عام 1953 كمخيم لاحتجاز الأسرى الفلسطينيين.
- كان الدامون قبل ذلك إسطبل خيل ومخزنًا للتبغ، ولم يكن هذا المكان أبدًا مكانًا مناسبا للبشر للعيش فيه.
- تم إغلاق هذا السجن عام 2000، ثم أعيد فتحه بعد عام واحد فقط في عام 2001، ثم أغلق وأعيد فتحه عدة مرات ويستخدم حاليًا كسجن لجميع الأسيرات الفلسطينيات.
- تعاني النساء في سجن الدامون في حياتهن اليومية. فالسجن يتضمن نسبة عالية من الرطوبة وبالتالي ليس مكانا صحيًا.
- نظام الصرف الصحي في السجن قديم ويؤثر أيضًا على بيئة النساء وصحتهن.
- إضافة إلى البيئة غير المناسبة، تعاني النساء أيضاً من الإهمال الطبي، والمعاملة السيئة من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية، والإهانة، والمضايقة أثناء النقل وتضييق في الكهرباء والزيارات العائلية.

النساء الفلسطينيات في سياق قانون الاحتلال

إن دولة الاحتلال مسؤولة عن أفعالها في الأرض المحتلة، ولا سيما سوء معاملة النساء أثناء الاعتقال والنقل. فتنص المادة 12 من التوصية العامة 28 الصادرة عن اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بشأن الالتزامات الأساسية للدول الأطراف على ما يلي:

"رغم خضوعها للقانون الدولي، فإن الدول تمارس في المقام الأول الولاية الإقليمية. غير أن التزامات الدول الأطراف تنطبق دون تمييز على المواطنين وغير المواطنين، بمن فيهم اللاجئون وملتمسو اللجوء والعمال المهاجرون وعديمو الجنسية ، داخل إقليم الدولة أو في الأراضش الخاضعة لسيطرتها الفعلية، حتى وإن لم تكن موجودة داخل الإقليم. الدول الأطراف مسؤولة عن جميع أعمالها التي تؤثر على حقوق الإنسان، بغض النظر عما إذا كان الأشخاص المتضررون موجودون أو لا في أرضهم".

علاوة على ذلك، تحظر المادة 3 (1) (ج) من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) "الاعتداء على الكرامة الشخصية ، ولا سيما المعاملة المذلة والمهينة". إلا أن هذا هو ما يحدث بانتظام للأسيرات الفلسطينيات، خاصة أثناء النقل والتفتيش العاري.

وتلقي شهادات النساء والفتيات الفلسطينيات الضوء على وحشية عملية الاعتقال، وكذلك الظروف داخل مراكز الاعتقال الإسرائيلية، ومراكز الاحتجاز والسجون، وحتى المستشفيات أثناء الاحتجاز. إن الاعتداء على النساء والفتيات الفلسطينيات وإساءة معاملتهن وتعذيبهن يجري في سياق استمرار الاحتلال لأكثر من 50 سنة وضم دولة الاحتلال للأرض الفلسطينية. تنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "على أن القضاء على الفصل العنصري ، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، هو شرط ضروري لتمتع جميع الرجال والنساء بكامل حقوقهم وحقوقهن".

التوصيات
تدعو الأمم المتحدة وجميع الدول الأطراف دولة الاحتلال إلى احترام اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وإلى التزامها بالسعي إلى تجاوز هذه الاتفاقية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 1325 من خلال تنظيم معاملة النساء والفتيات أثناء التحقيق والاعتقال، وظروف حياة النساء والفتيات في السجن.
تدعو الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة إلى وضع حد للإيذاء الجسدي والنفسي على أيدي الجنود أثناء اعتقال النساء والفتيات الفلسطينيات واحتجازهن غير القانوني في الأراضي المحتلة.
تدعو الدول الأطراف إلى وضع حد لممارسات التعذيب الجسدي والنفسي ضد النساء الفلسطينيات وإساءة معاملتهن أثناء الاستجواب.
تدعو الدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إسرائيل إلى وضع سياسة مراعية للاعتبارات الجنسانية من أجل معاملة السجينات الفلسطينيات.
تطالب الدول الأطراف والمنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان بالإفراج الفوري عن السجينات ووضع حد لإساءة معاملتهن.