تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية باهتمام بالغ التطورات المتسارعة التي تجري على صعيد السلطة القضائية، في ظل التحديات الجسيمة والخطيرة التي تمر بها القضية الوطنية، والمتمثلة فيما يسمى "صفقة القرن"، ومخططات الضم التي شرع الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذها على أرض الواقع بدعم أمريكي في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، مما يؤكد الحاجة الماسة إلى ترميم النظام السياسي الفلسطيني، وتوحيد السلطات والمؤسسات وفي مقدمتها السلطة القضائية، على أسس مهنية وموضوعية وشفافة، ذات فاعلية قادرة على ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ سيادة القانون كأساس للحكم الصالح، بما يعزز من قدرة المؤسسات الفلسطينية على مواجهة التحديات المحدقة بالقضية الوطنية.
لقد زاد الانقسام السياسي الفلسطيني منذ العام 2007 من حجم التحديات والمخاطر على النظام السياسي، فتعطيل عمل المجلس التشريعي الفلسطيني وحله لاحقاً، فاقم من الحالة  غير العادية أساساً بسبب واقع الاحتلال، فممارسة السلطة التنفيذية لصلاحيات اصدار القرارات بقوانين "التشريعات الاستثنائية" خلافاً لمتطلبات المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني المحددة بحالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، ودونما مشاركة مجتمعية وسياسية في أغلبها، واستمرار كتلة الإصلاح والتغيير في المجلس التشريعي في عقد جلساته في قطاع غزة وإصدار التشريعات خلافاً للقانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، كل ذلك انعكس سلباً على واقع الحقوق والحريات العامة، لما مثله من انحراف في استخدام السلطة ساهم في تقويض ما تبقى من النظام السياسي، وعزز من حالة التعايش مع الانقسام تحت مبررات مختلفة.
لم تكن السلطة القضائية بعيدة عن تداعيات الانقسام، حيث أصبح هناك مجلسان للقضاء، واحد في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة، وانطبق الأمر ذاته على النيابة العامة، فأصبح هناك نائبان عامان، واحد في الضفة وآخر في قطاع غزة أيضاً. وبدلاً من أن يكون القضاء جساً واحداً يسهم في وحدة الشعب والوطن، أصبح جزء من الانقسام يحتاج هو أيضا للتوحيد، مما أدى إلى اقحام السلطة القضائية في أتون الانقسام والتجاذبات السياسية، وأصبح مكاناً مهماً للتدخل بما يمنح المنقسمين أدوات إضافية لتثبيت واقع الانقسام واحكام السيطرة على جميع السلطات.
ما زالت محاولات إجراء مصالحة وطنية وإنهاء الانقسام تراوح مكانها منذ ثلاثة عشر عاماً، بما سمح باستمرار الواقع غير الديمقراطي لكافة مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، حيث لم تجر الانتخابات التشريعية منذ استحقاقها في العام 2010، كذلك الرئاسية، مما أدى إلى تآكل شرعية جميع السلطات بفعل غياب الممارسة الديمقراطية وممارسة كل سلطة من السلطات الثلاث، صلاحياتها المناطة بها  بموجب القانون الأساسي، الأمر الذي أفقد جيل كامل من حقه في المشاركة السياسية، والوصول لمراكز صنع القرار، فضلاً عن تكريس مجموعة من المصالح لفئات ترى في انهاء الانقسام تهديداً لمصالحها ومكاسبها عبر هذه الفترة من الزمن.
إن بنية النظام السياسي الفلسطيني، والتي كانت ترى أن المحكمة العليا قادرة على القيام بمهام وصلاحيات المحكمة الدستورية العليا، التي عقدت جلساتها وأصدرت احكاماً بهذه الصفة لأكثر من خمسة عشر عاماً دون ظهور ما ينبئ بوجود ضرورة ملحة غير قابلة للتأجيل تتطلب صدور اعلان بتشكيل محكمة دستورية عليا، حيث طغى على تشكيلها الاعتبارات السياسية، وأثارت قرارتها جدلاً واسعاً في المجتمع الفلسطيني بما يتطلب إعادة النظر في قانونها وتشكيلها.
ومع مرور الوقت وغياب الأفق لإجراء مصالحة وطنية، استمر طوال السنوات الماضية النزف  داخل الجسم القضائي، حيث يعد التدخل من قبل السلطة التنفيذية في الشأن القضائي من أهم عوامل غياب استقلال القضاء وانتهاك لمبدأ سيادة القانون،  فمثل تعيين رؤساء مجلس القضاء الأعلى خلافاً لأحكام قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والطلب من رؤساء مجلس القضاء الأعلى تقديم استقالاتهم المسبقة قبل تعيينهم، انتهاك جسيم لمبادئ استقلال السلطة القضائية وحيادها، مما ساهم في زيادة التدخل في الشأن القضائي وانعكاسه على الوضع الداخلي في القضاء، وصل لحد الانقسام داخل الجسم القضائي وجموع القضاة، بما أثر سلباً على صورة القضاء وهيبته، وثقة المواطنين به، علاوة على تأثيره السلبي والخطير على الحقوق والحريات، والحقوق الفردية للمتقاضين.
إن تدخلات السلطة التنفيذية من تشكيل اللجنة الرئاسية لتطوير قطاع العدالة، ولاحقاً حل مجلس القضاء الأعلى الدائم وتشكيل المجلس الانتقالي، واحالة عدداً من القضاة إلى التقاعد، وندب للقضاة، لم تفلح حتى اللحظة بتحقيق الهدف المنشود والغاية المرجوة من وجود قضاء فلسطيني مستقل فاعل، يقدم خدمة العدالة الناجزة للمواطنين بفاعلية ونزاهة ويقوم على مبدأ استقلال السلطة القضائية مالياً ووظيفياً وإدارياً، بما يعيد الهيبة للقضاء، وثقة المواطنين به، ويساعده على المساهمة في معركة الصمود كغيره من المؤسسات الأخرى، بما يشكل ركيزة أساسية للنظام السياسي الفلسطيني، يحتكم الجميع اليها مطمئناً  لأحكامها.
لم يشكل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 يوماً عقبة أمام النهوض بواقع القضاء الفلسطيني، بل يعد التدخل في الشأن القضائي وتجاوز أحكام ونصوص قانون السلطة القضائية وغياب إرادة سياسية جادة لمنع التدخل في الشأن القضائي أهم عوامل تراجع القضاء؛ وتدني ثقة المواطنين به، بما يتطلب احترام قانون السلطة القضائية وتطبيقه وعدم تجاوز أحكامه. 
مما لا شك فيه، أن وجود قضاء مستقل ونزيه وعادل، يتطلب بالضرورة وجود قضاة أكفاء يتمتعون بالخبرة والمهنية، والسيرة الحسنة. كما يتطلب وجود أدوات رقابة فاعلة تحتكم إلى القانون على قاعدة المساواة وعدم التمييز، مع ضمان المساءلة والمحاكمة العادلة على قاعدة مكافحة الفساد واحترام حقوق الإنسان وفرض حكم القانون على الكافة وإعمال التقييم المهني الشفاف والمساءلة كنهج دوري للبناء والتطوير، بما يعزز مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة على الصعيد القضائي والإداري، كما يتطلب توفير السبل كافة الكفيلة بالعيش الكريم للقضاة، بما يكفل رفعتهم وترفعهم ويضمن هيبة القضاء بين المتخاصمين.
إن انضمام دولة فلسطين للاتفاقيات الأساسية للحقوق الإنسان يرتب عليها مجموعة من الالتزامات تتطلب الارتقاء بالأداء المؤسسي، بما ينسجم والمعايير الخاصة باستقلال القضاء وحياده، وبخاصة المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1985، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.  وهذا سيعزز مكانة فلسطين دولياً، ويدعم جهود القيادة السياسية التي تطالب دول العالم ومجلس الأمن بالاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
إن مؤسسات حقوق الإنسان، وإذ تستشعر خطورة المرحلة، وتداعيات التطورات الأخيرة على صعيد السلطة القضائية، والانعكاسات السلبية للاستمرار التدخل في الشأن القضائي، على الحقوق الحريات العامة، وحقوق المتقاضين، فإنها تؤكد على ما يلي:

  1. عدم تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والتطبيق الأمين لأحكامه. إلى حين اجراء انتخابات عامة وتشكيل برلمان منتخب.
  2. العودة سريعاً ودون إبطاء إلى تشكيل مجلس القضاء الأعلى الدائم وفق قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، وعدم التدخل في الشأن القضائي.
  3. قيام مجلس القضاء الأعلى الدائم بالشروع بمشاورات مع كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية، وتقديم رؤيته بشأن النهوض بواقع القضاء الفلسطيني، وعكسها في خطة محددة بسقف زمني واضح.
  4. إعادة النظر في تشكيل المحكمة الدستورية وفي القانون الناظم لعملها، بما يضمن استقلالها وحيادها، وابعدها عن التسييس.
  5. اتخاذ خطوات جادة لاستعادة الحياة الديمقراطية على رأسها إنهاء الانقسام السياسي، والدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب فرصة ممكنة، تضمن حق الجميع بالمشاركة في صنع القرار الوطني، وتعزيز العمل المؤسسي والحقوق والحريات وسيادة القانون.

انتهى
توقيع المؤسسات

1

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 

8

الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان

2

مؤسسة الحق 

9

الهيئة الأهلية لإستقلال القضاء وسيادة القانون-إستقلال

2

مركز الميزان لحقوق الإنسان 

10

مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان 

3

المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"

11

مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية
"حريات"

4

مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان 

12

مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان 

5

جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية

13

مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان

6

مركز اعلام حقوق الإنسان والديمقراطية شمس

14

مركز الدراسات النسوية

7

الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال

 

 

 

http://www.alhaq.org/ar/advocacy/17221.html