الاحتلال يواصل انتهاك حقوق المرأة الفلسطينية

اعتقلت قوات الاحتلال منذ العام 1967 أكثر من 10,000 امرأة فلسطينية، وحسب إحصائيات مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان يقبع حالياً في سجون الاحتلال 21 أسيرة ومعتقلة فلسطينية، يحرمن من غالبة حقوقهن التي منحت لهن بموجب القانون الدولي الإنساني والمعاهدات الخاصة لحماية النساء والقانون الدولي لحقوق الإنسان. تقوم سلطات الاحتلال بنقل المعتقلات الفلسطينيات من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خارج الأراضي المحتلة عام 1967 "في سجن هشارون بشكل أساسي"، مما يشكل انتهاكاً مباشراً للمادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة، وتقبع حالياً في سجن هشارون 20 أسيرة ومعتقلة فلسطينية، ومعتقلة واحدة في سجن نفيه ترتسا.

تتعرض الأسيرات والمعتقلات لشتى أنواع الانتهاكات على أيدي مصلحة سجون الإحتلال منذ لحظة الاعتقال وحتى لحظة الإفراج عنهن، بما في ذلك المعاملة الغير إنسانية المهينة والتعذيب والاعتداء الجسدي والنفسي، والتفتيش العاري المهين الذي يستخدم عادة كإجراء عقابي، كما ويتم الاعتداء على الأسيرات الفلسطينيات لفظياً من قبل جنود الاحتلال بشكل متكرر أثناء الاعتقال والتحقيق والنقل، وهو ما يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية الخاصة بالتعامل مع الأسرى والمعتقلين.



إعتقال الفلسطينيات

تستخدم قوات الإحتلال كافة الطرق لإعتقال النساء الفلسطينيات، فمثلاً تم اعتقال المحامية شيرين العيساوي في 6/3/2014، بعد اقتحام منزلها ومنزل شقيقها، وتعمل شيرين في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في القدس، وكانت شيرين قد كتبت مقالة لموقع المونيتور بمناسبة يوم المرأة العالمي في عام 2013، اي قبل حوالي عام من اعتقالها.

تتعرض النساء أيضاً للضرب وغيره من أشكال الاعتداء الجسدي خلال عملية الاعتقال، فقد قام جنود الإحتلال مثلاً بالاعتداء على الطالبة في جامعة بيرزيت لينا خطاب والتي تبلغ من العمر 18 عاما أثناء اعتقالها بتاريخ 13/12/2014، وهي في طريقها لمنزل صديقتها قرب قاعدة عوفر العسكرية، حيث قام احد جنود الاحتلال بلوي ذراعها ودفعها بطريقة همجية، ثم قاموا بسحبها داخل جيب عسكري، ووجهت للينا تهمة ضرب الحجارة على سيارة عسكرية متحركة، بالرغم من أن لينا قامت بإنكار جميع التهم الموجهة إليها.

وفي حادثة أخرى وصفت المعتقلة الفلسطينية "أ" لوحدة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير طريقة اعتقالها بالقول: "لقد تم اعتقالي يوم الثلاثاء 25/11/2014 عند الساعة الثانية عصراً تقريباً، بينما كنت أود أن أوصل والدتي إلي بيت خالتي الكائن في نفس الشارع الذي اسكن فيه، ووالدتي سيده كبيره في العمر وتعاني من أمراض عديدة وتستند إلى عكازين لمساعدتها على المشي وتحتاج إلى شخص ليرافقها دائماً".

وتضيف "أ": "فبينما كنت أسير مع والدتي عبر الشارع، كان هنالك حوالي 8 جنود يقفون على جانب الطريق، وعندما حاولت مع أمي المرور بجانبهم قام احد الجنود بمد قدمه بمكان سير أمي، فتعثرت أمي برجل الجندي مما أدى إلى وقوعها أرضا، فارتطمت بالأرض على وجهها مما تسبب لها بأوجاع، وعندما حاولت أن ارفع أمي عن الأرض اخذ احد الجنود بدفعي، حاولت أن أدافع عن نفسي فقام الجنود الثمانية بالاعتداء علي بشكل وحشي، حيث قام احدهم بلوي ذراعي بشكل عنيف إلى الخلف مما تسبب لي بألم شديد، وقام جندي آخر بمسكي من منطقة فكي وشد رأسي إلى الوراء، وكان اثنين من الجنود يضغطون بأرجلهن على صدري، وقامت ومجنده أخرى بضربي على أقدامي وخصري مما تسبب لي بالألم، وتظهر أثار الضرب على جسدي حتى الآن".

وفي حالة أخرى تم اعتقال "ب" أثناء عبورها حاجز قلنديا، وشرحت ظروف اعتقالها قائلة: "في تاريخ 18/7/2014 الساعة 11:00 صباحاً حاولت مرور حاجز قلنديا، ولم يكن بحوزتي أي شيء محظور، فقط كنت أريد الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى، وأثناء مروري بالحاجز ناداني أحد الجنود من الخلف مستخدماً عبارة (حجة)، ووقتها لم أكن أعلم أنه كان يقصدني لأن كلمة حجة تقال عادة للمرأة الكبيرة في السن، وفجأة اعترضت طريقي مجندة وقال بصوت عالي: لماذا لم تجيبي على الجندي؟ فقلت لها أنني لم أكن أعلم أنه يناديني، وطلبت المجندة مني الهوية، وقالت لي أن عمري لا يسمح لي بالعبور من الحاجز دون تصريح، فقلت لها أن من حقي أن أصلي في المسجد الأقصى فأنا مسلمة، فبدأت تتحدث معي بنبرة استهزاء، وكان معها حوالي 6 جنود، فقامت المجندة بعد ذلك بالتطاول علي بالكلام والاستهزاء، فغضبت وجاوبتها بعصبية، وفجأة وجدت نفسي ملقاة على الأرض والمجندة فوقي مباشرة، حيث قامت بالجلوس فوق جسدي وقامت بالسيطرة على يدي ورجلي، وأثناء ذلك قامت بضربي بيديها وأرجلها، وكان هذا على مرأى من الجنود الذين قاموا بتحويطنا دون أي تدخل منهم".

تنص المادة 12 من التوصيات العامة رقم 28 الخاصة بلجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة على: "الدول تمارس ولاية إقليمية في المقام الأول، رغم أن ذلك رهن بالقانون الدولي، إلا أن التزامات الدول الأطراف تنطبق من دون تمييز على المواطنين وغير المـواطنين سـواء بسواء، بما يشمل اللاجئين وملتمسي اللجوء والعمال المهاجرين وعديمي الجنسية الموجـودين على أراضيها أو الخاضعين لرقابتها الفعلية حتى وإن لم يكونوا داخـل أراضـيها، فالـدول الأطراف مسؤولة عن كل ما تتخذه من إجراءات تؤثر على حقوق الإنسان، بصرف النظر عما إذا كان المتضررون على أراضيها أم خارجها".

وفي التوصيات العامة رقم 30 بشأن وضع المرأة في سياق منع النزاعات وفي حالات النزاع وما بعد انتهاء النزاع، تؤكد اللجنة على ما ذكر سابقاً: "تكرر اللجنة توصيتها العامة رقم 28 ومفادها أن التزامات الدول الأطراف تُطبق أيضاً خارج حدودها الإقليمية على الأشخاص الخاضعين لسيطرتها الفعلية، حتى وإن لم يكونوا موجودين داخل أراضيها، وأن الدول الأطراف مسؤولة عن كل ما تتخذه من إجراءات تؤثر على حقوق الإنسان، بغض النظر عما إذا كان الأشخاص المتضررون موجودين داخل حدودها الإقليمية أم خارجها".



النقل لمراكز التحقيق ومراكز الاعتقال والسجون

قالت الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات لوحدة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير أنهن يتعرضن للاعتداء الجسدي والنفسي خلال عمليات النقل، فعلى سبيل المثال تم اعتقال "ج" بعد اقتحام منزلها الكائن في مدينة البيرة، وتعصيب عيناها وربط يداها بقيود بلاستيكية وإجبارها على الركوع داخل الجيب العسكري، وعندما قامت "ج" بالتحرك بسبب الألم الشديد الذي سببه الركوع قام جندي بشتمها وشتم عائلتها وإهانتها. 

كما قامت "د" بوصف عملية نقلها إلى مركز التحقيق والعنف الجسدي الذي تعرضت له بالقول: "بعد الاعتداء علي قام الجنود بسحبي بطريقه وحشيه، وقاموا بتقيدي بقيود حديديه ويدي إلى الأمام، وعندما كنت أريد أن اربط ملابسي كانوا يقومون بسحبي وقاموا بشتمي وبضربي أثناء سحبي إلى الجيب، حيث كنت قد رفضت أن ادخل في الجيب العسكري، إلا أن احد الجنود قام بضربي بالبندقية على ظهري مما سبب لي الألم الشديد، وأجبرت بعدها على الدخول إلى الجيب العسكري، وعند الدخول إلى الجيب كان هناك مجندتان موجودتان، وكان جندي آخر يجلس في الأمام، وطلبت من إحدة المجندات تخفيف قيود يدي لأنني كنت قد أجريت عمليه في يدي اليمنى، وردوا علي بالقيام بضربي على القيود الحديدية مما تسبب لي بالألم الشديد".

وصفت "ن" عملية نقلها إلى مركز توقيف قائلة: "خلال الطريق كانت هناك مجندتين واحدة على الشمال والأخرى على اليمين، وطوال الوقت كانت إحدى هؤلاء المجندات تقوم بقرص يدي (لدغة)، والأخرى قامت بشتمي بألفاظ نابية جداً وكانت تضربني برجلها".



المعاناة في مراكز التوقيف والتفتيش العاري

إن تجارب الأسيرات في الاعتقال والتوقيف تشير إلى الاعتداء الذي يتعرضن له من قبل الجنود وعناصر مصلحة السجون للاحتلال، فمثلا وصفت "ن" التي تم احتجازها في غرفة قريبة من حاجز قلنديا تجربتها قائلة: "عند وصولي إلى الغرفة قامت مجندتين برميي على الأرض فوراً وأنا مكبلة، وقاموا بضربي بأيديهن وأرجلهن، وإزالة الحجاب عن رأسي بطريقة مسيئة، وقاموا بشد شعري، ومن ثم قامت إحداهن بشدي من شعري ورفعي عن الأرض بطريقة موجعة، وبدأت تخبط رأسي بالحائط وكان الضرب قوياً جداً، واستمر الضرب بشكل متكرر وكان مؤلماً".

أكدت الأسيرات أن التفتيش العاري هو إجراء مستمر ويتكرر طوال فترة الاعتقال، وغالباً ما يستخدم كإجراء عقابي، وخلال هذا الإجراء يتم تجريد الأسيرات من معظم ملابسهن وفي بعض الأحيان يجردن حتى من ملابسهن الداخلية، ويتم معاقبة الأسيرات اللواتي يرفضن المثول لهذا الإجراء بالعزل الانفرادي. 

تمارس قوات الاحتلال سياسة التفتيش العاري في مراكز الاعتقال وخلال النقل، كما وتتعرض الأسيرات والمعتقلات للتفتيش العاري في منتصف الليل داخل السجون. ويعد التفتيش العاري إجراء متطرف وتعسفي خصوصاً في مجتمع محافظ كالمجتمع الفلسطيني، وتؤكد تجارب الأسيرات الفلسطينيات وشهاداتهم على شدة التأثير النفسي الصادم والمؤلم للتفتيش العاري. 

إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 الذي يعتبر ملزماً لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "يدعـو جميـع الأطــراف في الصراعــات المســلحة إلى أن تتخــذ تدابــير خاصــة تحمـي الفتيـات والنسـاء مـن العنـف القـائم علـى أسـاس الجنـس في حـــالات الصــراع المســلح، لا سيما الاغتصاب والأشكال الأخرى للإيذاء الجنسي".





التعذيب اثناء التحقيق

أفادت الأسيرات والمعتقلات بأنهن يتعرضن للإساءة والتعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيق على أيدي قوات الاحتلال، وتنص اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للعام 1984، والتي قامت دولة الاحتلال بالتصديق عليها في 3/10/1991 على أن: "مصطلح التعذيب يعني أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث على الاعتراف بشيء ما، أو عندما يلحق به هذا الألم أو التعذيب- لأي سبب من الأسباب كالتمييز أياً كان نوعه- أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. هذا لا يتضمن الألم أو المعاناة النابعة عن عقاب حسب القانون، وما يتبع ذلك أو يتعلق به".

اعتقلت "ل" في 14/10/2013 من منزلها بعد اقتحامه في الساعة 1:00 بعد منتصف الليل، واقتيدت إلى مركز تحقيق الجلمة، تعرضت للتحقيق لمدة 4 أيام وحرمت من زيارة محامي، كما وتعرضت لمعاملة سيئة وغير إنسانية، وقام المحققون بالصراخ عليها وشتمها، مما أدى إلى إصابتها بانهيار عصبي، وبعد أيام تم احتجازها في غرفة مع ما يطلق عليهم ب"العصافير". وصفت "ل" العنف الجسدي الذي تعرضت له قائلة: "عندما دخولي إلى المسكوبيه كنت أتألم كثيراً، وكنت مقيده طوال الوقت وجالسه على كرسي، وكان كل جندي يمر من أمامي يحاول استفزازي، وبعد عدة ساعات سمح لي بلقاء محامي، وبعد خروج المحامي وبينما كنت جالسه على الكرسي دخل جندي الغرفة، وقام بدفشي عن الكرسي باتجاه زاوية الغرفة، وبدأ بضربي بأقدامه ويديه على كل أنحاء جسدي، مما سبب لي الألم الشديد، وفي لحظه معينه قام بلوي يداي مع الكلبشات مما تسبب لي بالألم، فشعرت أنني سأفقد الوعي نتيجة هذا الضرب، وبعد الضرب دخل عدد كبير من الشرطة والموظفين لرؤيتي وقد كنت ملقيه على الأرض، بعد هذه الحادثة تم نقلي إلى التحقيق وهناك بقيت مقيده ".



اعتقال المرأة يمزق النسيج الإجتماعي

إن الاعتقال والاحتجاز والإساءة وسوء المعاملة والتعذيب الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية، يأتي ضمن سياسة ممنهجة للإحتلال تهدف الى تفتيت بنية المجتمع الفلسطيني، حيث أن الاستمرار في اعتقال النساء الفلسطينيات يعكر صفو النسيج الاجتماعي للعائلات الفلسطينية، كما ويساهم تعرض حوالي خمس الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض الفلسطينية للاعتقال في مرحلة ما من حياتهم (أي ما يشكل حوالي 40% من مجموع السكان من الذكور)، في تحميل الإناث الفلسطينيات كافة أعباء إعالة وتربية الأبناء بعد إعتقال أزواجهن او اخوتهم، وما يرافق ذلك أيضاً من الأعباء النفسية الأخرى المرافقة لإعتقال أحد افراد العائلة.

تركز لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة على أن: "لابد من استئصال الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا أريد للرجال والنساء أن يتمتعوا بحقوقهم تمتعا كاملا".