اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2022، (445) فلسطينيًا/ة من الأرض الفلسطينية المحتلّة، من بينهم (35) طفلاً، و(19) من النساء.

وشكلت حالات الاعتقال في القدس النسبة الأعلى كما في كل شهر، حيث بلغت حصيلة الاعتقالات فيها خلال الشهر المذكور(181) حالة، من بينها (31) طفلاً وقاصراً، و(16) من النساء، تليها جنين بـ(59) حالة، والخليل بـ(55) حالة اعتقال،  فيما بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداريّ الصّادرة خلال الشّهر المذكور؛ (245) أمراً، منها (102) أمراً جديداً، و(143) أمر تجديد.

وشهد شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، كثافة عالية في الانتهاكات والجرائم التي نفّذها الاحتلال، بما فيها الإعدامات الميدانية، وسياسة العقاب الجماعي، وتنفيذ مزيد من عمليات الاعتقال المنظمة، والتي رافقها انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين وعائلاتهم، عدا عن تسجيل إصابات متفاوتة منها بليغة بين صفوف المعتقلين برصاص جيش الاحتلال.

وتشير مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان؛ (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة- القدس)، إلى أنّ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ نحو (4700) أسيراً، وذلك حتّى نهاية شهر أيلول/سبتمبر  2022، من بينهم (30) أسيرة، ونحو (190) قاصرًا،  و(800) معتقلًا إداريًّا من بينهم أسيرتين، ونحو 6 أطفال.

وفيما يلي تسليط على جانب من واقع المعتقلين المحتجزين في سجون الاحتلال، وأبرز السياسات والإجراءات التنكيلية التي نفذها الاحتلال بحقهم خلال الشهر المنصرم:

 

المعتقل "خليل عواودة" يدفع ثمن تحديه للسجان ومقاومته للاعتقال الإداري

ولد المعتقل الفلسطيني "خليل عواودة" بتاريخ 13 تشرين ثاني /نوفمبر  عام 1981 في بلدة إذنا بمحافظة الخليل، وهو متزوج ولديه 4 بنات هن ( تولين ، لورين ، ماريا  ومريم ) ، وتعرض للاعتقال مرات عديدة،  ما بين أحكام واعتقال إداري، وأمضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ما مجموعه 10 سنوات وأكثر، وكانت آخر مرة يُعتقل فيها "عواودة" في الـ27 من كانون الأول/ديسمبر 2021 وصدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة 6 شهور، تنتهي إفتراضياً في 26 حزيران/يونيو من العام الجاري، لكن إنتهاء المدة لا يعني الإفراج عنه فوراً بعد انتهائها، فقد تم تمديد مدة الاعتقال الإداري الصادرة بحقه كغيره من المعتقلين الإداريين أكثر من مرة، ولربما يتم التمديد في الساعات الأخيرة. لذا فإن الاعتقال الإداري يُعتبر اعتقال لأمد غير معلوم، وهذا ما دفع المعتقل "عواودة" إلى اللجوء لخوض الإضراب الفردي عن الطعام بتاريخ 3 من آذار/مارس الماضي، رفضاً لاستمرار اعتقاله الإداري ولضمان عدم تمديد فترة اعتقاله وبالتالي الإفراج عنه في 26 حزيران/يونيو، واستمر بثبات في إضرابه لنحو (111) يوماً متواصلة، قبل أن يُنهي معركته بتاريخ 21 حزيران/يونيو، بناء على اتفاق، ولكن إدارة السجون لم تلتزم بما اتفقت عليه مع "عواودة" وأقدمت فور انتهاء المدة إلى إصدار قرار يتم بموجبه تمديد اعتقاله لأربعة شهور جديدة، مما دفع "عواودة" إلى اللجوء إلى الإضراب مجدداً وذلك في 2 تموز/يوليو الماضي، بالرغم من تدهور صحته وعدم استعادته لعافيته على إثر إضرابه السابق، متحدياً إدارة السجون وإجراءاتها التعسفية، ومن ثم رفض خدعة "تجميد الاعتقال الإداري"، وواصل إضرابه، قبل أن يُنهيه بتاريخ 31 آب/أغسطس بناء على اتفاق رسمي يقضي بالإفراج عنه بتاريخ 2  تشرين أول/أكتوبر الجاري، ليكون بذلك قد خاض إضرابا استمر لمدة (172) يوماً على فترتين يفصل بينهما أيام معدودة، وليُسجل بذلك انتصاراً مهماً تمكن من خلاله إنهاء اعتقاله الإداري التعسفي وتسليط الضوء على جريمة "الاعتقال الإداري" وأثبت نجاعة سلاح الإضراب عن الطعام، كوسيلة نضالية.

وأمام هذا التحدي والإصرار الكبير الذي سجله المعتقل "خليل عواودة"، وثبات موقفه في مواجهة اعتقاله الإداري، وما أحدثه من تفاعل وحراك مع قضيته، وما حققه من انتصار، هذا الانتصار الذي لم يرق لسلطات الاحتلال، فسعت إلى التشويش عليه وإفراغه من مضمونه والتنغيص عليه وعلى أُسرته، فماطلت بدايةً بالإفراج عنه مع حلول الثاني من أكتوبر الجاري، وهو موعد تحرره، ومن ثم رفضت الإفراج عنه بعد أن وجدت إدارة السجون هاتف نقال لديه عندما أقدمت على تفتيشه خلال نقله من أحد المستشفيات المدنية إلى ما يسمى "عيادة سجن الرملة"، وهذه المخالفة استدعت المحاكمة -حسب إدعاء سلطات الاحتلال- ليتم تحويل ملفه الإداري إلى قضية في محاوله لكسر إرادته وتلفيق تهمة جديدة له مستخدمين سياسة التحوير والمراوغة في قلب الموازين .

فأبقت عليه أسيراً في سجونها بانتظار محاكمته، وليس معتقلاً إدارياً، وما يزال "عواودة" يدفع ثمن صموده وثبات موقفه وتحديه للسجان ومقاومته لسياسة الاعتقال الإداري، فهو يتواجد حالياً في ما يُسمى مستشفى سجن الرملة، حيث يُعاني أوجاعاً عديدة جراء ما لحق به من أمراض، وليس بمقدوره الاعتماد على نفسه في الحركة وقضاء حاجته، فهو يواجه صعوبة المشي على قدميه، ويتنقل على كرسي متحرك أو بمساعدة آخرين، وبانتظار لحظة الإفراج عنه والعودة إلى أهله وأسرته وتلقي العلاج المناسب في المستشفيات الفلسطينية.

صرخة المعتقلين الإداريين لوضع حد لجريمة الاعتقال الإداري

بتاريخ 25 من أيلول/سبتمبر الماضي قرر 30 معتقلاً إدارياً من أسرى الجبهة الشعبية الشروع بإضراب مفتوح عن الطعام، وذلك رفضاً لجريمة الاعتقال الإداري ووضع حد لتلك السياسة الجائرة، هذه السياسة التي تنتهجها سلطات الاحتلال منذ عشرات السنوات بشكل ممنهج ضد أبناء الشعب الفلسطيني كإجراء عقابي بحقهم، حيث تحرمهم من حريتهم وتحتجزهم داخل سجونها بدون تقديمهم للمحاكمة، وبدون الإفصاح عن التهم الموجهة ضدهم؛ وبدون السماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة.  

وقد جاء قرار الأسرى الثلاثين كصرخة في وجه تلك السياسة التعسفية، فهم لا يبحثون عن خلاص شخصي أو حل لمشاكلهم الفردية، وإنما ما يطالبون به هو إنهاء سياسة الاعتقال الإداري التي طالت كافة فئات الشعب الفلسطيني من نساء وأطفال وكبار السن وأسرى محررين وطلبة مدارس وجامعات، هذا إلى جانب مواصلتهم لمعركة مقاطعة محاكم الاحتلال بدرجاتها المختلفة.

ولا بد من الإشارة بأنه فور شروع الأسرى بخوض معركتهم مع الأمعاء الخاوية، شرعت إدارة السجون بفرض جملة من العقوبات بحقهم والتي تمثلت بعزلهم داخل الزنازين وفرض غرامات مالية بحقهم وحرمانهم من الزيارات.

ومن بين الأسرى الذين يقاومون بأمعائهم جريمة الاعتقال الإداري، المعتقل نضال أبو عكر الذي أمضى نحو18 عامًا في الاعتقالات المتكررة، ويُعد أكبر المعتقلين المضربين سنًا، وخلال سنوات اعتقاله فقد الكثير من أصدقائه وأفراد عائلته، وأُعيد اعتقال أبو عكر في الأول من آب/أغسطس 2022  وصدر بحقه أمرًا بالاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، أي بعد أقل من شهرين من الإفراج عنه.

ومن بين المضربين أيضًا المعتقل سنار حمد (20 عامًا) من قرية صفا قضاء مدينة رام الله، وهو أسير محرر كان قد تعرض للاعتقال أول مرة عام 2017 ولم يكن يبلغ حينها الـ 15 من عمره وأفرج عنه بعد أيام من اعتقاله ليعيد الاحتلال اعتقاله مرّة أخرى عام 2021 وقضى حينها ثمانية أشهر في سجون الاحتلال، بعد أشهر من الإفراج عنه أعاد الاحتلال اعتقاله مرة أخرى بتاريخ 18/4/2022 وصدر بحقه قرارًا بالاعتقال الإداري لمدّة 4 أشهر تم تجديدها مرة أخرى، وسنار هو أصغر المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام..

كذلك الأسير المحرر ثائر طه (43 عامًا) من قرية دير أبو مشعل في رام الله، يخوض ذات المعركة مع رفاقه المضربين، وأولى اعتقالاته كانت  خلال عام 1999، حيث اعتقل قبل موعد زفافه المقرر بأسبوعين، وحكم عليه حينها بالسجن لثلاثة أعوام ونصف، وتزوج بعد الإفراج عنه ورزق بطفلته ثم توالت الاعتقالات المتكررة بحقه ليمضي ما مجموعه 13 عامًا بين أحكام واعتقالات إدارية متكررة، وخلال اعتقالاته فقد طه والده ولم يستطع وداعه، وكان قد خاض إضرابًا عن الطعام مع الأسرى عام 2012 لمدة 28 يومًا، أعيد اعتقاله بعدها لأكثر من مرّة، وفي الأول من أيار عام 2022 أعاد الاحتلال اعتقاله وصدر بحقه أمرًا بالاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر.

وجدير ذكره أنه من المتوقع أن تنضم دُفعات أخرى من الأسرى لذات المعركة النضالية، وذلك في حال استمرت سلطات الاحتلال بتصعيد عملية الاعتقال الإداري وتنفيذها بحق أبناء الشعب الفلسطيني. 

 

الحرمان من الزيارات .. انتقام وعقاب جماعي

تحاول إدارة سجون الاحتلال وبتعليمات وأوامر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، استغلال جميع الأحداث للانتقام من أسرانا وأسيراتنا وذويهم، وفقاً لمخططات مبنية على أسس سياسية عنصرية انتقامية، تهدف إلى النيل من صمود وعزيمة مناضلينا وأُسرهم.

وفي الفترة الأخيرة، لجأت إدارة السجون لاستخدام ذريعة إلغاء زيارات الأهالي وحرمان الأسرى من الالتقاء بأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأبنائهم ومحبيهم، لتحقيق هدف العقاب والانتقام، والذي يُدلل على المنظومة المبنية عليها دولة الاحتلال،  التي لا ترى المجتمع الدولي ولا تعترف بمكوناته وإفرازاته من معاهدات واتفاقيات.

وشهدت الفترة الماضية توجه لالغاء الزيارات من قبل إدارة معتقلات الاحتلال بشكل كبير، دون وجود أي أسباب تستدعي لذلك، وأصبح هذا التوجه حاضر في كل زيارة تنظمها اللجنة الدولية للصليب اللأحمر، ويبقى ذوي الأسرى في حالة من التوتر طوال فترة الزيارة، لوجود احتمالية كبيرة لإلغاء الزيارة والطلب من العائلات المغادرة دون لقاء أبنائهم أو التحدث معهم.

ولا يعتمد إلغاء الزيارات على أحداث معينة، ولا يُشترط ان يكون الحدث في السجن ذاته حتى تُلغى الزيارة، بل يمكن لأي حدث صغير أو خلل صغير في أي سجن أو معتقل أن يُلغي الزيارات في كافة السجون، ولا يقتصر على الزيارة الحالية، بل قد يمتد لزيارات قادمة ولفترات طويلة، دون المراعاة أن تصاريح الزيارة تصدر في كثير من الأحيان  لمرة واحدة فقط ولزيارة واحدة فقط.

وتخلق هذه الممارسات والحرمان من الزيارات توتر حقيقي في صفوف الأسرى والأسيرات، لما يتبعها من مضايقات وتنكيلات بالأهالي، تحديداً إذا ادعى الاحتلال أن هناك حدث معين يشكل خطر عليهم، وعادة تكون الإدعاءات سخيفة وغير منطقية، ولا تستدعي أي إجراءات بحق عائلات الأسرى.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن دولة الاحتلال تحاول الانقضاض على استحقاق الزيارة بكل الوسائل والطرق، وجائحة كورونا وما ترتب عليها من الغاء وتقليص للزيارات خير دليل على ذلك.