شهدت الساحة الفلسطينية خلال عام 2022 انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حيث عملت أجهزة دولة الاحتلال بشكل متكامل لتعزيز السياسات والقوانين القمعية العنصرية، فاستمرت دولة الاحتلال في اقتحام مختلف الأراضي الفلسطينية واعتقال الفلسطينيين واغتيالهم وارتكاب العقوبات الجماعية بحقهم. وتعمل مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان بشكل سنوي على إصدار هذا التقرير ليشكل وثيقة ترصد كافة الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم، مروراً  بمرحلة التحقيق ووصولًا لنقلهم إلى سجون الاحتلال.

ويسلط هذا التقرير الضوء على ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون من انتهاكات جسيمة أثناء تواجدهم في السجون الإسرائيلية، وتعرضهم لعقوبات مزدوجة وطبيعة المعاناة التي يعيشونها في السجون، ومدى مخالفة هذه الممارسات للاتفاقيات والمواثيق الدولية وبالأخص لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984 بهدف أرشفة أحداث وتفاصيل الانتهاكات والتنكيل التي ترتكب بشكل ممنهج بحق الحركة الأسيرة، ولرصد الأوضاع والظروف داخل السجون بشكل دائم.

يعتمد هذا التقرير على منهجية وصفية تحليلية، بحيث يستند إلى حصيلة أعمال الرصد والتوثيق والمتابعة القانونية التي تقوم بها مؤسسة الضمير على مدار العام لكي يكون التقرير عدسة للرقابة على مدى احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لا سيما فيما يتعلق بالأسرى وأوضاعهم باعتبارها الإطار النظري الناظم لحقوق الأسرى وأصول معاملتهم. وقد تمكنت مؤسسة الضمير من زيارة 227 أسير/ة في السجون الإسرائيلية عبر تنفيذ 114 زيارة فعلية خلال عام 2022. واستمرت مؤسسة الضمير في توثيق انتهاكات الاحتلال من خلال التوثيقات الميدانية والمكتبية وزيارات السجون، حيث تم جمع المعلومات تحت التصريحات المشفوعة بالقسم حول الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى أثناء عملية الاعتقال، و/أو التحقيق، و/أو بعد النقل إلى السجون وتم توثيق ما تتعرض له عائلات الأسرى من عقوبات جماعية واعتقال.

 

أبرز ما جاء في تقرير انتهاكات عام 2022

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال هذا العام ما يقارب 7 الآف فلسطيني بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة وتركزت عمليات الاعتقال في شهر نيسان حيث بلغ عدد الاعتقالات حوالي 1228 حالة. واستمرت القدس في تسجيل أعلى حالات الاعتقال حيث بلغت حوالي 3 آلاف حالة اعتقال في القدس وحدها. ولوحظ ارتفاع في اعتقالات الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة حيث بلغ عددهم 64 صيادا معتقلا. وبلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال خلال هذا العام (882) حالة اعتقال، ومن بين النساء نحو (172) حالة اعتقال، واعتقل 40 جريح خلال العام. ولوحظ أيضا ارتفاع كبير في عدد أوامر الاعتقال الإداري التي توزعت بين أوامر صدرت جديداً وبين تجديد لأوامر اعتقال سابقة وبلغ العدد الكلي لهذه الأوامر (2409) أمر، ويعد هذا الرقم الأعلى خلال الخمس سنوات السابقة.

وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية عام 2022، (4700) أسير/ة، بينهم (29) أسيرة، و(150) طفلاً/ة، وقرابة (850) معتقلًا إداريًا، بينهم (7) أطفال، وأسيرتين، وخمسة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني يواصل الاحتلال اعتقالهم. ومن بين الأسرى (330) أسيرًا تجاوز على اعتقالهم أكثر من 20 عامًا، من بينهم (25) معتقلين من قبل توقيع اتفاقية (أوسلو)، وارتفع عدد الأسرى الذين صدرت بحقّهم أحكامًا بالسّجن المؤبد إلى (552) أسيرا، ومع استشهاد الأسير ناصر ابو حميد والأسيرة سعدية مطر خلال عام 2022، يرتفع عدد شهداء الحركة الاسيرة الى (233) شهيد/ة. وبلغ عدد الأسرى المرضى، أكثر من (600) أسيرًا يعانون من أمراض بدرجات مختلفة، منهم (24) أسيرًا ومعتقلًا على الأقل مصابين بالسرطان. ولم يسلم الصحفيين من الاستهداف والاعتقال، فبلغ عدد الصحفيين (16) صحفي/ة معتقلين حتى نهاية عام 2022.

الاعتقال الإداري

لعل قضية الاعتقال الاداري كانت من القضايا الأبرز خلال هذا العام، فقد أصدرت سلطات الاحتلال (2409) أمر اعتقال إداري ما بين أوامر اعتقال إداري جديدة وتجديد للأوامر الصادرة سابقًا، ومع انتهاء عام 2022، بلغ عدد المعتقلين الإداريين (850) بينهم 7 أطفال وأسيرتان ليصبح عدد المعتقلين الإداريين الاعلى منذ 10 سنوات[1]، فبالمقارنة مع عام 2021 أصدرت دولة الاحتلال (1595) أمر اعتقال اداري أما عام 2020 أصدرت قوات الاحتلال (1114) أمر اعتقال اداري- ما بين أوامر تجديد وأخرى جديدة- وبذلك تظهر سياسة الاعتقال الإداري الراسخة التي يستخدمها الاحتلال بشكل متزايد على مر السنين، ويؤكد هذا على أن محاكم الاحتلال ما هي الا وسائل مسيرة في يد سلطات الاحتلال لكي تصادق على قرارات الاعتقال الإداري بشكل مستمر دون مراجعة أو مناقشة قانونية حقيقية. وبسبب عدم مشروعية الاعتقال الإداري، شهد هذا العام إضرابات فردية كان أبرزها إضراب الاسير خليل عواودة والأسير رائد ريان. بالمقابل باشر عدد من الأسرى بإضراب جماعي عن الطعام رفضا لسياسة الاعتقال الإداري حيث استمر هذا الإضراب لـ19 يوما. وفي هذا السياق نذكر ايضا مقاطعة المعتقلين الإداريين لكافة درجات المحاكم الاسرائيلية العسكرية والذي بدأ منذ مطلع العام حتى شهر أيلول، واستمر حوالي 80 أسير إداري بمقاطعة المحاكم العسكرية وعدم المثول أمامها حتى نهاية العام.

التعذيب وسوء المعاملة

برز خلال عام 2022 استخدام دولة الاحتلال للتعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة ضمن اطار سياسي ممنهج لكسر عزيمة المعتقلين الفلسطينيين وذلك من لحظات الاعتقال الأولى، مروراً بالتحقيق الذي يعتبر ساحة تعذيب يمارس فيها محققي الشاباك مختلف أساليب التعذيب، ووصولًا إلى نقل الأسرى إلى السجون الاسرائيلية، وتأتي هذه الممارسات على الرغم من مصادقة دولة الاحتلال على اتفاقية مناهضة التعذيب. واستخدمت قوات الاحتلال خلال هذا العام أساليب تحقيق قاسية مع ما يزيد عن (85) معتقل ممن تابعتهم مؤسسة الضمير، وتعرض جزء منهم لتحقيق عسكري يشمل الحرمان من النوم والضرب المبرح والشبح. ولم تكتف دولة الاحتلال في استخدام التعذيب الجسدي، بل تعمدت استخدام التعذيب النفسي من خلال استخدام عائلات المعتقلين كورقة للضغط عليهم، واستمرار تمديد توقيف الأسرى للتحقيق لفترات طويلة والمنع من لقاء المحامي وغيرها من الأساليب.

كشف التقرير عن سياسة الاحتلال في تجريم الفلسطينيين بسبب قوميتهم، فيعتمد الجهاز القضائي الإسرائيلي على تهويل لوائح الاتهام المقدمة بحق الأسرى لتصويرهم بصورة أشخاص قادرين على "تهديد أمن المنطقة والجمهور". وغالبا ما يتم اعتقال الفلسطينيين بصورة احترازية رهن الاعتقال الاداري لحين تجميع مواد تكفي لادانتهم، وتابعت مؤسسة الضمير خلال هذا العام عشرات القضايا لفلسطينيين حولوا من الاعتقال الإداري إلى الاعتقال على خلفية القضايا أو العكس.

وفي ظاهرة التمييز التي تشهدها الساحة الفلسطينية في عملية المحاكمة والمسائلة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي بناءا على أساس عرقي وقومي بين الفلسطينيين واليهود، تصدر المحاكم الاسرائيلية أحكامًا تعسفية بحق الشعب الفلسطيني أثناء الهبات الشعبية، فحكمت المحاكم الاسرائيلية بالسجن لفترات طويلة تصل الى 10 سنوات على مجموعة من الشبان الفلسطينين من الداخل المحتل الذين شاركوا في احداث هبة الكرامة عام 2021، بالاضافة الى الغرامات المالية العالية.

ضمانات المحاكمة العادلة

استمرت قوات الاحتلال خلال هذا العام باعتقال عشرات الفلسطينيين على خلفية منشوراتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة "فيسبوك"، وتعتدي دولة الاحتلال بناءا على هذه الممارسة على مختلف المواثيق الدولية التي تكفل الحق في حرية الرأي والتعبير، حيث تناول التقرير العديد من الحالات التي اعتقلت بناءا على منشورات الفيسبوك وفصل التقرير هذه الحالات وطبيعة لوائح الاتهام التي وجهت ضدهم والأحكام العالية بالسجن المصحوبة بالغرامات المالية.

وأبرز التقرير بشكل واضح انتهاك ضمانات المحاكمات العادلة التي ترتكبها دولة الاحتلال من خلال حرمان الأسرى الفلسطينيين من لقاء مستشارهم القانوني لفترات قد تتجاوز الشهر، وذلك خلال فترة التحقيق التي تعد فترة حساسة بهدف انتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب واستخدامها في إدانتهم أمام المحاكم، واصدرت أوامر اعتقال بحقهم دون منحهم الحق في بناء دفاع قانوني خاص بهم أو حتى الإطلاع على المواد التي بنيت عليها قرارات الاعتقال.

اعتقال الطلبة

وقامت قوات الاحتلال خلال هذا العام بشن حملة من الاعتقالات على طلبة الجامعات الفلسطينية التي طالت ما يقارب (84) طالب/ة من مختلف جامعات الوطن، والتي تركزت بشكل كبير على طلبة جامعة بيرزيت. كانت الحصيلة الأكبر من هذه الاعتقالات على خلفية طبيعة عمل الطلبة السياسي والنقابي الممارس داخل الجامعات الفلسطينية، فاعتقلت قوات الاحتلال مجموعة من الطلبة خلال شهر أيلول أثناء تواجدهم في منطقة عابود، وتعرضوا للتحقيق وحوّل عدد منهم إلى الاعتقال على خلفية قضايا تجرم عملهم الطلابي والنقابي، وحول عدد آخر منهم إلى الاعتقال الإداري. وتخالف دولة الاحتلال بهذة الممارسات المواثيق الدولية والحق المكفول في حرية الرأي السياسي وحرية الانضمام الى النقابات المختلفة.

 

ظروف السجون الاسرائيلية

يعيش الأسرى ظروفاً حياتية صعبة خلف قضبان سجون الاحتلال في زنازين تفتقر الى مقومات الحياة البشرية الدُنيا. تفتقر الزنازين الى التهوية الطبيعية فتمتلئ الزنازين بالرطوبة ما تزيد من نسب ارتفاع الأمراض بين صفوف الأسرى خاصة الأمراض التنفسية والجلدية والأمراض المعدية. ومع انتشار الأمراض الا أنّ سياسة الاهمال الطبي مستمرة، فيقبع ما يزيد عن 600 أسير مريض في سجون تفتقر الى أبسط مقومات الحياة الآدمية، ويعانون من إهمال طبي مستمر في ظل عدم توفر طواقم طبية مختصة للتعامل مع الحالات الطبية الصعبة التي تقبع في عيادة سجن الرملة، وتمارس دولة الاحتلال أيضًا سياسة المماطلة في تقديم الأدوية والعلاج الضروري للأسرى ما يؤدي إلى تردي أوضاعهم الصحية.

واستمرت مصلحة السجون في عزل عدد من الأسرى الفلسطينيين، ولم يسلم الأشبال ولا الأسيرات من هذه السياسة القاسية، فوثقت مؤسسة الضمير خلال عام 2022 عزل 70 أسيرًا لفترات طويلة خلال العام، ومع انتهاء العام بلغ عدد الاسرى المعزولين 40 أسير أبرزهم أسرى نفق الحرية والاسير أحمد مناصرة.

صعّدت قوات الاحتلال من اقتحامات أقسام وزنازين الأسرى سواء الأقسام العادية أو أقسام العزل، فاقتحمت وحدات مثل اليمام واليماز والنحشون والمتسادا وغيرها زنازين الأسرى وباشرت بقمعهم وتخريب مقتنياتهم الشخصية ومعاملتهم معاملة حاطة بالكرامة، وتهدف هذه الاقتحامات للتضييق على الأسرى قدر الإمكان وفرض السيطرة والرقابة عليهم.

العقوبات الجماعية

لم  تخلُّ  سياسات  الاحتلال  خلال  هذا  العام  من  إبراز  أساليب  قديمة-  جديدة  ضد  الفلسطينيين  لتزيد  من العنف  وسوء  المعاملة  أثناء  الاعتقال  وقمع  الأسرى  في  السجون،  فاستخدمت  قوات  الاحتلال  الكلاب البوليسية  بشكل  كبير،  ووثقت  مؤسسة  الضمير  حالات  عدة  أصيبت  بجراح  نتيجة  هجوم  الكلاب  للتنكيل بالفلسطينيين.  بالمقابل  صعدت  القوات  الإسرائيلية  خلال  هذا  العام  من  استخدام  سياسة  العقوبات الجماعية،  فشرعت  إلى  هدم  منازل  8  أسرى  فلسطينيين  وما  زالت  دولة  الاحتلال  تصعد  باستخدام  هذه السياسة  عاما  بعد  عام،  ففي  عام  2021  هدمت  منازل  6  أسرى.  وواصلت  قوات  الاحتلال اقتحام  المدن  والقرى الفلسطينية  وتكسير  الممتلكات  واستهداف  الفلسطينيين  جميعا  ونفذت  الإعدامات  الميدانية،  أيضا  قامت باستدعاء  عشرات  الفلسطينيين  من  عائلات  الأسرى  الذين  كانوا  يقبعون  في  التحقيق  بهدف  الضغط  عليهم  وانتزاع الاعترافات  منهم. 

اعتقال النساء والأطفال

لم يهمل التقرير تناول سياسات الاحتلال بحق الأطفال وكبار السن والنساء الفلسطينيات، حيث واصل الاحتلال استهداف وملاحقة هذه الفئات دون مراعاة خصوصيتها اثناء الاعتقال والاحتجاز. فاستمرت قوات الاحتلال في اعتقال الأطفال والنساء التي حدث غالبيتها من خلال اقتحام لبيوت الفلسطينيين ليلاً ووضعهم في زنازين لا تراعي احتياجات هذه الفئات حيث تفتقر لادني متطلبات الحياة الأساسية، وتدني مستوى الرعاية الصحية. وعانى الأسرى الأطفال والنساء خلال العام من مختلف السياسات المجحفة داخل السجون من أحكام عالية وعزل وعقوبات حرمان من الكنتينا أو زيارات الأهل.