وليد نمر أسعد دقة

الاسم : وليد نمر أسعد دقة

تاريخ الميلاد: 18/7/1961

الإقامة: باقة الغربية – الداخل المحتل                                                                                                               

الحالة الاجتماعية: متزوج

تاريخ الاعتقال: 25/3/1986

السجن: عيادة سجن الرملة

 

ولد وليد دقة في 18 تموز 1961 في بلدة باقة الغربية في المثلث الفلسطيني. أنهى تعليمه المدرسي في سنة 1979، وكغيره من الفلسطينيين الذين واكبوا وعاشوا وعانوا من سياسات العنف الاستعماري العنصرية، التحق بالعمل الوطني تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1983، ليدافع عن وطن سُلبَ تحت وطأة المجازر والحروب، وبعدها بثلاث سنوات من العمل النضالي المتواصل  وتحديداً في  25 آذار 1986 جرى اعتقاله، وتم الحكم عليه من قبل المحكمة العسكرية في مدينة اللد في آذار 1987 بالسجن المؤبد  الذي حدد لاحقاً من قبل رئيس دولة الاحتلال بمدة 37 سنة في العام 2012، وكان يفترض أن يعانق الحرية في تاريخ 24 آذار 2023، إلا أنه في تاريخ 28 أيار 2018، أصدرت المحكمة المركزية في بئر السبع حكماً جائراً بحقه إذ حكم سنتين تمت إضافتهم على محكوميته بادعاء ضلوعه في قضية إدخال هواتف نقالة لتواصل الأسرى مع عائلاتهم. وبناء على ذلك، أصبح تاريخ تحرره الجديد هو 24 آذار 2025.[1] 

اعتُقلَ الجسدْ ... وحُررَ العقل

" ليس هناك أشد وأقسى من أن يعيش الإنسان الاحساس بالقهر والعذاب دون أن يكون قادراً على وصفه وتحديد سببه ومصدره. أنه الشعور بالعجز وفقدان الكرامة الإنسانية عندما يجتمع اللايقين بالقهر، فيبدو لك أن ليس العالم وحده قد تخلى عنك، وإنما لغتك قد خذلتك في وصف عذابك وتعريفه، وخذلتكَ حتى أن تقول آخ .. آخ مفهومة ومدركة من قبل الآخر الحر."

 "كتاب صهر الوعي 2010"

 

لم ينل الحكم الطويل  ولا السجن اللا إنساني من عقلِ وليد وقدراته الإبداعية في الدراسة والكتابة والرسم، ولم تقو سنوات الاعتقال الطويلة على كسر إرادته في الاستمرار بمواجهة ظروف الاعتقال، فحلق كطائر الفينق في سماء السجون المظلمة، ليلمعَ اسمه ويبرز كأحد مفكري الحركة الأسيرة الفلسطينية وقادتها، ويكمل تعليمه الجامعي من داخل جدران زنزانة مُحكمة الإغلاق، ليحصل في العام 2010 على درجة البكالوريوس في الدراسات الديمقراطية من الجامعة المفتوحة الإسرائيلية، وبعدها بسنوات تحديدا في العام 2016 حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية "مسار الدراسات الإسرائيلية" من جامعة القدس.

وإلى جانب الدراسة كان هناك الجانب الفكري والثقافي والفني الحاضر والمتقد عند وليد، والذي جعله يبقى دائما في دائرة الاستهداف المباشر في القمع والتنكيل والعقوبات، فتعرض دقة خلال حياته داخل السجن والتي استمرت مدة 37 عاماً متواصلة، لجملة من العقوبات والسياسات التي يمارسها نظام إدارة مصلحة السجون ضد الأسرى الفلسطينيين، والمؤسس على استهداف حواس وعقل الأسير الفلسطيني وتحويلها لأدوات تعذيب يومي تعذب صاحبها، كما وصفها دقة في كتابه "صهر الوعي"، فواجه جملة من العقوبات تنوعت ما بين الحرمان من زيارة الأهل، ومصادرة كتاباته وكتبه الخاصة من داخل زنزانته، وفرض الغرامات المالية عليه، والتنقلات التعسفية بين السجون، والعزل الانفرادي، والتي رافقها سياسة إهمال طبي متعمد فاقمت من الحالة الصحية للأسير دقة وصولاً إلى الوضع الصحي الخطير الذي يعيشه اليوم.

 إلا أن هذا لم يمنع وليد من مواصلة كتاباته ليجودَ علينا بسخاء كبير مقالاتٍ ورواياتٍ وكتاباتٍ تحاكي واقع الأسير الفلسطيني وما يواجهه داخل المعتقل، ورغم ضيق المكان تخطت كلمات وليد دقة وكتاباته  أسوار السجن، فساهم من خلالها في المشهد الثقافي والأكاديمي والفلسطيني والعربي والعالمي، خاصة في دراسات السجون، تحديدا في الدراسة الفلسفية التي قدمها الاسير دقة عام 2010 في كراسة بعنوان "صهر الوعي – أو في إعادة تعريف التعذيب" والتي أضحت اليوم مرجعاً علمياً في كتابات السجون، وأعماله الأخرى : كيوميات المقاومة في مخيم جنين 2002 عام 2004، حكاية المنسيين في الزمن الموازي عام2011، حكاية سر الزيت عام 2018، حكاية سر السيف عام 2021، حكاية الطيف/ الشهداء يعودون إلى رام الله عام 2022، إضافة إلى عشرات المقالات التي ترجمت لعدة لغات أبرزها : "الزمن الموازي" عام 2021، "ميلاد: أكتب لطفل لم يولد بعد" عام 2011، "حرر نفسك بنفسك" عام 2020، والسيطرة بالزمن" عام 2021.[2]   

حب، نطفة، فميلاد (حكاية حب ونضال)

رغم رائحة الرطوبة المتعالية من جدران زنازين سجن عسقلان، كانت تهب نسمات الحب على قلب وليد لتخفف عليه وطأة المكان، ويلامس قلبهُ قلبَ صبية من فلسطين اسمها "سناء سلامة" كانت تزوره بالسجن من أجل مقابلة صحفية، ليقررا بعدها أن يكملا الدرب ويرتبطان بقصةِ حبٍ عرفتها البلاد من نهرها لبحرها وتغنت بها، ولأن من حق الإنسان أن يعيش حياته الإنسانية بالحب والارتباط حتى في أكثر الأماكن قسوةً، خاض وليد معركته في انتزاع موافقة من إدارة السجون لإقامة حفل زفافه على سناء داخل السجن، ففي صيف عام 1999 دقت طبول الفرح من داخل غرفة صغيرة في سجن عسقلان، معلنةً عن حفل زفاف أسطوري، ليست كأساطير العالم التي نقرؤها وإنما كأساطير الإنسان الفلسطيني الذي يحول مكان قمعه لمكان تبزغ منه أشعة الشمس،  في حفلٍ غير عادي استمر لمدة 3 ساعات، جُمع فيه العريس "وليد" والعروس "سناء" وعدد قليل من أصدقاء وليد الأسرى والموجودين معه بالسجن وبعض من أهله وأهلها، ليتحول أقسى مكان بالعالم  إلى أجمل الاماكن وأكثرها فرحاً وأملاً وحباً . [3]

لم تنته معارك الزوجين عند هذا القرار، فاستمرت رحلة النضال من اجل انتزاع قرار من المحكمة يتيح لهما الإنجاب مدة 12 عاما، كأي عائلة إنسانية طبيعية في العالم مكونة من الزوج والزوجة والأطفال، إلا أنه في ظل عيشنا تحت سيطرة منظومة استعمارية ونظامها القضائي القائم على العنصرية والتمييز، فكل ما نناضل من أجله ونسعى لانتزاعه يواجه بمسمى "الرفض لأسباب أمنية"، وفي هذا كتب الأسير وليد دقة تعقيب على رفض المحكمة له بالسماح بالخلوة مع زوجته سناء عام 2011 رسالةً لطفله أو طفلته التي لم يولد/تولد بعد الآتي :

"أكتب لطفل لم يولد بعد .. أكتب لفكرة أو حلم بات يرهب السجان دون قصد أو علم، وقبل أن يتحقق. أكتب لأي طفل أو طفلة .. أكتب لابني الذي لم يأت إلى الحياة بعد .. أكتب لميلاد المستقبل، فهكذا نريد أن نسميه/ نسميها، وهكذا أريد للمستقبل أن يعرفنا. عزيزي ميلاد .. اليوم أنهي عامي الخامس والعشرين في السجن – تسعة آلاف ومئة وواحد وثلاثون يوماً وربع (9131).. إنه الرقم الذي لا ينتهي عند حد.. إنه عمري الاعتقالي الذي لم ينته بعد .. وها أنا قد بلغت الخمسين، وعمري قد انتصف بين السجن والحياة.. والأيام قد قبضت على عنق الأيام .. كل يوم أمضيته في السجن يقلب "شقيقه" الذي أمضيته في الحياة، ككيس يحاول إفراغ ما تبقى من ذاكرة .. فالسجن كالنار يتغذى على حطام الذاكرة .. وذاكرتي .. أنت رسالتي للمستقبل بعد أن امتصت الشهور رحيق أخوتها الشهور.. والسنين تناصفت مع أخوتها السنين. أتحسبني يا عزيزي قد جننت؟ أكتب لمخلوق لم يولد بعد؟؟ أيهما المجنون .. دولة نووية تحارب طفلاً لم يولد بعد فتحسبه خطراً أمنياً، ويغدو حاضراً في تقاريرها الاستخبارية ومرافعاتها القضائية.. أم أن أحلم بطفل؟ أيهما الجنون.. أن أكتب رسالة لحلم أم أن يصبح الحلم ملفاً في المخابرات؟؟ أنت يا عزيزي تملك الآن ملفاً أمنياً في أرشيف الشاباك  الإسرائيلي .. فما رأيك؟؟ هل أكف عن حلمي؟؟ سأظل أحلم رغم مرارة الواقع .. وسأبحث عن معنى للحياة رغم ما فقدته منها .. هم ينبشون قبور الأجداد بحثاً عن أصالة موهومة .. ونحن نبحث عن مستقبل أفضل للأحفاد.. لا شك آت .. سلام ميلاد .. سلام عزيزي.[4]

بعدها اتجه الزوجان لخيار تحرير "نطفة مهربة" من داخل السجن غرست في رحم سناء، فأنجبت ميلاداً بعد 9 أشهر في تاريخ 3/2/2020 ، ليكون هذا التاريخ تاريخ ميلاد جديد لروح وليد العصية عن الكسر، ولقلب سناء المناضلة العنيدة، وأمام هذا المشهد الإنساني الكبير احتفل الفلسطينيون بقدوم ميلاد من عائلاته لنسائه شبابه شيوخه والأسرى داخل السجون بحلم أسير أصبح حقيقة، أما الآخر الاستعماري فقد تفنن في غطرسته فمُنعت سناء من زيارة وليد لشهور عديدة حتى لا يكون هناك تواصل واطمئنان على حالة سناء والجنين، وقاموا  بعزل وليد لعدة شهور أيضا في ظروف قاسية ولا إنسانية، وحتى بعد الإنجاب لم يسمح له بلقاء مولودتهما "ميلاد" لفترة زمنية، وبعدها أصبح الحلم يزور وليد كل فترة ليجدد له الأمل والحياة.

من رسالة الأسير وليد دقة لابنته ميلاد في عيد ميلادها الأول :

"من يأخذ بقية عمري ويمنحني لحظة عناق لتطوقيني بذراعيك الصغيرتين، مَن ملودتي مَن، من مسحت بكفيها الصغيرتين على قلبي ، فانتظم النبض وصح البدن وتلاشت عقود من الألم. من يامهجة قلبي ستأتي لتغفو على صدر والدها ليداعب شعرها الناعم. إلى حبيبتي ميلاد كل عام وأنت بألف خير وعيد ميلاد سعيد".

                       أبوك وليد دقة – سجن جلبوع /2021

 

ماذا بعد 37 عاما من الاعتقال والحرمان، صحياً؟؟

37 عاما ليس مجرد رقم، إنها حياة إنسان عاش داخل سجنٍ يتعمد في إجراءاته وسياساته الحرمان، الحرمان من الحياة، الاستقرار، والعلاج، فعدم حصول دقة طوال فترة الاعتقال على الرعاية الطبّيّة، وإهمال مصلحة السجون في إجراء الفحوصات الدوريّة كان له أثر سلبيّ على صحّته، فأصبح يعاني من أوجاع قويّة في مختلف أنحاء جسده، إلى أن تمّ تشخيصه بمرض نقويّ عام 2015. ومع استمرار الإهمال الطبّيّ الذي أدّى إلى تدهور جدي على وضعه الصحي، اتضح خلال العام 2022 أنّه يعاني من مرض التليّف النقويّ (تليّف نخاع العظم/ Myelofibrosis)  الذي يُعدّ نوعاً غير شائع من سرطان نخاع العظم. وبسبب الإهمال في التدخل الطبي العاجل لدقة استفحل المرض، ووصلت خطورته ثلاث درجات فوق عتبة الخطر؛ أي وصلت الخطورة ذروتها، وحذّرت جمعيّة أطبّاء لحقوق الإنسان من الخطورة الجديّة التي تهدّد حياة دقّة، وفي ظلّ استمرارية عدم تقديم العلاج فإنّ الخطورة على حياته ستتفاقم أكثر.

وعلى الرغم من تأكيد مختلف المواثيق الدولية على حق الأسرى في الحصول على الرعاية الطبية الملاءمة وحقهم في العلاج، فتؤكد "قواعد مانديلا" على وجوب حصول الأسرى على الرعاية الطبية والعلاج الملائم وتشترط عدم التمييز في تقديم الرعاية، وتحث على اتخاذ جميع التدابير الوقائية لتلبية الاحتياجات الطبية للأسرى إلا أن سلطات الاحتلال ومصلحة السجون تستمر في التواطؤ معا وانتهاك هذه المواثيق، ويرتقي الإهمال الطبي المتعمد ومنع دقة من حقه في العلاج إلى حد المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة على النحو المبين في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقواعد مانديلا.

لم تكتف دولة الاحتلال بممارسة سياسة الإهمال الطبّي، بل سخرت ما تمتلك من أدوات وطرائق للتنكيل به ففي عام 2018 أتهم دقة بمحاولة تهريب هواتف نقالة لداخل السجن، فتمت إضافة عامين على محكوميته لتصبح 39 عاما، وصنف أيضا بعد هذه الحادثة أنه أسير "عالي الخطورة". وبعد هذا التصنيف استمرت مصلحة السجون بتصعيد وتيرة الانتهاكات وخاصة الإهمال الطبي بحقة بحجة أن الأسرى المصنفين بهذا التصنيف يخضعون لتعقيدات أمنية وإجراءات طويلة، واحتجز في ظروف زنازين سيئة جداً ووضع في العزل الانفرادي وأُهملت فحوصاته الطبية، وتعمدت المماطلة في تقديم العلاج. ومع  مرحلة الخطورة البالغة التي وصل إليها دقة  لا تزال مصلحة السجون تتنصل من مسؤولياتها اتجاهه، وتستمر باحتجازه في عيادة سجن الرملة غير المؤهلة للتعامل مع حالة دقة الحرجة، وترفض مطالبه في توفير جهاز تنقية الهواء لزنزانته لمساعدته على عودة عمل جهازه التنفسي بشكل ذاتي، وتكثيف جلسات العلاج الطبيعي التي لها الأثر لعودة وليد للوقوف على قدميه والسير مجدداً.

وفي ظل الخطورة الحقيقية على حياة دقة وعدم حصوله على العلاج المناسب من قبل مصلحة السجون ومماطلاتها المستمرة في تقديم العلاج، تقدمت عائلة دقة بطلب إلى "لجنة الإفراج المشروط " في تاريخ 10 أيار 2023، لطلب الإفراج المبكر عنه، استنادا  للمادة السابعة من قانون "الإفراج المشروط من الاعتقال لعام 2001" التي تنص على أن "اللجنة مخولة أن تطلق سراح أي أسير بشروط بعد إطلاعها على تقارير طبية وذلك في حال كانت الأسباب الطبية تشير إلى معدودية أيامة أو أن المرض يشكل خطورة على حياته". إلا أنه في تاريخ 31/05/2023 خلال جلسة عقدت في سجن "معسياهو -الرملة" قررت هذه اللجنة أن النظر في طلب الإفراج لا يدخل ضمن اختصاصها على اعتبار أن دقة من الأسرى الأمنيين. وعليه قررت اللجنة إحالة الملف إلى "لجنة الإفراج المبكر" التي تختص بالأسرى المحكومين بالسجن المؤبد وغيرهم. وجاء قرار رفض النظر في الطلب على الرغم من انقضاء المؤبد منذ تاريخ 24 آذار 2023.

وبعد نقل الملف إلى "لجنة الإفراج المبكر" للنظر في طلب الإفراج، قامت اللجنة بالنظر في الملف وتبنت وجهة نظر المستشار القانوني باعتبار فترتي العقوبة وحدة واحدة أي أن وليد يقضي فترة عقوبة  هي 39 عاما، هذا يعني أن اللجنة قررت اعتماد وضع وليد القانوني كأسير محكوم بالمؤبد لأغراض إقرار صلاحية اللجنة الخاصة بالنظر في ملفه.  وعليه قامت اللجنة بتطبيق المادة (40/أ) من قانون "مكافحة الإرهاب لعام 2016" والتي تنص على عدم إطلاق السراح المبكر للأسرى المتهمين بقتل أو محاولة قتل والمحكمة قررت أن هذا العمل إرهابي". وعليه تم رفض طلب وليد من قبل اللجنة يوم 26 حزيران 2023.

واعتمدت اللجنة على هذا القانون على الرغم من استهدافه الأسرى الفلسطينيين بشكل خاص وفرض إجراءات تمييزية ضدهم، حيث وظفت دولة الاحتلال هذا القانون ليخدم أهدافها السياسية ولينتزع حقوق الفلسطينيين المشروعة وليحرمهم من التمتع بحقوق متساوية مع رعاياها اليهود، فهذا القانون ما هو إلا أداة لشرعنة انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها دولة الاحتلال.

ويظهر قانون مكافحة الإرهاب تحلل دولة الاحتلال من أبسط التزاماتها تجاه القانون الدولي التي تقع على عاتقها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.  إضافة إلى تحللها من التزاماتها السياسية واحترامها الاتفاقيات المتفق عليها مع السلطة الفلسطينية، حيث كان من المفترض أن يتم الإفراج عن الأسير دقة إلى جانب 25 أسيراً فلسطيني جرى اعتقالهم ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، بما يسمى بأسرى "الدفعة الرابعة"، ضمن الاتفاق الذي جرى بالتزامن مع استئناف المفاوضات ما بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية في تموز 2013، والذي بموجبه تقوم دولة الاحتلال بالإفراج عن 104 أسير فلسطيني اعتقلوا قبل اتفاق اوسلو على أربع دفعات، إلا أنها عندما حان تطبيق موعد الافراج عن الدفعة الرابعة تراجعت عنه ولم تنفذه حتى اليوم.

وعلى الرغم من تعسفية وعنصرية القانون الذي استندت إليه اللجنة في بناء القرار، إلا أن القرار بحد ذاته أيضا يعتبر قراراً تعسفياً ويُظهر بوضوح تواطؤ المنظومة الاستعمارية بكامل بنيتها ضد الأسرى الفلسطينيين، وسلط الضوء على إجحاف دولة الاحتلال التي لا تزال تحاكم دقة بناء على ملف قديم انتهى مع انتهاء فترة محكومية المؤبد، ولكن لا زالت دولة الاحتلال تحاول النيل من دقة عن طريق الإبقاء على احتجازه في ظروف غير ملاءمة وإهماله طبياً.

قصة دقة لم تنتهِ بعد، بل لا زالت عائلته تكافح في سبيل انتزاع حريته ومجابهة هذا النظام الاستعماري القائم على انتهاك المواثيق الدولية والسياسيات التعسفية بحق الفلسطينيين، فتقدمت العائلة مؤخرا  باستئناف إلى المحكمة المركزية في اللد للاعتراض على قرار رفض الإفراج، وعقدت جلسة في تاريخ 16/07/2023، إلا أن المحكمة لم تصدر قراراً حتى اليوم.

وليد وميلاد والحرية، هي فكرة الحياة وروحها التي لا تقتلع من صدور الحالمين بحريتهم، فجبروت الدولة النووية وترساناتها من أدوات التنكيل والبطش لن تصمدَ طويلاً أمام فجرِ الميلاد والأمل القادم حتماً، بهذا المعنى كتبت سناء دقة على صفحتها في الفيس بوك:  "إن كان لا بد من حلم فليكن مثلنا، وبسيطاً.. كأن نتعشى معاً بعد يومين نحن الثلاثة، محتفلين بصدق النبوءة في حلمنا، وبأن الثلاثة لم ينقصوا واحداً" .

وليد دقة.. الأسير الشاهد، والشهيد..

رغم أننا وكافة المؤسسات كنا قد حذرنا من خطورة وضعه الصحي..

يرحل الأسير وليد دقة يوم 7 نيسان 2024 شهيدًا في مستشفيات الاحتلال وشاهدًا على جريمة الاستعمار المستمرة بحق الأسرى الفلسطينيين في آخر سجون الاستعمار في العالم، يرحل دقة بعد أن أمضى محكومية تجاوزت الـ ٣٨ عامًا بشكل متواصل، تغير خلالها السجان عدة مرات وصدئت أبواب الزنزانة، يرحل دقة تاركًا في هذا الرحيل المضني صورة جلية للتعامل اللاإنساني الذي ينتهجه الاحتلال سلوكًا في معاملة الفلسطينيين لا سيما الأسرى منهم.

يرحل دقة دون أن يكل عن نشر معاني الإنسانية وصور النضال حتى من داخل زنزانة عاشت معه أكثر مما عاشته عائلته معه، ودون أن يجف قلمه الذي كتب وعلم أسمى معاني الإنسانية في أكثر الأماكن التي حاربت الإنسان وروحه واحتجزتها في علب الزمان "السجون"، رحل دقة وترك للعالم أجمل وأوضح صور النضال والإنسانية، ابنته ميلاد التي جاءت عنوة عن رفض السجان، ورغمًا عن حصار الجدران من كل مكان.   

يرحل دقة اليوم تاركًا خلفه رسالة كان قد كتبها في عامه السادس والثلاثين من داخل سجون الاحتلال، قائلًا فيها: "سأبقى أحبكم، فالحب هو نصري الوحيد والمتواضع على سجاني."

 

 

Last Update