في اليوم الذي ينصّبه العالم احتفالاً بالمرأة وحقوقها، تقبع 35 أسيرة فلسطينيّة في سجن الدامون، ما بينهم 11 أم و10 أسيرات مريضات و6 جريحات، و3 معتقلات إدارياً، تجسيداً لانتهاك سلطات الاحتلال لحقوق المرأة الفلسطينيّة وأسماها الحقّ في الحريّة. 

عَمدت سلطات الاحتلال إلى الزجّ بالفلسطينيّات والفلسطينيين في سجونها، ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكريّة واستهدفت سلطات الاحتلال النساء الفلسطينيّات على اختلافهّن، فلم تسلم الأمهّات و/أو الطالبات و/أو المدافعات عن حقوق الإنسان من الاعتقال، حيث يتمّ انتزاع هؤلاء النساء من بين عائلاتهّن وأطفالهّن وأعمالهنّ، واعتقالهنّ في ساعات الفجر، وتعرضهّن للمعاملة السيئة، ومعاناتهّن من أساليب التحقيق المختلفة، واختبارهنّ للتعذيب النفسيّ والجسديّ المتمثّلة في وضعيات التعذيب المتنوعة. وصولاً إلى ما تمّر به الأسيرات من إهمال طبّي داخل السجن، وأخيراً محاكمتهّن أمام محاكم عسكريّة تفتقر للشرعيّة، في خرقٍ واضح لمعايير المحاكمة العادلة. 

تقوم سلطات الاحتلال بوضع الأسيرات في سجن يفتقر إلى ابسط مقومات الحياة الإنسانية، وتهملهن طبياً. وتخالف دولة الاحتلال، من خلال هذه الممارسات، الاتفاقيات الدولية، وبخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابيرغير الاحترازية للمجرمات (قواعد بانكوك).

في اليوم العالميّ للمرأة، تحييّ مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان المرأة الفلسطينيّة وصمودها حيث أنّها جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطينيّ، وتطالب مؤسسة الضمير بالإفراج العاجل عن كلّ الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال، وتؤكد على التزامها بحماية حقوق الإنسان وفي مقدّمتها حقوق المرأة الفلسطينيّة.

 

الاعتقال الإداريّ يلاحق الأسيرة ختام سعافين

عُرفت ختام سعافين (56عاماً) بنشاطها النسويّ والمجتمعيّ، وتشغل سعافين منصب رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينيّة، وعدّة مناصب أخرى. ولطالما اعتبرت سعافين مناضلة مجتمعيّة ونسويّة ونادت بحريّة الشعوب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ودورها في كلّ الميادين، فما كان من الاحتلال إلّا ملاحقتها في محاولةٍ لقمعها وإسكات أي صوت ينادي بحقوق الشعب الفلسطينيّ وحريّته، حيث اعُتقلت سعافين مرتيّن وتمّ تحويلها للاعتقال الإداريّ. 

اعُتقلت سعافين في تاريخ 2/11/2020 من منزلها الكائن في بلدة بيتونيا، خلال ساعات الفجر الأولى، وتم إصدار أمر الاعتقال الإداريّ بحقّها في تاريخ 9/11/2020 ولمدّة 6 شهور تم تقصير المدّة الى 4 شهور، بحيث يتّم الإفراج عنها في بداية شهر آذار الحاليّ من العام 2021، إلّا أنّه تم تجديد أمر الاعتقال الإداريّ بحقّ سعافين لمدّة 4 شهور أخرى. 

يُشار الى أن سعافين اعتُقلت في تاريخ 2/7/2017، لاحقاً، صدر بحقّها قرار اعتقال إداريّ لمدّة 3 شهور، وادعّت النيابة العسكريّة أن ختام عضو نشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وطالبت المحكمة بتأكيد أمر الثلاثة أشهر بناء على هذا الاتهام.

وتستخدم سلطات الاحتلال سياسة الاعتقال الإداريّ لزج المعتقل لأشهر وسنين بالاعتقال الإداري بذريعة وجود مواد سرية تقول أن للمعتقل نشاط في الفترة الأخيرة تكفل بقاءه في السجن لأطول فترة ممكنة، دون الحاجة لتقديم إثباتات وتواريخ وتفسيرات، ودون الاكتراث بحق المعتقل ومحاميه بمعرفة التهم الموجهة له والدفاع عن نفسه، منتهكّةً بذلك ضمانات المحاكمة العادلة المتمثّلة في الحقّ في إعلام المعتقل بطبيعة الاتهام وسببه، كذلك الحقّ في قدرة المحامي على الإطلاق على لائحة الاتهام والمواد المقدّمة ضد موكّله لإعداد دفاعه. 

 

خالدة جرار: مثال على الملاحقة للناشطين السياسيين 

مؤخراً، أصدرت محكمة عوفر العسكريّة لدولة الاحتلال حكماً بحقّ النائب في المجلس التشريعي الفلسطينيّ السيدة خالدة جرار يقضي بحبسها لمّدة 24 شهراً سجناً فعلياً و12 شهراً مع وقف التنفيذ لمّدة خمس سنوات من يوم الإفراج عنها. ويذكر أن جرار اعُتقلت يوم 31/10/2019 في حملةٍ استهدفت العشرات من الناشطين السياسيين والطلاب الجامعيين في النصف الثاني من العام 2019. قامت النيابة العسكريّة بتعديل لائحة الاتهام لتقّر بشكلٍ قاطع أن نشاط جرار اقتصر فقط على الدور السياسي وعملها مقابل السلطة الوطنيّة الفلسطينية، ولتؤكد أنه لم يكن لها أيّة علاقة في أيّ عمل عسكريّ، تنظيميّ أو ماليّ. 

يُذكر أن جرار اعُتقلت مراتٍ عديدة، حيث اعُتقلت في تاريخ 2/7/2017، وصدر أمر اعتقال إداري بحقّها لمدّة 6 أشهر، وكان من المفترض أن يتّم الإفراج عنها في 1/1/2018، إلّا أنه تم تجديد اعتقالها الإداريّ 3 مرات متتالية، في المرّة الأولى لمدّة 6 أشهر، والثانية والثالثة لمدّة 4 شهور على التوالي، ليّتم الإفراج عن جرار في 28/2/2019، أيّ قبل حوالي 8 أشهر من اعتقالها الأخير. وزعمت النيابة العسكريّة أن الاعتقال الإداريّ لجرار مبنيّ على معلومات ووثائق سريّة تتعلق بانتمائها المزعوم للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. 

إن الملاحقة السياسيّة التي تتعرضّ لها السيدة جرار هي مثالٌ واضحٌ على الاعتقال الممنهج للقادة السياسيين الفلسطينيين كجزء من الجهود الإسرائيليّة المستمرّة لقمع الفلسطينيين ومنعهم من الحقّ في تقرير مصيرهم.

يُشار الى أن جرار قائدة وناشطة سياسيّة ومجتمعيّة، تمّ انتخابها في المجلس التشريعي الفلسطيني وترأست لجنة الأسرى في المجلس التشريعي الفلسطيني منذ ذلك الحين. إضافةً الى ذلك تم تعيين السيدة جرار في اللجنة الوطنية الفلسطينية لمتابعة أعمال المحكمة الجنائية الدولية. كما شغلت السيدة جرار منصب مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان من العام 1994 وحتى العام 2006.

 

ليان كايد… تجسيد لمعاناة الطالبات الجامعيّات 

اعتُقلت ليان صباح يوم 8/6/2020 أثناء مرورها عن حاجز زعترة العسكريّ، حيث أوقف جيش الاحتلال سيارة والدتها التي كانت تقلها وبعد أن طلبوا هويتها أنزلوها من السيارة وقاموا بتفتيشها ميدانياً. وفي الأثناء تحدّث إليها هاتفياً ضابط الشاباك وأبلغها أنها موقوفة. وقام جنود الاحتلال بتقييد يديها للأمام وقدميها بقيود حديدية، وأجلسوها على كرسي في الخارج.

نُقلت ليان الى سجن هشارون، والذي يحوي أقساماً للسجناء المدنيين، حيث وُضعت في غرفة مليئة بالكاميرات في أول يومين، ومن ثم نقلت لغرفة أخرى. لم يُوفر لها ملابس جديدة ونظيفة، مما اضطرها لأخذ ملابس من سجينة مدنية وغسلها لإعادة ارتدائها. تعرضت ليان للاستجواب مرتين، إذ نُقلت من هشارون إلى سجن عوفر للاستجواب، وكانت تخرج منذ الصباح الباكر وتعود مساءً، في رحلة طويلة ومرهقة وهي مقيدة في البوسطة. وجرى استجوابها في المرتين وهي مقيّدة للأمام، وتمحور الاستجواب حول العمل الطلابي والنقابي في الجامعة.

يسعى الاحتلال، باعتباره نظام فصل عنصريّ، الى قمع أي محاولةٍ من قبل الطلاب لممارسة حقوقهم الأساسيّة، بما في ذلك حريتهم وحقّهم في المشاركة في الحياة السياسيّة. ويعمد من خلال هذه السياسة الى ترهيب الطلاب الفلسطينيين، وحرمانهم من حقّهم في حرية ممارسة الأنشطة النقابيّة والطلابيّة والمشاركة فيها، وبذلك فإنه ينتهك كلّ المواثيق والمعاهدات الدولّية التي تحمي هذه الحقوق.

ليان هي الابنة الوسطى لعائلة مكونة من ولدين وثلاثة بنات، كما أنّ ليان حاصلة على مرتبة الشرف من الجامعة. التحقت ببرنامج البكالوريوس في علم الاجتماع بجامعة بيرزيت، بمعّدل 96 في امتحان الثانوية العامّة -التوجيهي-. تّم اعتقال ليان بمجّرد الانتهاء من متطلبات التخرّج وقبل أن تستلم شهادتها التي تتّوج رحلة أكاديميّة لمدّة 4 سنوات، وسُلبت منها فرحتها بتخّرجها مع أحبائها.

 

ظروف الأسر

تقبع الأسيرات في سجن الدامون المقام على أراضي الكرمل المحتلّ، والذي تأسس إبان الانتداب البريطانيّ على فلسطين، وتقبع فيه حالياً 35 أسيرة فلسطينيّة.  تمّ الحكم على 24 أسيرةٍ منّهن 8 أسيرات حُكم عليهم بالسجن الفعليّ لمدّة 10 سنوات أو أكثر، فيما تنتظر 8 أخريات للحكم عليّهن. ويتواجد في ذلك السجن 10 أسيرات مريضات، و6 جريحات. 

وتعاني الأسيرات في سجن الدامون، الذي يعدّ غير صالحٍ للعيش الآدمي، من سياسات الاحتلال المجحفة بحقّهن، كسياسة الإهمال الطبيّ، إضافةً إلى عدم استجابة إدارة مصلحة السجون لاحتياجات الأسيرات الخاصّة والحساسّة، والخضوع للعلاج المناسب، ولذلك وعبر زيارات محامي مؤسسة الضمير، وُثِّقت الانتهاكات بحقّ الأسيرات على أيدي الأطباء والممرضين، والتي لا تدّل إلّا على سياسة الاحتلال العنصريّة اتجاه المعتقلين الفلسطينيين حتى حرمانهم من حقّهم في العلاج. 

تجسّد حالة الأسيرة المريضة نورهان عوّاد مثالاً واضحاً على سياسة الإهمال الطبيّ بحقّ الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، حيث أطلقت قوّات الاحتلال النار على عوّاد أثناء عمليّة اعتقالها في تاريخ 23/11/2015، وأصابتها بأربعة رصاصات، واحدة في الفخذ في الرجل اليسرى وثلاثة في الجانب الأيمن من البطن. ومنذ ذلك الوقت، تعاني عوّاد من أثار هذه الرصاصات وأوجاعها، خاصّة تلك المستقّرة في منطقة البطن، حيث وصفت الوجع للمحاميّة بأنّ أشبه الى وخزات قويّة. وبعد عام، تمّ الحُكم على عواد بالسجن الفعلّي لمدّة 10 سنوات، رغم أنّها كانت مصابة وقاصراً. 

تستّمر سلطات الاحتلال في استخدام سياسة الإهمال الطبيّ بحقّ الأسيرات والأسرى الفلسطينيين رغم الوضعيّ الصحيّ السيء في ظّل تفشّي فيروس كورونا والطفرة الجديدة، ولا ننسى أن إدارة مصلحة السجون فشلت في حماية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أثناء انتشار الجائحة، حيث لا يزالون يعانون من ظروفٍ قاسية، في أماكن غير صالحة للعيش، وغير نظيفة، وفي الوقت الذي لا توفر فيه إدارة مصلحة السجون المنظفّات إلا بكميّات قليلة.

 تنصّ  المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة أن السجناء والمعتقلين يخضعون لنظام غذائي وصحي يكفل المحافظة على صحتهم ويناظر على الأقل النظام المتبع في سجون البلد المحتل، كما وتقدم لھم الرعاية الطبیة التي تتطلبھا حالتھم الصحیة. وتنص المادة 85 على أن ضرورة توفير الدولة الحاجزة أماكن إقامة مناسبة للحفاظ على صحة السجناء والمعتقلين لديها وصحتهم.

تخضع الأسيرات الفلسطينيات لسياسات تعسفية أخرى، بما في ذلك العزل الانفرادي، سواء كإجراء تأديبي، أو لأسباب تتعلق بأمن الدولة أو أمن السجن أو السجين. ادعت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في تاريخ 10/6/2020، تعديّ أسيرتين (فدوى حمادة وجيهان حشيمة) على سجّانة، فتّم عزلهما انفرادياً لمدة 72 يومًا في عزل سجن الجلمة. وقبل نقلهم إلى سجن الجلمة، تم تقييد أيديهم بالقيود البلاستيكية لساعات في غرفة بسجن الدامون. وواجهت المعتقلتان الفلسطينيتان صعوبات شديدة أثناء وجودهما في العزل الانفرادي، حيث تم احتجازهما في زنزانة 3م*3م، غير نظيفة وغير صحية بها كاميرات مراقبة تنتهك حقهما في الخصوصية. وحديثاً، تمّ عزل الأسيرة فدوى حمادة ة لمّدة 106 أيام في ظروفٍ مشابهة، في عزلٍ تامٍ عن العالم الخارجيّ وعن رفيقاتهّا في الأسر، ورافقتها في العزل من تاريخ 19/1/2021 الأسيرة نوال فتيحة، وعايشت نفس الظروف، حيث تم معاملتهما معاملة سيئة وتم التلفظ بالشتائم ضدّهما، وتكبيلهما بالأبراش الحديديّة، وعدم الاكتراث لمتطلباتهما الحثيثة ولوضعهن الصحيّ، وحرمتا من الخروج لساحة الفورة، وبذلك انتهكت سلطات الاحتلال كلّ الاتفاقيات والمواثيق الدولّية، مسببّين ضرراً جسدياً ونفسياً للأسيرات المعزولات.