إن سياسة الإهمال الطبي هي واحدة ضمن العديد من الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الأسرى والأسيرات المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 750 أسيراً وأسيرة[1]، يعانون من أمراض مختلفة بعضها مزمن وبعضها خطير. وتشير إحصائيات مؤسسة الضمير إلى وجود 26 أسيرة فلسطينية مريضة تعاني من أمراض متعددة ومشاكل صحية، كأمراض القلب والغدة الدرقية والسكري والضغط، ومشكلات المعدة والأسنان، والعظام والعيون، إضافة إلى وجود 7 أسيرات جريحات تعرضن لعنف مباشر من خلال استخدام الاحتلال للقوة المفرطة أثناء اعتقالهن، وأدت هذه السياسة إلى معاناة الأسيرات ما بعد الإصابة في عدم تقديم العلاج المناسب لهن ولوضعهن الصحي.

إن أثر سياسة الإهمال الطبي يمتد ليطال الأسرى المحررين بعد الخروج من السجن، حيث سقط العديد من الشهداء بعد تحررهم من الأسر نتيجة للإهمال الطبي الذي تعرضوا له أثناء فترة الاعتقال، لتفاقم الأمراض التي أصابتهم أثناء الاعتقال وعدم تلقيهم العلاج اللازم في حينها.

تُمعن سلطات الاحتلال بانتهاك حقوق الأسرى المكفولة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية فيما يتعلق بحق المعتقلين بتلقي العلاج اللازم والرعاية الطبية، حيث كفلت اتفاقية جنيف الرابعة في المواد (76) و(85) و(91) و(92) حق الأسرى بتلقي الرعاية الطبية الدورية، وتقديم العلاج اللازم لهم من الأمراض التي يعانون منها، وتنص على وجوب توفير عيادات صحية وأطباء متخصصون لمعاينة الأسرى، حيث تتنصل سلطات الاحتلال من التزاماتها بموجب المواثيق الدولية مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للأسيرات والأسرى.

واقع الإهمال الطبي في السجون

إن الظروف القاسية التي يواجهها الأسيرات والأسرى الفلسطينيين داخل السجون تزيد من معاناة الأسرى المرضى وتفاقم حالتهم الصحية، كما وتؤدي بالضرورة إلى وجود حالات مرضية جديدة نتيجة لعدم توفر بيئة صحية ومناسبة للعيش الآدمي، حيث تؤثر بيئة السجن على ازدياد الحالات المرضية، فمعظم السجون هي سجون قديمة ولا تتفق مع المعايير الدولية من حيث مساحتها وبنائها العمراني، وتنتشر فيها الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى تنصل إدارات السجون من التزاماتها إزاء الاحتياجات الشخصية والعامة.

 كما ويعاني الأسرى من الإصابات التي تعرضوا لها وقت الاعتقال أو أثناء التحقيق أو نتيجة لتعرضهم لقمع الوحدات الخاصة، مما يزيد من أعداد الأسرى المصابين والمرضى الذين لا يتلقون علاج لازم وفوري يضمن عدم تفاقم حالتهم، ويخضعون لسياسة مصلحة السجون في المماطلة بتقديم العلاج والرعاية الطبية المتخصصة مما يؤدي وأدى إلى ارتقاء شهداء كان آخرهم الأسير فارس بارود.

حالة الأسير وليد شرف

تم اعتقال وليد شرف في آب 2017، وهو يعاني من مرض جلدي، ليخضع للتحقيق في مركز المسكوبية لساعات طويلة بدء يشعر خلالها بعوارض صحية تؤثر على جهازه البولي، وبحسب ما أفاد لمحامي الضمير فقد توجه عدة مرات لعيادة سجن عوفر إلا أنهم لم يجروا له أية فحوصات واكتفوا بنصحه بشرب الماء. وتحرر وليد من السجن في نيسان 2018 دون معرفة المشكلة الصحية التي يعاني منها وتسبب له الأوجاع في المثانة والكلى. وأعيد اعتقال وليد وهو يعاني من المرض في حزيران 2018، وذلك بأمر اعتقال إداري صدر بحقه لمدة ستة أشهر. وتم تجديده لمدة شهر، ثم لخمسة أشهر أخرى مطلع العام الجاري، ومنذ اعتقاله توجه مجدداً للعيادة في سجن عوفر لاستيضاح ماهية المشكلة التي يعاني منها، إلا أن سلطات الاحتلال ماطلت في إجراء الفحوصات اللازمة حتى مطلع عام 2019، ليخبروه بعد إجراء الفحوصات بأنه يعاني من مشكلة في الكبد دون تحديد المشكلة، وبعد يومين تم نقله لمستشفى خارجي لتبدأ رحلته بين المستشفيات ويتبين أنه يعاني من مشاكل في الكبد. وفي التقرير الطبي الذي صدر عن طبيب أخصائي باطني وخبير بالأمراض الجلدية في مستشفى سوروكا-بناءً على طلب مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان-حول الحالة الصحية لوليد شرف، أفاد الطبيب بعد مراجعة الوثائق والفحوصات التي أجريت لوليد أنه يعاني من ثلاثة مشاكل صحية أخطرها مشكلة الكبد، وأفاد أن هناك فرصة لأن يؤثر المرض الجلدي الذي يعاني منه على أعضاء الجسم الداخلية، وأشار إلى احتمالية أن يكون مرض الكبد قد حدث نتيجة للمرض الجلدي وبتأثيره، وقال الطبيب في تقريره أنه لم يشاهد أي وثائق أو فحوصات للدم من قبل طبيب مختص، وأنه من المفترض أن يكون هناك متابعة لهذا المرض الجلدي لأنه يؤثر أيضاً على الدم. وهنا يبرز عدم اكتراث سلطات الاحتلال لحالة وليد الصحية من خلال عدم إجراء الفحوصات اللازمة والضرورية لمتابعة حالته وضمان عدم تفاقمها. كما أفاد الطبيب أن وليد يعاني أيضاً من مشكلة في المثانة تؤدي إلى تراكم البول وعدم خروجه بطريقة طبيعية مما يؤدي إلى إصابة الكلى، وبحسب الطبيب أدى ذلك لأن يتم وضع أنبوب للمريض لخروج البول عن طريقه، أما المشكلة الأساسية التي يعاني منها وليد هو المرض المتطور للكبد، وبحسب الطبيب بعد مراجعته للوثائق يتبين أن مرض الكبد لم يكن وليد يعاني منه في شهر 6/2018 (أي عند اعتقاله)، واستكمل الطبيب بأن الفحوصات التي أجريت بشهر 1/2019 أي بعد عدة أشهر تشير إلى وجود خلل كبير في وظائف الكبد. وجرى نقل وليد للمشفى بتاريخ 25/1/2019 بعد تفاقم حالته الصحية، وبحسب الطبيب في تقريره فإنه منذ دخول وليد للمشفى لم يتم إجراء أي شيء يتعلق بمرضه الخطير، أي أنه منذ أن علمت مصلحة السجون بمرض وليد الخطير من خلال الفحوصات بتاريخ 6/1/2019 حتى 25/1/2019 لم تحرّك ساكناً فيما يتعلق بهذا المرض الخطير، بل وأثناء مكوثه في المشفى كان يتعرض لحراسة دائمة من قبل السجانين وكانت يداه مقيدتان بالسرير، دون اتخاذ أي إجراء طبي لعدم تفاقم حالته الصحية. ويقول الطبيب بتقريره أن وليد خرج من المشفى بتاريخ 30/1/2019 دون تحديد سبب المرض، وأشار الطبيب إلى تطور المرض أثناء فترة اعتقاله وذلك من خلال مقارنة فحوصات وليد من بداية اعتقاله حتى آخر فحص أجري له بتاريخ 3/2/2019 حيث ظهر التضرر الكبير في وظائف الكبد، وأشار الطبيب أن حالة وليد تستلزم إقامته بالمشفى بشكل دائم لمتابعة ومراقبة حالته، وهذا ما لم يحصل حيث كان يقبع في "عيادة سجن الرملة" التي تفتقر لأدنى متطلبات الرعاية الصحية. كما وأفاد الطبيب في تقريره أن وضع وليد الصحي يشكّل خطورة على حياته حيث قد يتوقف الكبد عن العمل بشكل نهائي وعندها يكون بحاجة ماسة وطارئة لإجراء عملية زراعة كبد وبالتالي يجب أن يقيم وليد في مركز طبي متخصص ومخوّل بالقيام بعملية زراعة كبد بصورة عاجلة. وأكّد الطبيب في تقريره أن الشاباص لا يستطيع أن يتابع حالة وليد الصحية الخطرة من خلال وجوده في "عيادة سجن الرملة" واستكمل بأنه وخلال ثلاثة أسابيع لم تجري له العيادة أي شيء لمحاولة تشخيص مرضه ومعالجته.

 إن ما ورد في التقرير الطبي الصادر عن طبيب مختص يسلّط الضوء بشكل مفصل على الإهمال الطبي الذي تعرض له الأسير وليد، ويبيّن كيف تفاقمت حالته الصحية أثناء اعتقاله دون أن يتم تقديم التشخيص والعلاج اللازم له.

 وفي جلسة تثبيت الاعتقال الإداري بحق وليد لمدة ثانية، وبعد طلب من المحامي، قررت المحكمة العسكرية النظر بالملف الطبي لوليد، وقررت في جلسة لاحقة الإفراج عنه؛ ليبدأ رحلة معاناة جديدة سبّبها الاحتلال بانتهاجه متعمداً لسياسة الإهمال الطبي بحق وليد شرف.

حالة الأسير ليث كنعان

اعتقل الأسير ليث كنعان بتاريخ 30/1/2019 قبل يومين من التاريخ المحدد لإجرائه عملية جراحية في الوجه والعين، بعد إصابة مباشرة كان قد تعرض لها من قبل قوات الاحتلال فقد على إثرها إحدى عينيه، وحُوّل للتحقيق بعد اعتقاله مباشرة في ظروف قاسية، واستمر التحقيق معه لما يقارب الشهرين دون أدنى مراعاة لحالته الصحية والتي تتطلب عناية خاصة، حيث أنه كان يحرم من النوم لفترات طويلة مما أدى إلى تفاقم حالته الصحية وعانى من أوجاع في العين المصابة نتيجة لعدم السماح له بالنوم. وفي أول جلسة للمحكمة في فترة التحقيق اعترض الشاباص على طلب محامي الضمير باستلام الدواء الخاص بليث والذي تم طلب إدخاله بحجة وجود ممرض في السجن يفحص المعتقلين ويعطيهم العلاج اللازم، وفي جلسة استئناف أكدّ المحامي على أن الأسير يعاني من مشكلة صحية وهو بحاجة إلى غيار الضمّاد الذي يضعه على عينه مرتين خلال اليوم، إلا أنه لا يسمح له باستبدالها سوى مرة واحدة، وأن الضمّادات الخاصة التي أحضرها الأسير من المنزل عند اعتقاله شارفت على الانتهاء وبالتالي يحتاج لتوفير كمية من الضمادات لعينه. وفي جلسة أخرى طلب المحامي أن يتم توفير ضمادات العين للأسير وأصدر القاضي قراراً بعرض ليث على طبيب خلال 24 ساعة لتقديم العلاج اللازم له. إلا أنه في الجلسة التالية أبلغ ليث القاضي أنه لم يتم فحصه ولم يتلقَ العلاج اللازم. إن حالة ليث تؤكد أن سلطات الاحتلال تماطل في تقديم العلاج اللازم للأسرى المرضى وتقوم بممارسات تفاقم من أوضاعهم الصحية كالتحقيق لفترات طويلة وفي ظروف قاسية.

حالة الأسيرة إسراء جعابيص

الأسيرة إسراء جعابيص والمحكومة لمدة 11 سنة هي الحالة الصحية الأصعب من بين الأسيرات، حيث تم اعتقالها بعد انفجار سيارتها نتيجة حدوث تماس كهربائي عند حاجز "الزعيم" وهذا أدى إلى إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة في 50 % من جسدها، وفقدت نتيجة لهذه الإصابة 8 من أصابع يديها، لذلك تشكوا إسراء من إهمال طبي لاحتياجاتها الخاصة نتيجة الإصابة، حيث لا يقدم لها سوى المسكنات، وهي بحاجة لرعاية طبية خاصة واحتياجات طبية تتناسب مع وضعها الصحي، وعلاج مستمر يتضمن عمليات جراحية لإعادة فصل الأطراف الملتصقة ببعضها البعض، ومعالجة ما تبقى من أصابع اليدين، إلا أن سلطات الاحتلال لا تقدم الاحتياجات الطبية والشخصية الخاصة التي تحتاجها إسراء نتيجة لإصابتها وتماطل في تقديم العلاج اللازم لها مما يؤدي إلى تفاقم حالتها الصحية.

عيادات السجون...معاناة مضاعفة

يقبع الأسرى المرضى من الحالات الصعبة فيما يسمى "عيادة سجن الرملة"، ويعانون أيضاً من سياسة الإهمال الطبي حيث لا يقدم لهم العلاج اللازم ولا يتم تشخيص الحالات المرضية ويكتفوا بتقديم المسكنات مما يفاقم الأوضاع الصحية للأسرى. حيث يقبع في "عيادة سجن الرملة" ما بين 14 – 16 أسير بشكل دائم، يعانون من ظروف صحية ومعيشية قاسية، فهناك المصابون بالرصاص والمصابين بأمراض مزمنة وأورام خبيثة، وبعضهم مقعد والبعض الآخر يستخدم الكرسي المتحرك نتيجة لإصابته. يقيم مع الأسرى المرضى بشكل دائم أسير أو أسيرين أصحاء وذلك لمساعدة الأسرى المرضى على الحركة وتقديم العلاج الأولي والإسعافات الأولية، الأمر الذي يُظهر تنصّل مصلحة السجون من التزاماتها بتوفير الرعاية الصحية واحتياجات الأسرى المرضى. ولا يوجد طاقم طبي مهني متخصص، حيث يتم نقل الأسرى المرضى في حالات كثيرة للمستشفيات المدنية لإجراء الفحوصات أو معاينة الطبيب وذلك بعد مماطلة كبيرة.

"عيادة سجن الرملة" كما السجون الأخرى؛ تفتقر للحد الأدنى من مقومات المعيشة الإنسانية، حيث أن السجن هو سجن قديم وغير مهيئ لأسرى مرضى يستخدمون الكراسي المتحركة من حيث مكان الفورة والحمامات، كما ولا يوجد مطبخ لطهي الطعام داخل الغرف. تفتقر عيادة سجن الرملة أيضاً للمعدات والأجهزة الحديثة، حيث أن المعدات والأجهزة المستخدمة بدائية ولا تصلح للاستخدام لحالات الأسرى القابعين في العيادة.

إن العيادات الموجودة في سجون الاحتلال تفتقر لوجود طاقم طبي متخصص ومهني لمتابعة الحالات المرضية خاصة المستعصية منها، وهناك تباطؤ في تعيين مواعيد المراجعات الدورية الطبية والصحية، كما وأن سجن الدامون المخصص للأسيرات يفتقر لوجود طبيبة نسائية تشرف على فحوصات دورية للنساء، على الرغم من جهود العديد من المؤسسات الحقوقية ومطالبتهن بضرورة وجود طبيبة نسائية بشكل دائم في عيادة السجن، إلا أن إدارة مصلحة السجون ما زالت ترفض حتى إدخال طبيبة نسائية من خارج السجن.

لقد كفل القانون الدولي الإنساني حق الأسيرات والأسرى في المعاملة الإنسانية في المعتقل وفي العيش بظروف خالية من المخاطر، حيث نصت المادة (85) من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: " ...لا يجوز بأي حال وضع أماكن الاعتقال الدائم في مناطق غير صحية أو أن يكون مناخها ضاراً بالمعتقلين. وفي جميع الحالات التي يعتقل فيها أشخاص محميون بصورة مؤقتة في منطقة غير صحية أو يكون مناخها ضاراً بالصحة، يتعين نقلهم بأسرع ما تسمح به الظروف إلى معتقل لا يخشى فيه من هذه المخاطر." كما ونصت المادة على أن "توفر للمعتقلين لاستعمالهم الخاص نهاراً وليلاً مرافق صحية مطابقة للشروط الصحية وفي حالة نظافة دائمة".

كما وكفلت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء حق الأسرى والأسيرات بتلقي علاج طبي مناسب لوضعهن الصحي، حيث أكدت القاعدة (24) على أن "تتولى الدولة مسؤولية توفير الرعاية الصحية للسجناء. وينبغي أن يحصل السجناء على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاح في المجتمع، وينبغي أن يكون لهم الحقُّ في الحصول على الخدمات الصحية الضرورية مجَّاناً ودون تمييز على أساس وضعهم القانوني." ونصت القاعدة (25) على أنه:" 1. يجب أن يكون في كلِّ سجن دائرة لخدمات الرعاية الصحية مكلَّفة بتقييم الصحة البدنية والعقلية للسجناء وتعزيزها وحمايتها وتحسينها، مع إيلاء اهتمام خاص للسجناء الذين لديهم احتياجات إلى رعاية صحية خاصة أو يعانون من مشاكل صحية تعوق إعادة تأهيلهم. 2. تتألَّف دائرة خدمات الرعاية الصحية من فريق متعدِّد التخصصات يضم عدداً كافياً من الأفراد المؤهَّلين الذين يعملون باستقلالية إكلينيكية تامة، وتضم ما يكفي من خبــرة فــي علم النفــس والطــب النفســي. ويجــب أن تُتاح لكل سجين خدمات طبيب أسنان مؤهَّل".

إن سلطات الاحتلال بانتهاجها لسياسة الإهمال الطبي تنتهك الحد الأدنى من المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية فيما يتعلق بالحق في الصحة للأسيرات والأسرى الفلسطينيين، بل وتمعن في انتهاك حقوق الأسرى المرضى والمصابين سواء من خلال إخضاعهم للتحقيق القاسي والمطوّل دون أدنى اعتبار لحالة الأسير الصحية، أو أثناء النقل ما بين السجون والمستشفيات حيث تخضعهم لرحلة طويلة وقاسية تفاقم من معاناتهم، حيث ينقل الأسرى المرضى عبر البوسطة العادية والتي تترك آثاراً صحية وتفاقم حالتهم، ولا يتم نقلهم بسيارات مريحة أو سيارات إسعاف، الأمر الذي يدفع الكثير من الأسرى إلى التخلي عن حقهم في العلاج لتفادي رحلة النقل في البوسطة.

وبحسب ما أفاد الأسير المحرر عبد الله حميدة لباحثي مؤسسة الضمير حول الاعتداء الأخير على الأسرى في سجن النقب، فإنه "حتى عند إخراج الأسرى المصابين نتيجة للقمع إلى العيادة كان السجانين يقفون بطابور، وكان عندما يمر الأسير من عند سجان يقوم بضربه، حتى على مقربة من مكان العيادة، حيث هناك عدد كبير من الأسرى رفضوا أن يخرجوا إلى العيادة عمداً حتى لا يتعرضوا للضرب، وهذا كان عن تجربة من القمعات السابقة لعدد من الأسرى."

الإهمال الطبي بحق الأسرى المضربين عن الطعام

تستمر سلطات الاحتلال بانتهاك حق الأسرى الفلسطينيين بالإضراب والاحتجاج لتلبية مطالبهم العادلة، حيث تلجأ للتضييق على الأسرى المضربين عن الطعام في شتى الوسائل أبرزها عدم توفير بيئة ورعاية صحية للأسرى المضربين حتى مع دخولهم مرحلة الخطر. وبحسب ما وثقت مؤسسة الضمير فإن سلطات الاحتلال تمارس الابتزاز على الأسرى المضربين لإنهاء إضرابهم، حيث تقوم بعزل الأسير المضرب في ظروف قاسية وغير صحية، وبحسب ما أفاد أسرى أضربوا عن الطعام لمحامي مؤسسة الضمير بأن الأسير المضرب يبقى مقيداً من يديه وقدميه عند الخروج من الزنزانة، كما وفي الحالات التي يُنقل فيها الأسرى المضربون للمستشفيات بعد تدهور حالتهم الصحية، يكون النقل في البوسطة التي تزيد من معاناة الأسرى، وفي المشفى، يتم تقييد يديّ الأسير في سرير المشفى، وهذا كلّه يفاقم وضع الأسير المضرب الذي يكون هزيلاً ولا يقوى على الحركة.

واستمراراً لسياسة سلطات الاحتلال في الانتقام من الأسرى المضربين، واستمراراً لسياسة الإهمال الطبي، أفاد الأسير حسام الرزة الذي أنهى إضرابه عن الطعام مؤخراً لمحامي مؤسسة الضمير بأنه طالب بإجراء صورة لمعدته إلا أن مصلحة السجون كانت تماطل وفي اليوم ال 23 لإضرابه هدد أنه في حال لم يُنقل لإجراء الصورة فإنه سوف يمتنع عن شرب الماء احتجاجاً على المماطلة والإهمال الطبي الذي يتعرض له. أما الأسير عودة الحروب الذي بدء إضرابه عن الطعام في 2 نيسان الماضي، فقد أفاد لمحامي مؤسسة الضمير بعدما زاره في "عيادة سجن الرملة" بأنه أضرب عن شرب الماء احتجاجاً على رفض الإدارة نقله لمشفى مدني، وقال إن "عيادة سجن الرملة" ليست مشفى وإنما زنازين ولا تناسب أسير مضرب عن الطعام، وطالب مراراً بنقله إلى مشفى مدني لأن وضعه الصحي والإنساني يتطلب ذلك، حيث أنه لا يستطيع الوقوف أو استخدام الحمام بسهولة وهو بحاجة لرعاية صحية غير متوفرة في "عيادة سجن الرملة".

كما وتستخدم سلطات الاحتلال الحالة الصحية للأسير المضرب كوسيلة للضغط عليه لإنهاء إضرابه، ففي إضراب عام 2017، أفاد الأسير محمد أبو سخا أن "الأسرى في يومهم الثامن والثلاثون للإضراب يعانون يومياً من حالات إغماء يماطل السجانين بنقلها إلى العيادات، وتُستخدم كوسيلة ضغط على المضربين من أجل إنهاء إضرابهم، ففي بعض الأحيان يكون أحد الأسرى مغمى عليه وملقى على الأرض في الغرفة، وعندما يحضر السجانين يساوموه على أن يوقف إضرابه مقابل إخراجه إلى العيادة."

تحرم سلطات الاحتلال الأسير المضرب من حقه في أن يتم معاينته من قبل أطباء مختصين خارجيين للوقوف على حقيقة وضعه الصحي، وهذا ما حصل مع الأسير المحرر بلال كايد أثناء إضرابه عن الطعام في العام 2016، حيث أكّد بلال في حينها أنه لم يلتقِ بطبيب خارجي ولم يسمح له بذلك مما دفع مؤسسة حقوقية لتقديم التماس للمحكمة العليا في هذا الشأن.

شهداء الحركة الأسيرة

إن سياسة الإهمال الطبي الممنهج والمتعمد التي تمارسها مصلحة السجون بحق الأسرى الفلسطينيين ليست بالحديثة، حيث استشهد العديد من الأسرى نتيجة لهذه السياسة كان آخرهم الشهيد فارس بارود، وحتى عام 2019 وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 218 شهيد تعرضوا للتعذيب والتنكيل والإهمال الطبي المتعمد، بينهم: (78) نتيجة القتل العمد، (7) معتقلين استشهدوا داخل السجون والمعتقلات نتيجة إطلاق النار عليهم مباشرة، (60) نتيجة الإهمال الطبي و(73) نتيجة التعذيب.

لا تكتفِ سلطات الاحتلال بممارسة سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى بل وتبقي على جثامين الأسرى الشهداء محتجزة لديها، حيث تحتجز سلطات الاحتلال منذ شهر أيار 2018 جثمان الأسير الشهيد عزيز عويسات الذي استشهد نتيجة لتعرضه للضرب المبرح والإهمال الطبي الذي مورس بحقه ليتعرض لجلطة قلبية استشهد على اثرها، وبين الطبيب الفلسطيني الذي شارك في عملية تشريح جثمان الشهيد أنه كان يعاني من عدة مشاكل في القلب، وأكد على وجود كدمات ظاهرة على جسده، ومعاناة الأسير نتيجة للضرب ونتيجة للمرض التي رافقها إهمال طبي بحقه أدت إلى استشهاده، وترفض سلطات الاحتلال حتى الآن تسليم جثمانه لذويه. كما وتحتجز سلطات الاحتلال جثمان الأسير الشهيد فارس بارود منذ شباط 2019، حيث كان بارود محكوماً بالسجن المؤبد، ومعتقل منذ العام 1991، تعرض طوال سنوات اعتقاله لانتهاكات عديدة طالته كما كافة الأسرى، حيث كان يقبع في العزل الانفرادي منذ العام 1995 ورفضت إدارة السجن نقله للأقسام العادية رغم محاولاته المستمرة، وبقي في العزل حتى إضراب الحركة الأسيرة عام 2012 والذي كانت أهم مطالبه إنهاء العزل للأسرى المعزولين، أي ما يقارب 17 عاماً وهو في العزل الانفرادي تعرض خلالها لظروف قاسية غير إنسانية أدت لتفاقم حالته الصحية. وكان الشهيد قد أدلى لمؤسسة الضمير في أكثر من زيارة له في سجنه أنه يعاني من ظروف صحية سيئة في العزل، وكان بحاجة لرعاية طبية لم تكن متوفرة بالكامل مما أدى إلى استشهاده ومن ثم رفض تسليم جثمانه لذويه.

إن سلطات الاحتلال مع استمرارها بممارسة سياسة الإهمال الطبي بحق الأسيرات والأسرى الفلسطينيين وفي ظل ارتقاء شهداء من الحركة الأسيرة نتيجة لهذه السياسة فإنها تنتهك كافة الأعراف والمواثيق الدولية التي تكفل حق الأسرى بتلقي العلاج اللازم وعدم التعرض للتعذيب والتنكيل، وتتنصل من التزاماتها بموجب المواثيق الدولية كقوة احتلال ملزمة بضمان سلامة المعتقلين وتقديم الرعاية الطبية لهم.



[1] إحصائيات مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، نيسان، 2019.