40 جنديا لاعتقال طفل

استيقظت والدة نور في تمام الساعة الثالثة فجرا يوم الاثنين 3/04/2017 على أصوات طرق الباب الرئيسي لمنزلهم الكائن في بلدة عناتا شمال القدس. لتجد المنزل محاطا بأكثر من 40 جنديا وعددا من الجيبات العسكرية، وفور أن فتحت الباب اقتحم المنزل حوالي 15 جنديا برفقتهم ضابط. عرف الضابط عن نفسه وقال بأنهم جاءوا لاعتقال نور - ابن السادسة عشر - والذي كان مستيقظا في تلك اللحظة، فقال له أن يحضر هويته وجهاز الكمبيوتر الخاص به، ذهبت والدته لإيقاظ أخواته (13 و15 عاما) لكي يروا نور قبل اعتقاله، ولكن الضابط قام بفصل نور عن افراد عائلته لاستجوابه بغرفة أخرى، وبالرغم من اعتراض والدته على هذا الأمر قائلة للضابط بأنه قاصر ويتوجب حضور أحد والديه أثناء الاستجواب إلا أنه رفض، وأجبرها على بالجلوس بغرفة الصالون مع ابنتيها وزوجها. سمعت الأم الجنود يهددون نور ويصرخون عليه لمدة حوالي 10 دقائق أثناء استجوابه، وبعدها أخبروه بأنهم سيعتقلونه بسبب التحريض على موقع فيسبوك.

استمرت عملية اقتحام البيت والاستجواب حوالي 45 دقيقة، وبعدها عصبوا عيني نور وكبلوا يديه، دون أن يخبروا العائلة أي معلومة حول سبب اعتقاله أو إلى أي جهة سيأخذونه، اقتادوه إلى جهة غير معلومة. وبعد أكثر من 8 ساعات علمت والدة نور أنه نقل إلى سجن عوفر.

نور يفتقد أخوته

لدى نور أخ أكبر وثلاثة أخوات، أخته الكبرى آلاء (24 عاما)، والتي أنجبت حديثا خلال اعتقاله، وثم أخيه براء (20 عاما) وهو معتقل عند السلطة الفلسطينية منذ 22 شهرا، ونور هو الابن الثالث (16 عاما)، وثم شيماء (15 عاما) وإسراء (13 عاما). تمكنت والدة نور من زيارة طفلها مرة واحدة فقط منذ اعتقاله بنيسان، في حين حرم والده من زيارته "لأسباب أمنية"، وقد أثر اعتقال نور على العائلة ككل، خاصة أخواته الصغار فقد تأثرت نفسيتهن بشكل كبير وانعكس ذلك على دراستهن، خاصة مع اعتقال أخيهن براء، وبالنسبة للأم فتقول أن أكثر ما يؤلمها هو الضغط النفسي الذي يعيشه ابنها كطفل بعيدا عن والديه وأخوته، فكل ما تحدث عنه بالزيارة هو حزنه لعدم وجوده معهم في شهر رمضان وعيد الفطر، وأنه لم يتمكن من رؤية ابنة أخته التي ولدت بعد اعتقاله. فقد أمضى نور الأشهر الماضية في السجن، دون أن يتشارك ألعابه وأسراره مع أخواته، ومرت أيامه دون أن يحظى بدفء أمه وكلماتها، ويبدأ نهاره بلا نصائح أبيه وتعاليمه، كما حرم لأول مرة من أن يحضن أخواته صباح العيد وأن يشعرهن بأنه سند لهن رغم صغر سنه. وحرم من أن يعيش دور الخال لابنة أخته حديثة الولادة، وأن يتباهى بأنه أصبح خالا في سن السادسة عشر!

يقبع نور الآن في سجن عوفر مع مئات الأطفال الذين يحرمون في كل لحظة من دراستهم وخطط مستقبلهم ودفء عائلاتهم، وفي كل يوم يمر يكبرون عشرات الأيام بعيدين عن كل ما يمت للطفولة من صلة، محتجزين بين أربعة جدران لا يرون منها سوا حقد السجان ونظرات المحققين الحانقة، وجلسات المحاكم التي لا يعرفون لمَ ينزلون إليها وعلى ماذا تتم محاكمتهم.

 

الاعتقال الإداري يلاحق الأطفال أيضا

خضع نور فور اعتقاله للتحقيق في سجن عوفر لمدة 11 يوما، ووجهت له لائحة اتهام تتعلق بالتحريض عبر صفحته على الفيسبوك، إلا أن القاضي في تلك الجلسة رفض اعتقال نور حتى نهاية الإجراءات، وأصدر قرارا بإطلاق سراحه بكفالة 4000 شيكل. لم يرق هذا القرار للنيابة التي أصرت على اعتقال نور بأي ثمن، فأصدرت على الفور أمر اعتقال إداري لمدة أربعة أشهر من 13.4.2017 حتى 2.8.2017. بادعاء أنه يشكل خطرا على أمن المنطقة وان هناك نية لتنفيذ عملية، ورغم ادعاء المحامي أن تهمة التحريض التي تتطرق لها لائحة الاتهام لا تدعم الاعتقال الإداري وتتعارض معه، وأن الشبهات الموجهة له قديمة وموجودة سابقا لدى جهاز الأمن، ورغم تأكيد القاضي بعد الاطلاع على المواد العلنية والسرية على ادعاء المحامي، إلا أنه رأى تثبيت أمر الاعتقال الإداري ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن المعتقل طفل، فقرر تخفيف المدة إلى شهرين فقط حتى يوم 2.6.2017. ولكن النيابة استأنفت على قرار تقصير الأمر، وقرر قاضي الاستئناف قبول استئناف النيابة وإعادة كامل المدة حتى 2.8.2017، ومع ذلك لم تكتف النيابة بالأمر الأول، فأصدرت قبل انتهائه أمرا جديدا لمدة ثلاثة أشهر من 2.8.2017 وحتى 1.11.2017، مستندة إلى ادعاءاتها السابقة أنه يشكل خطرا على أمن المنطقة، وطالبت بتثبيت الأمر على كامل المدة، وادعت النيابة أنه مشارك بعملية إرهاب شعبي، وأنه متطرف على حسابه على الفيسبوك. طلب محامي الطفل تقصير الأمر حتى 1.9 ليتمكن نور من قضاء عيد الأضحى مع عائلته وأخوته، إلا أن القاضي صرح أنه بعد الاطلاع على كامل المواد العلنية والسرية يرى أن هناك ضرورة لإبقائه في الاعتقال الإداري، ويوضح أنه تردد قبل إعطاء القرار كون المعتقل طفل، ولكنه في النهاية ولأنه طفل قرر تثبيت اعتقاله على كامل المدة خوفا من "أن تدخل نواياه حيز التنفيذ مع وصوله لسن الثامنة عشر"، وقرر عدم الإفراج عن المعتقل وعدم تقصير الأمر، وتثبيته لكامل المدة، مع تعهد النيابة بعدم تجديد الأمر إلا في حال ظهور مواد جديدة.

ومن الجدير بالذكر انه تم اعتقال نور مرتين خلال عام 2016، وكان الاعتقال يستمر لمدة أسبوع واحد في كل مرة، بادعاء التحريض على موقع فيسبوك.  

تؤكد حالة الطفل نور عيسى أن الاحتلال لا يفرق بين طفل وبالغ، ولا يعطي أي اعتبار لتأثيرات الاعتقال النفسية على المعتقل في حال كونه طفلا، ويهمل خصوصية وضع الطفل في حاجته للبقاء مع عائلته وقرب والديه، فسلطات الاحتلال لا تكتفي باعتقال الأطفال والحكم عليهم بالبقاء داخل السجن لأشهر أو سنين، وإنما تلجأ لاستخدام الاعتقال الإداري في حال عدم توفر أدلة كافية لاعتقالهم، وهو ما يثبت أن الاحتلال يعمد إلى اعتقال الأطفال لترهيبهم والتأثير على وعيهم وتفكيرهم المستقبلي، والتدخل بنموهم الفكري والثقافي وحتى الاجتماعي من خلال عزلهم عن محيطهم وعائلاتهم. وتثبت حالة الطفل نور أنه انتقام من شخص الطفل وعائلته، خاصة أنه يذكر في قرار تثبيت نور أن أخاه قد نفذ عملية طعن، وهو معتقل عن السلطة الفلسطينية، وبذلك يكون الاستمرار في اعتقال نور بمثابة عقاب جماعي للعائلة، وليس بدافع قانوني مقنع، فبعد فشل النيابة في احتجازه على لائحة الاتهام التي قدمت له، لجأت إلى الاعتقال الإداري لضمان بقائه في السجن أطول فترة ممكنة. ومع أن القاضي يذكر أنه تردد في إعطاء القرار كون المعتقل طفلا، إلا أنه يعود ويوافق على اعتقاله لكامل المدة متجاهلا عمره وحاجاته وتأثيرات الاعتقال عليه. وبهذا يكون نور هو أصغر معتقل إداري داخل سجون الاحتلال، حيث لم يتخط بعد مرحلة الطفولة.

لا طفولة تحت الاحتلال

ليست حالة نور بالحالة الفريدة من نوعها، فلم يكف الاحتلال يوماً عن استهداف الأطفال الفلسطينيين بإجراءاته وسياساته التعسفية والقمعية، وهناك سياسة واضحة لدى الاحتلال لاعتقال الأطفال بأعمارهم الصغيرة لبث الرعب والقلق في نفوسهم ومنعهم من التفكير في أو ممارسة أي من حقوقهم المشروعة في الدفاع عن نفسهم ومقاومة انتهاكات الاحتلال المستمرة والمتصاعدة بحقهم كأطفال؛ بداية بالاعتقال، وزجهم في سجون تفتقر لأدنى شروط الحياة الإنسانية، مروراً بالتنكيل بهم وتعرضهم  لسوء المعاملة والتعذيب سواء أثناء الاعتقال أو في داخل مراكز التوقيف والتحقيق، وصولا إلى حكمهم لأشهر وسنوات قد تصل لأكثر من 10 سنوات دون أدنى تمييز ومراعاة لخصوصيتهم العمرية التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الخاصة بالأطفال، أو من خلال استخدام سياسة الاعتقال الإداري المبني على أساس معلومات سرية كما في حالة نور.

من المتوقع أن يفرج عن نور في الأول من تشرين ثاني 2017، وذلك في حال لم تقدم النيابة أي مواد أو معلومات سرية جديدة كما في الأمر السابق، ويعيش نور توتر الاعتقال الإداري والترقب الذي لم يكن يوما مخصصا للأطفال، أو معدا لكي يفهمه طفل بعمره، فكيف يفهم ابن السادسة عشر بعد انتهاء الأربعة أشهر الأولى واستعداده لعناق أمه أن النيابة أصدرت أمرا جديدا، وأنه لن يخرج للحرية؟ وكيف يستوعب نور أنه بعد أن صدر بحقه قرار إفراج، حُرم من أن يعود لبيته وتلقفه الاعتقال الإداري؟ مع نور يقبع 320 طفلا في سجون الاحتلال بين عوفر ومجدو، يعانون آلام السجن والبعد عن العائلة والحارة المدرسة، ويعدون الأيام ليعودوا لحضن أمهم وأبيهم وضحكات أخوتهم، وبينهم نور.. ينتظر نور الحرية

 

Last Update