"الخبير النفسي" ... أسلوبٌ جديد تستخدمه سلطات الاحتلال لملاحقة الفلسطينيين

"الخبير النفسي" ... أسلوبٌ جديد تستخدمه سلطات الاحتلال لملاحقة الفلسطينيين

 

مقدمة

تنتهج سلطات الاحتلال عديداً من الطرق لملاحقة الفلسطينيين وقمعهم وزجهم في سجونها، فمنذ احتلال فلسطين حتى يومنا هذا تطور من أدواتها لفرض مزيدٍ من السيطرة والتضييق بحق الفلسطينيين.

رصدت مؤسسة الضمير منذ شهر نيسان الماضي أسلوباً جديداً تتبعه سلطات الاحتلال في إطار ملاحقتها للفلسطينيين للكشف عن منفذي العمليات العسكرية بحسب ما تدعي. وهذا الأسلوب يتمثل في اعتقال الشخص، واستدعاء "خبير نفسي" لمقابلته وطرح عدّة أسئلة عليه تتعلق بعمليات عسكرية تدعي سلطات الاحتلال أنها نُفذت في فترات سابقة. وهذه المقابلة يسبقها اقتحام لمنازل المعتقلين في منتصف الليل وتفتيشها وتخريب محتوياتها ومن ثم اعتقال الشخص ونقله إلى حاجز عسكري لمقابلة "الخبير النفسي". إن أسلوب اقتحام المنزل والاعتقال الهمجي يوحي للشخص أنه معتقل بهدف التحقيق والسجن، وذلك بهدف ترهيبه، على الرغم من أنه يخضع للأسئلة المحددة في غرفة على الحاجز العسكري ومن ثم يجري الإفراج عنه في مساء ذات اليوم.

وثقت مؤسسة الضمير عدّة حالات لأشخاص جرى اعتقالهم فجراً وخضعوا للاختبار بواسطة "الخبير النفسي"، وهذه الحالات تم اعتقالها منتصف الليل، وبعضهم أثناء فترة منع الحركة الذي فرضته الحكومة الفلسطينية في إطار منع انتشار فايروس كورونا. وخضع معظم الأشخاص لذات الاختبار من ناحية طبيعة الأسئلة ومضمونها، بالإضافة إلى أن معظمهم جرى إخضاعهم للاختبار على حاجز قلنديا العسكري.

حالات لمعتقلين خضعوا للاختبار بواسطة "الخبير النفسي"

يفيد الأشخاص الذين جرى اعتقالهم لمقابلة "الخبير النفسي" أن هذا الشخص الذي يعرف عن نفسه "بالخبير" ويدعي أنه دكتور في علم النفس، يقوم بإخضاعهم لاختبار يتضمن عدّة أسئلة[1] يجب أن يجيبوا عليها، وقبلها يكون المحقق قد هدّد المعتقلين أنه في حال تبين أن المعتقل كاذب في أجوبته، سيتم تحويله للتحقيق في مراكز التحقيق، وفي حال تبين أنه صادق، سيتم إطلاق سراحه. وتعرض هؤلاء المعتقلين لذات الإجراءات وخضعوا لذات الاختبار الذي يتضمن ذات الأسئلة وأُطلق سراح جميعهم بعد انهاء الاختبار.

أفاد معظم المعتقلين الذين وثقت معهم مؤسسة الضمير أن الأسئلة التي يتم طرحها بها خيارات متعددة، بالإضافة إلى عرض صور وخرائط وأسئلة حولها.

أفاد المعتقل (ع. ح) أنه جرى اعتقاله يوم 13/4/2020 بعد اقتحام منزله ما يقارب الساعة 5:00 صباحاً، قام الجنود بمصادرة جهاز الحاسوب والهاتف المحمول واقتياده مقيّداً إلى بيت ايل حيث خضع لفحص طبي. ثم نُقل لمكان آخر عَلِم بعد إطلاق سراحه أنه حاجز قلنديا العسكري، حيث أُخضِع لاختبار من قبل "الخبير النفسي" الذي وجه له أسئلة تتعلق بتواريخ معينة يدعي أنه تم فيها تنفيذ عمليات عسكرية، حيث خضع لما يقارب 30 سؤال، وبعد انهاءها، أبلغه المحقق الذي كان متواجداً أنه سيتم إطلاق سراحه وهذا ما حدث فعلاً حيث أُطلق سراحه مساءً.

أما المعتقل (ث. ب)، أفاد أنه جرى اعتقاله بتاريخ 6/7/2020 بعد أن اقتحم ما يقارب 30 جندياً من جيش الاحتلال منزله الساعة 4:00 فجراً، وقاموا بتفتيش المنزل ثم نقله مقيداً إلى بين أيل حيث مكث في العراء حتى ساعات الصباح إلى أن تم نقله إلى حاجز قلنديا العسكري. أعلمه المحقق أنه سيخضع لاختبار يتضمن عدّة أسئلة في حال كان صادقاً سيطلق سراحه، وإذا لم يكن سيتم تحويل ملفه إلى مركز تحقيق المسكوبية. حضر "الخبير النفسي" وبدأ بطرح الأسئلة التي تتعلق بعمليات إطلاق نار تدعي سلطات الاحتلال أنها نُفذت في وقت سابق، استمر طرح الأسئلة عليه لما يقارب ساعتين ونصف وجرى إعادة الاختبار لمرتين إضافيتين. بعد انتهائه، حضر المحقق وأبلغه أنه سيتم إطلاق سراحه، وبعد ما يقارب ثلاث ساعات من الانتظار أُطلق سراحه.

أطلع المعتقل (ع. ش) مؤسسة الضمير على مجريات اعتقاله، أفاد أنه اعتُقل في أواخر شهر آب بعد اقتحام منزله الساعة 4:00 فجراً، وعُرض عليه الاختبار المذكور بعد نقله لحاجز قلنديا، إلا أنه رفض الإجابة على أي من الأسئلة، وحينها قام المحقق بتهديده أنه سيتم تحويله لمركز تحقيق المسكوبية في حال استمر بالرفض. أصرّ المعتقل على رفض الخضوع للاختبار وبعد ما يقارب الساعة تم إطلاق سراحه.

استخدام وسائل جديدة للكشف عن العمليات العسكرية

إن استمرار سلطات الاحتلال في التحايل على المعتقلين من خلال تطوير أساليب تحقيق مختلفة تسعى في مضمونها إلى ربط الشباب الفلسطيني بعمليات تدعي أنها نُفذت، يُظهر سياسة الاحتلال في نزع المعلومات من المعتقلين الفلسطينيين بطرق غير قانونية وبغير ارادتهم، سواء من خلال التحايل باختبارات وأسئلة غير مباشرة أو من خلال التعذيب وسوء المعاملة الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين لنزع الاعترافات وإدانتهم بوجه غير مشروع.

وفي محاولة للكشف عن سبب استخدام سلطات الاحتلال لهذه الاختبارات والأسئلة، وكيف تخدم هذه الاختبارات مساعي الاحتلال في الكشف عن العمليات المُدعى بها، أفادت د. سماح جبر[2] أن هذا الأسلوب الجديد ما هو إلا فحص أمني بغطاء نفسي، تسعى سلطات الاحتلال من خلاله إلى إيهام المعتقل أنه يتعرض لفحص نفسي، وفي الحقيقة فإنه يتعرض لفحص أمني ثمن التجاوب فيه الإفراج، ويخدم الهدف الأمني. كما أفادت أن الاختبار النفسي يجب أن يجري وفق معايير معينة تبدأ بقبول الشخص على الخضوع للاختبار وليس إجباره، وفي هذه الحالة فإن المعتقل اختطف من منزله معتقلاً وأُرغم على الخضوع للاختبار. كما أنه في الاختبارات النفسية يجب أن يتم اطلاع الشخص على الهدف من وراء هذا الاختبار. [3]

وأكدت د. جبر أن المعتقل يكون فاقداً لحريته وبالتالي ليس هناك جدوى لفحصه نفسياً طالما أنه معتقل، وبالتالي مُرغماً على إجابة أسئلة الاختبار. [4]

تُظهر معظم الحالات التي خضعت للاختبار المذكور أن سلطات الاحتلال تستمر في ملاحقة الأسرى المحررين بوسائل وأساليب مختلفة، حيث أن معظم المعتقلين الذين قدّموا إفادتهم لمؤسسة الضمير حول خضوعهم للاختبار هم أسرى محررين اعتقلوا سابقاً وبعضهم لمراتٍ عدّة، وتعرضوا للتحقيق في مراكز التحقيق التابعة للاحتلال. كما تبين أن العديد من الحالات تربطهم صلة قرابة أو صداقة مع معتقلين حاليين يحاكموا أو جرى محاكمتهم على تهم تتعلق بعمليات عسكرية.

إن هذا "التصنيف" الذي تعّده سلطات الاحتلال لكشف عقلية الشباب الفلسطيني من خلال الخضوع لاختبار يحدد "مدى خطورة الشخص على الأمن" ويسعى لجمع معلومات مسبقة عن الشخص للكشف عن أي عمل مستقبلي، يُظهر استهداف الاحتلال المستمر للمعتقلين السابقين على خلفية ماضي المعتقل، ويهدف إلى ترويع الأشخاص وترهيبهم كجزء من إيصال رسالة مفادها أن الأسير المحرر الذي يمتلك ماضي تعتبره سلطات الاحتلال ماساً بالأمن؛ ملاحق بشكلٍ مستمر وهو عرضة للاعتقال في أي وقت.

إن تنوع أساليب الاحتلال في التحقيق وتطورها على مدار الزمن يهدف في نهاية المطاف لفرض مزيداً من السيطرة بحق الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تحييد الأشخاص عن العمل النضالي نظراً للملاحقة الدائمة، بما يخدم أهداف الاحتلال الاستعمارية الاحلالية لإنهاء الوجود الفلسطيني وانتهاك لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.

 

 

ملحق رقم (1)

بعض الأسئلة التي وُجهت للمعتقلين من قبل "الخبير النفسي" ويجب أن يختار من بين متعدد

 

  •  أنا دكتور في علم النفس وقد درست في جامعة: (1) تل ابيب (2) رهط (3) العبرية؟
  • أنا متزوج منذ فترة طويلة ولدي أطفال عددهم: (1) اثنين (2) ثلاث (3) أربعة؟
  • أنا عمري: (1) 40 عام (2) 50عام (3) 60عام؟
  • المهاجم الذي أطلق النار كان يقف بجانب حائط ارتفاعه (1) متر (2) مترين (3) ثلاثة أمتار؟
  • المهاجم أطلق الرصاص: (1) فردي (2) أتوماتيكي (3) متقطع؟
  • إذا كنت أنت تريد تنفيذ هجوم من نقطة مقابل بيت ايل، هل تقوم بالهرب من الشارع "الفلاني" أم "الفلاني"؟
  • المهاجم في مكان العملية نسي: (1) دخانه (2) مشط رصاص (3) شنطة؟
  • تم إطلاق النار في تاريخ --- عند بيت ايل على (1) سيارة (2) جيب (3) باص؟
  • المهاجم أطلق النار اتجاه آلية معينة والاصابة كانت: (1) في المقدمة (2) في الجهة اليمنى (3) في الجهة اليسرى؟
  • المهاجم أطلق النار باستخدام: (1) كلاشينكوف (2) ام 16 (3) مسدس؟
  • إذا أطلق النار من منطقة البيرة على سيارة في شارع قرب بيت ايل، أين تكون إصابة السيارة؟
    (1) الجهة اليمنى للسيارة (2) الجهة المقابلة للبيرة (3) في الزجاج الأمامي
  • ما هو لون السيارة التي أطلق النار عليها؟ (1) احمر (2) أبيض (3) أزرق
  • خارطة فيها 3 خيارات، ما هي الطريق الأمثل لانسحاب منفذ إطلاق النار؟ (1) باتجاه البيوت القريبة (2) باتجاه الجبل (3) باتجاه الشارع الرئيسي.
  • إذا كان هناك شخص يريد إطلاق النار وهو في المنطقة الفلانية "صورة للمنطقة" ماذا يختار المكان الأنسب؟ (1) قرب سور (2) قرب شجرة (3) قرب تلة
  • الشخص الذي أطلق النار في المنطقة الفلانية في شهر 12/2019على آليه عسكرية أطلق: (1) 10 رصاصات (2) 20 رصاصة (3) 30 رصاصة.
  • هل سمعت عن عملية حدثت قرب بيت ايل؟ هل العملية نفذها: (1) شخص (2) شخصين (3) 3 أشخاص

 

 



[1] في الملحق رقم (1): الأسئلة التي طُرحت على المعتقلين ووثقتها مؤسسة الضمير.

[2] د. سماح جبر هي طبيبة ومعالجة نفسية، تشغل منصب رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية.

[3] مقابلة مع د. سماح جبر، بتاريخ 7/9/2020.

[4] مرجع سابق.