عندما قامت دولة الاحتلال بالسيطرة على الأراضي الفلسطينيّة في عام 1948، باشرت بإنشاء بعض المعتقلات والمعسكرات لاحتجاز الفلسطينيّين وغيرهم من الجنسيّات العربيّة. وأصبحت فكرة مراكز الاحتجاز تتطوّر عاماً بعد عام، وانقسمت مراكز الاحتجاز إلى ثلاثة أنواع، منها: السجون المركزيّة التي تخضع لإدارة مصلحة السجون، ومعسكرات الجيش التي تخضع لإدارة الجيش الإسرائيليّ، إضافة إلى مراكز التحقيق والتوقيف. كان بعض هذه المعتقلات مبنيّاً منذ زمن الانتداب البريطانيّ، بينما أستُحدث بعضها الآخر في فترات متلاحقة، عقب احتلال إسرائيل للقدس الشرقيّة، والضفّة الغربيّة، وقطاع غزّة. 

 تتشابه هذه المعتقلات في هندسة الزنازين، وسوء الأوضاع المعيشيّة، لكنّها تختلف في هيكليّاتها وأهدافها، فالسجون المركزيّة تحتوي على أقسام يتمّ احتجاز الأسرى الفلسطينيّين فيها لفترات طويلة، بعضها يصل إلى المؤبّد، أمّا السجون الانتقاليّة "المعابر" فعلى الرغم من أنّها جزء من السجون المركزيّة إلّا أنّها تُستخدم  محطّات انتظار، يُحتجز فيها الأسرى لفترات قصيرة أثناء التنقّل بين السجون، و/أو بين السجون والمشافي/العيادات، و/أو بين السجون والمحاكم العسكريّة والمركزيّة. 

جزء من السجون المركزيّة تحتوي على المعابر1 وليس جميعها، ومنها مجمّع سجن الرملة الذي أنشئ عام 1934 إبّان الاستعمار البريطانيّ لفلسطين، وحُوّل عام 1948 إلى مركز للجيش الإسرائيليّ، ثمّ حُوّل عام 1958 إلى سجن مركزيّ للأسرى الفلسطينيّين، ويحتوي على قسم "معبار"2. أمّا سجن مجدّو الواقع في منطقة مرج بن عامر التابع لمدينة حيفا، فأصبح معتقلاً للأسرى الفلسطينيّين في آذار 1988 مع بدء الانتفاضة الأولى، وكان يتبع للجيش الإسرائيليّ قبل أن تُنقل إدارته إلى مصلحة السجون عام 32003. أمّا سجن بئر السبع فهو مكوّن من 4 سجون كلٌّ منها منفصل عن الآخر، وهي "أوهلي كيدار"، و"إيشيل" للسجناء الأمنيّين، وسجن "ديكل" للسجناء الجنائيّين، وسجن "أيلا" المغلق الذي يُستخدم للعزل في حالات معيّنة، كالإضراب عن الطعام. بات سجن "أوهلي كدار" يُستخدم فقط لعزل الأسرى الأمنيّين، حيث تمّ نقلهم جميعاً إلى باقي السجون والمعتقلات عام 1984 وبقي  السجن للجنائيّين فقط،4 وحالياً يحتوي على قسم للعزل،  إضافة إلى قسم معبار. 

أمّا مراكز التوقيف الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيليّ، فيقع جزء منها داخل مجمّعات استيطانيّة؛ ومنها مركز توقيف "غوش عصيون" الواقع جنوب الضفّة الغربيّة المحتلّة المقام على أراضي شمال مدينة الخليل ضمن تجمّع مستوطنات "غوش عصيون"، ومركز توقيف بيت إيل الواقع جنوب شرق رام الله، ومركز توقيف حوّارة الواقع في بلدة حوّارة بالقرب من مدينة نابلس، ومركز توقيف قدوميم الواقع في مستوطنة "كفار قدوميم" بجانب قرية كفر قدوم بالقرب من طولكرم وقلقيلية، ومركز توقيف سالم الواقع على مفترق الجلمة على الطريق العام الفاصل بين حيفا والناصرة،5 ومركز المجنونة الذي أُقيم داخل معسكر لقيادة الجيش الإسرائيليّة في جنوبي الخليل. 

 وسنتناول في هذه الورقة مركز توقيف "عصيون"، ومركز توقيف حوارة كحالات دراسيّة؛ كونهما المركزين  الوحيدين  اللذيْن  لا يزالان يعملان بشكل ممنهج، ولكنّ ذلك لا ينفي وجود مراكز توقيف مثل "معاليه أدوميم"، وأحياناً محطّات شرطة تُستخدم  للغرض ذاته. 

بعد تنفيذ عمليّات الاعتقال من قبل جيش الاحتلال التي غالباً ما تدخل حيّز التنفيذ ليلاً في مختلف الأراضي الفلسطينيّة، تبدأ عمليّات نقل المعتقلين، وذلك يرتبط بشكل وثيق  بالتوزيع الجغرافيّ لأماكن سكنهم، فمعتقلو محافظتي الخليل وبيت لحم، يتمّ نقل غالبيّتهم لمركز توقيف "عصيون"، أمّا معتقلو نابلس فيتمّ نقلهم إلى مركز توقيف حوارة، وقسم  آخر يُنقل إلى أقسام انتظار في سجني مجدّو وعوفر حتّى يتمّ بيان وضعهم القانونيّ، وبعدها يتمّ فرزهم على أقسام السجن ذاته، أو نقلهم إلى سجن مركزيّ آخر6. وتجدر الإشارة إلى أنّه ليس جميع المعتقلين  يتمّ نقلهم إلى مراكز التوقيف، أو المعابر، فقسم  منهم  يُنقل إلى التحقيق، والقسم  الآخر يُنقل إلى السجن مباشرة بعد الاعتقال.  

تهدف هذه الورقة إلى استعراض وتوثيق الواقع المأساوي داخل مراكز التوقيف الإسرائيليّة والسجون "الانتقاليّة"، التي يُحتجز فيها الفلسطينيّون، ملقين الضوء على المعاملة المهينة واللاإنسانيّة التي يتعرّض لها المعتقلون  خلال فترة احتجازهم، وعلى سلب حقوقهم المعيشيّة الأساسيّة، وغياب الضمانات القانونيّة، وتشجيع الوعي العام حول ضرورة مراقبة وتوثيق الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها لضمان حقوق المحتجزين. سنسلّط الضوء أيضاً على استمرار الاحتلال في انتهاك قوانين حقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ؛  ما يعكس تجاوزًا صارخاً للقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة. وستتم الإحاطة بجميع الإجراءات التي يمرّ بها الأسرى، والظروف التي يعيشونها في هذه المراكز والمعابر، مسلّطين الضوء على الفترات ما بين الأعوام  2019 حتّى منتصف عام 2024، وبيان السياسات القمعيّة التي صعّد الاحتلال من استخدامها مع الأسرى بعد السابع من أكتوبر.  

 وركّزت هذه الورقة في المعلومات بشكل أساسيّ على زيارات السجون والمقابلات التي قام طاقم مؤسّسة الضمير بتنفيذها؛ وذلك نظراً لقلّة المعلومات القانونيّة المتوافرة عن مراكز التوقيف التي يقوم الجانب الإسرائيليّ بالتحفّظ عليها وعدم نشرها. إضافة إلى السماح لمحامين  معيّنين  بزيارة هذه المراكز، وذلك يأتي في إطار محاولات الاحتلال في الاستفراد بالأسرى الموجودين في هذه المراكز، وفصلهم عن العالم/ ومحاولة التستّر على الجرائم المرتكبة في حقّهم.