العام الأكثر دموية في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة
54 أسيراً ومعتقلا استشهدوا في سجون ومعسكرات الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة وهم فقط المعلن عن هوياتهممن بينهم (43) خلال العام 2024
-يواصل الاحتلال إخفاء هويات عشرات الشهداء من غزة
يواصل الاحتلال الإسرائيليّ حرب الإبادة الجماعية بحقّ شعبنا في غزة منذ أكثر من 450 يوماً، ويرافق ذلك عدوانا شاملاً على كافة الجغرافيات الفلسطينية دون استثناء، لتشكّل هذه المرحلة محطة مؤسسة وجديدة في تاريخ جرائم الاحتلال المتواصلة منذ عقود، ولتكون شاهدة على أكثر الفترات دموية بحقّ شعبنا منذ ما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، حيث استعاد الاحتلال مستوى إجرامه الحقيقيّ الذي كان يمارسه بوتيرة مختلفة، وذلك على الرغم من حالة الامتداد لهذا التوحش ولكل ما نشهده اليوم، إلا أنّه لم يصل إلى مستوى هذا الإجرام الراهن حتى في أوج الانتفاضتين والهبات الشعبية التي شهدتها فلسطين، وبتعبير آخر فإن كل ما نشهده اليوم هو ثابت وممنهج، إلا أنّ المتغير الأساسي في هذه الحرب، هو كثافة هذه الجرائم التي لم يعد لها سقف ولا حدود، والتي تهدف فقط لمحو الوجود الفلسطيني بأدق تفاصيله، كامتداد لهدف الاحتلال المستمر منذ عقود طويلة.
وشكّلت قضية الأسرى وجهاً آخر من أوجه الإبادة، نتيجة لمستوى الجرائم –غير المسبوقة- التي رصدناها ووثقناها منذ بدء حرب الإبادة كمؤسسات مختصة، وهي كذلك تشكّل أساسا لجرائم انتهجها الاحتلال بحقّ الأسرى على مدار عقود طويلة، إلى جانب محاولته المستمرة الانقضاض على ما تبقى للأسرى من حقوق، وبقي الأسرى طوال العقود الماضية في حالة مواجهة دائمة ومتواصلة من أجل الحفاظ على أدنى شروط الحياة الاعتقالية التي تمكنوا من فرضها بالنضال وخوض العديد من الإضرابات والمعارك واستشهد خلالها أسرى.
وقد عمل الاحتلال على استغلال تاريخ السابع من أكتوبر، لممارسة صورته الوحشية الحقيقية، ومارس كل أشكال وأساليب الجرائم التي شكل الهدف الأساسي منها، قتلهم، وإعدامهم، وقد ارتقى العشرات من الأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاحتلال بعد هذا التاريخ، ليشكّل أعداد الشهداء في هذه المرحلة الأعلى تاريخيا منذ عام 1967، وقد أعلنت المؤسسات عن هويات(54) شهيداً من الأسرى منذ بدء حرب الإبادة منهم (35) شهيداً من معتقلي غزة منذ بدء حرب الإبادة، فيما بلغ عدد الشهداء الأسرى والمعتقلين خلال عام 2024 (43) وهم فقط المعلومة هوياتهم، ليكون هذا العدد من الشهداء الأسرى والمعتقلين هو الأعلى تاريخياً منذ عام 1967 استنادا للتوثيق المتوفر لدى المؤسسات الحقوقية، هذا إلى جانب الإعدامات الميدانية التي نفّذت بحقّ العديد من المعتقلين في الضّفة وغزة، ويواصل الاحتلال احتجاز جثامين (63) أسيراً ومعتقلا قبل وبعد الحرب، منهم (52) بعد الحرب.
وشكّلت جرائم التّعذيب بكافة مستوياتها، وجريمة التّجويع، والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسية منها الاغتصاب، الأسباب الأساسية التي أدت إلى استشهاد أسرى ومعتقلين بوتيرة أعلى مقارنة مع أي فترة زمنية أخرى، وذلك استناداً لعمليات الرصد والتوثيق التاريخية المتوفرة لدى المؤسسات.
وعكست الشهادات والإفادات من الأسرى داخل سجون الاحتلال التي نقلتها الطواقم القانونية والشهادات التي جرى توثيقها من المفرج عنهم، مستوى صادم ومروع لأساليب التّعذيب الممنهجة، تحديداً في روايات معتقلي غزة، وتضمنت هذه الشهادات إلى جانب عمليات التّعذيب، أساليب الإذلال – غير المسبوقة- لامتهان الكرامة الإنسانية، والضرب المبرح والمتكرر، والحرمان من أدنى شروط الحياة الاعتقالية اللازمة، وارتقت بعض الجرائم، إلى كونها جرائم حرب في ضوء سياق الإبادة الجماعية، ونجد أنّ الاحتلال عمل على مأسسة جرائم بأدوات وأساليب معينة، تتطلب من المنظومة الحقوقية الدولية النظر إليها كمرحلة جديدة تهدد الإنسانية جمعاء وليس الفلسطيني فحسب، وهذا ما ينطبق أيضا على قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وهنا نشير إلى أنّ حكومة الاحتلال المتطرفة حكومة المستوطنين، كانت قد صعدت من حملاتها التحريضية واستهداف الأسرى منذ ما قبل حرب الإبادة وكان من الواضح أنها في سياق التصعيد إجرامها ضد الأسرى من خلالعمليات القمع ومحاولتها سلب الأسرى ما تبقى لهم من حقوق وكانت المرحلة التي سبقت حرب الإبادة، مقدمة لنوايا حكومة المستوطنين التي دعت لإعدام الأسرى عبر وزيرها الفاشي المتطرف (بن غفير) والذي شكل عنوانا يمثل منظومة الاحتلال الإسرائيلي برمتها، التي عملت على التحريض على الأسرى لقتلهم وإطلاق النار على رؤوسهم لحل مشكلة الاكتظاظ في السّجون، وهذه الدعوة هي عنوان المرحلة التي يعيشها الأسرى فعليا في ظل وجود حكومة مستوطنين تنفذ إبادة على مرأى من العالم وبدعم من قوى دولية واضحة.
هذه مقدمة لأبرز التّحولات والملاحظات التي شهدنها في هذه المرحلة والتي لا تزال مستمرة، حتى بمستوى الشهادات التي نتلقاها عن الجرائم المتواصلة بحقّ الأسرى والمعتقلين، وتستعرض المؤسسات المختصة (هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان عبر تقرير حصاد للعام 2024 ولمرحلة التي تلت حرب الإبادة، أبرز ملامح المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة، ومستوى التوحش الذي مارسته منظومة الاحتلال بحقّ المعتقلين والأسرى منذ لحظة الاعتقال وسياق عمليات الاعتقال الممنهجة، مرورا بالتحقيق، ولاحقا في السجون والمعسكرات.
مرفق أبرز المعطيات عن حملات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة وأعداد الأسرى الفلسطينيين حتى نهاية عام 2024
بلغت حصيلة حملات الاعتقال خلال عام 2024 أكثر من(8800) فيما بلغ عدد حالات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة نحو (14) ألف و300 حالة اعتقال في الضّفة بما فيها القدس
هذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال في غزة والتي تقدر بالآلاف
•النّساء: بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النّساء خلال عام 2024، (266) فيما بلغ عددها منذ بدء حرب الإبادة أكثر من (450) (تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النّساء اللواتي من غزة وجرى اعتقالهنّ من الضّفة) ، لا يشمل هذا المعطى أعداد النّساء اللواتي اعتقلن من غزة، ويقدر عددهن بالعشرات.
•الأطفال: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في الضّفة، خلال عام 2024 ما لا يقل عن (700)، فيما بلغ عددهم منذ بدء حرب الإبادة (1055) بحسب عمليات الرصد والتوثيق.
•الصحفيين: بلغ عدد حالات الاعتقال والاحتجاز بين صفوف الصحفيين منذ بدء حرب الإبادة صحفياً/ة (145) وهي تشمل الصحفيين من الضّفة وغزة.
الأطباء: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الكوادر الطبيّة ما لا يقل عن (320) بشكل أساس في غزة إضافة إلى الضفة.
•وبلغت عدد أوامر الاعتقال الإداريّ منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من عشرة آلاف أمر ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء.
•يرافق حملات الاعتقالات المستمرة، جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها: عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التّخريب والتّدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البُنى التّحتية تحديدًا في مخيمات طولكرم، وجنين ومخيمها، وهدم منازل تعود لعائلات أسرى، واستخدام أفراد من عائلاتهم كرهائن، إضافة إلى استخدام معتقلين دروعاً بشرية.
•تشمل حصيلة حملات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة، كل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن اُحتجزوا كرهائن.
•إلى جانب حملات الاعتقال هذه، فإنّ قوات الاحتلال نفّذت إعدامات ميدانية، منهم أفرادًا من عائلات المعتقلين.
•يُشار إلى أنّ المعطيات المتعلقة بحالات الاعتقال في الضّفة، تشمل من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، ومن تم الإفراج عنهم لاحقًا.
•سُجلت أعلى حالات اعتقال في محافظتي القدس والخليل.
هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة جراء جريمة الإخفاء القسري التي فرضها الاحتلال على معتقلي غزة، إلا أنّ الاحتلال كان قد اعترف أنه اعتقل أكثر من مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم لاحقا، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال اعتقل آلاف من العمال من غزة الذين تواجدوا في الأراضي المحتلة عام 1948 بهدف العمل بعد حصلوا على تصريح بالدخول، كذلك اعتقل المئات من عمال غزة في الضّفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضّفة بهدف العلاج، ومؤخرا نفّذ الاحتلال خلال الشهرين الماضيين حملات اعتقال في شمال غزة، طالت أكثر من ألف حالة اعتقال.
إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال حتى شهر كانون الأول/ديسمبر 2024.
-ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال أكثر من عشرة آلاف و300 وذلك حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2024، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين (3428) من بينهم (100) طفل على الأقل، و(22) أسيرة، كما ويبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة (بالمقاتلين غير شرعيين) الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال (1772)، علما أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
-ويبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهنّ (89) أسيرة، من بينهن أربع أسيرات من غزة معلومة هوياتهن وهن في سجن (الدامون)، فيما يبلغ عدد المعتقلات إدارياً (22)، علما أن عدد الأسيرات المذكور لا يشمل كافة الأسيرات من غزة، قد يكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال.
-ويبلغ عدد الأطفال ما لا يقل عن (300) طفل موزعين على سجون (مجدو، عوفر، والدامون) ، وهذا العدد لا يشمل أطفال غزة الذين يقدروا بالعشرات.
قبل السابع من أكتوبر، بلغ عدد إجمالي الأسرى في السجون أكثر من (5250)، وعدد الأسيرات (40)، فيما بلغ عدد الأطفال في السجون (170)، وعدد الإداريين نحو (1320).
ملاحظة: المعطيات المتعلقة بحالات الاعتقال متغيرة بشكل يومي، نتيجة لحملات الاعتقال المتواصلة، وهي تشمل من اعتقل وأبقى الاحتلال على اعتقاله، ومن أفرج عنه لاحقا.
عمليات الاعتقال في الضفة وغزة: جرائم –غير مسبوقة- بمستواها وكثافتها بحقّ المعتقلين وعائلاتهم
وثقّت مؤسسات الأسرى العشرات من شهادات لمعتقلين جرى الإفراج عنهم منذ بدء حرب الإبادة، وكذلك عائلات المعتقلين، وشهادات حصلت عليها المؤسسات عبر الطواقم القانونية التي تمكّنت من إجراء زيارات للمئات من الأسرى داخل السجون، والتي عكست مستوى عالياً من جرائم التّعذيب الممنهجة بكافة مستوياتها.
ومن ضمن ما عكسته شهادات المعتقلين الذين اعتقلوا خلال هذه المرحلة وكذلك عائلاتهم: تهديدهم بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر، والضرب المبرّح، والتّحقيق الميدانيّ معهم، والتّهديد بالاغتصاب، واستخدام الكلاب البوليسية، واستخدام المواطنين كدروع بشرية ورهائن، واستخدام القيود كأداة للتنكيل، عدا عن عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحقّ المواطنين خلال حملات الاعتقال منهم أشقاء لمعتقلين، وغيرها من الجرائم والانتهاكات الوحشية، وعمليات التّخريب الواسعة التي طالت المنازل، ومصادرة مقتنيات وسيارات، وأموال، ومصاغ ذهب وأجهزة الكترونية، إلى جانب هدم وتفجير منازل تعود لأسرى في سجون الاحتلال.
وأدت هذه الاعتداءات، والجرائم الممنهجة إلى إصابة العديد من المعتقلين، وأفراد من عائلاتهم، بإصابات جسدية مختلفة، وتعمد الاحتلال بعد اعتقالهم بتركهم دون علاج، وعكست شهادات العائلات العديد من الأعراض النّفسية التي ظهرت على أفراد من العائلة، ومنهم الأطفال جرّاء عمليات الاقتحام الوحشية التي جرت لمنازل المواطنين.
وفي إطار هذه الجرائم، تابعنا، قيام جنود الاحتلال بتصوير فيديوهات للمواطنين الذين يتم اعتقالهم، وكان من بينهم فيديوهات ظهر فيها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، يقومون بتعذيب المواطنين المدنيين العزل في ظروف حاطه بالكرامة الإنسانية، بعد تجريدهم من ملابسهم، إلى جانب فيديوهات يقوم فيها جنود الاحتلال بتصوير مواطنين فلسطينيين بعد اعتقالهم وهم في ظروف مهينة، والتّعمد بوضع علم الاحتلال على المعتقلين وهم معصوبو الأعين، ومقيدون.
وعلى صعيد عمليات الاعتقال في غزة، فقد شكّلت هذه العمليات أحد أوجه حرب الإبادة، باعتقال آلاف المدنيين إلى جانب عمليات الإعدام الميداني، وقد انتشرت صوراً للمئات من المدنيين، الذين جرى اعتقالهم من مناطق مختلفة من القطاع، وهم عرّاة، ومكدّسين بأعداد كبيرة في أماكن مفتوحة، وفي الشوارع، وفي ناقلات تابعة لجيش الاحتلال، وقد ظهروا في ظروف حاطه بالكرامة الإنسانية ومذّلة.
وقد عمل الاحتلال على استحداث معسكرات خاصّة لاحتجاز معتقلي غزةوالضفة، مع تصاعد أعداد المعتقلين، إلى جانب السّجون المركزية، وكان من أبرزهم معسكر (سديه تيمان) الذي شكل العنوان الأبرز لجرائم التعذيب، إضافة إلى معسكر (عناتوت) ومعسكر (عوفر)، ومعسكر (نفتالي)، ومعسكر (منشة) وهي معسكرات تابعة لإدارة جيش الاحتلال، وهي فقط المعسكرات التي تمكنت المؤسسات من رصدها وقد يكون هناك سجون ومعسكرات سرّية.
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 مع بدء الاحتلال بالإفراج عن عمال احتجزوا في معسكرات تابعة للجيش، بدأ الأسرى المفرج عنهم بالكشف عن الظروف اللاإنسانية والمذّلة التي تعرضوا لها، إلى جانب الاعتداءات المتكررة عليهم، وممارسة سياسة التّجويع والتّعطيش، إلى جانب حرمانهم من العلاج، وممارسة أساليب وحشية بحقّهم، ومنها إبقائهم معصوبي الأعين ومقيدين على مدار الوقت.
ولاحقاً مع بدء عمليات الإفراج عن مزيد من الأسرى والمعتقلين غزة، كشفت شهاداتهم عن جرائم مروّعة وصادمة نفّذت بحقهم، وأبرزها جرائم التّعذيب والإذلال، إلى جانب الاعتداءات الجنسيّة ومنها عمليات اغتصاب، وشكّلت الصور الأولى للمعتقلين المفرج عنهم شهادات حيّة للجرائم التي نفّذت بحقّهم، وتوالت عمليات الكشف عن هذه الجرائم عبر عدة تقارير وتحقيقات صحفيّة جرت حول معسكر (سديه تيمان)، حول الظروف اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون في المعسكر، وكان أبرزها تسريب فيديو يظهر قيام جنود جيش الاحتلال باغتصاب أحد معتقلي غزة في معسكر (سديه تيمان).
كيف ساهمت تعديلات الأوامر العسكرية والتعديلات القانونية التي أجراها الاحتلال على توسيع دائرة الاعتقال وترسيخ جرائم التّعذيب وجريمة الإخفاء القسري
من أجل منح قوات الاحتلال تنفيذ وتوسيع نطاق حملات الاعتقال، عمل الاحتلال على تطويع القانون، من خلال تعديلات تمت على الأوامر العسكرية في الضّفة، لضمان تسهيل عمل المحاكم العسكرية التابعة للاحتلال.
وقد أجرى ما يسمى بالقائد العسكري للأراضي المحتلة تعديلات على الأوامر العسكرية لضمان تسهيل عمل المحاكم العسكرية، كما أدخلت تعديلات قانونية على ما يسمى بقانون "المقاتل غير الشرعي" الذي فرضه الاحتلال على معتقلي غزة، وهو أشبه بقانون الاعتقال الإداريّ، وقد ساهمت هذه التّعديلاتفي الضّفة بزيادة مستوى حملات الاعتقال، وتنفيذ المزيد من الجرائم بحقّ المعتقلين، أما على صعيد معتقلي غزة، فقد رسخت التعديلات التي جرت على قانون المقاتل غير الشرعي، جريمة (الاخفاء القسري).
هذا عدا عن العشرات من مشاريع القوانين والقوانين، الذي سعى الاحتلال على إقرارها، والمصادقة عليها، والتي شكّلت محوراً مركزياً في المساس بمصير الأسرى وظروف اعتقالهم، وهي تشكل امتداد لمسار طويل من المشاريع العنصرية التي عمل الاحتلال على إقرارها وتحديدا في السنوات القليلة الماضية.
معتقلو غزة في مواجهة قانون ما يسمى (بالمقاتل غير الشرعي)وجريمة الإخفاء القسري
منذ بداية العدوان الشامل والإبادة الجماعية في غزة، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ جريمة (الإخفاء القسري) والتي تشكّل جريمة ضد الإنسانية بموجب (اتفاقية حماية ضحايا جريمة الاختفاء القسري)، والتي تعرف الاختفاء القسري بأنه: ""الاعتقال أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن، أو دعم من الدّولة، أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان شخص من حرّيته، أو إخفاء مصير الشخص المخفيّ، أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون"، فقد استخدمت دولة الاحتلال جملة من الأدوات لترسيخها، وذلك من خلال تطويع القانون بفرض تعديلات على ما يسمى بقانون (المقاتل غير الشرعي) كما ذكرنا أعلاه، وكذلك منع اللجنة الدّولية للصليب الأحمر من زيارتهم، وعدم الإفصاح عن أعدادهم وأماكن احتجازهم، وظروف اعتقالهم، أو أي شيء يتعلق بمصيرهم، وتعمدالاحتلال بالتعامل معهم كأرقام، على غرار ما استخدمته النازية في سجونها.
وسعت مجموعة من المؤسسات الحقوقية إلى تقديم عدة التماسات لمحكمة العليا للاحتلال، لكسر جريمة الإخفاء القسري، وفي كل مرة كانت تثبت المحكمة العليا ما أثبتته على مدار عقود طويلة أنها ذراع أساسي لترسيخ الجرائم بحقّ الفلسطينيين، وأداة سياسية مركزية لدولة الاحتلال.
فمنذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحقّ شعبنا في غزة وتصاعد حملات الاعتقال -غير المسبوقة- اعتقل الاحتلال الآلاف من المدنيين من مختلف أنحاء غزة خلال الاجتياح البري، منهم عشرات النساء، والأطفال، والطواقم الطبيّة التي استهدفت بشكل بارز مع استهداف المستشفيات الفلسطينية، والتي شكّلت هدفا من أهداف الإبادة.
يواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحق المعتقلين، ويرفض الإفصاح -بشكل كامل- عن هوياتهم وأماكن احتجازهم، كما ويرفض حتّى اليوم السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم، وقد تعمد الاحتلال حرمان أسرى غزة الذين انتهت محكومياتهم من الإفراج عنهم، ورصدت عدة حالات، كما وشكّلت روايات وشهادات معتقلي غزة، تحولا بارزا في مستوى توحش منظومة الاحتلال والتي عكست مستوى -غير مسبوق- لجرائم التّعذيب، وعمليات التّنكيل، وجريمة التّجويع، بالإضافة إلى الجرائم الطبيّة الممنهجة، والتي أدت بمجملها إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، هذا عدا عن عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحق آخرين، علماً أنّ المؤسسات المختصة أعلنت فقط عن (35) شهيداً من معتقلي غزة، وهم من بين (54) معتقلا وأسيرا استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة وهم فقط المعلومة هوياتهم، فيما يواصل الاحتلال إخفاء بقية أسماء معتقلين استشهدوا في المعسكرات والسجون.
وماتزال آلاف العائلات لا تعلم أي شيء عن مصير أبنائها المعتقلين، خاصة أنّ الاحتلال عمل منذ بدء الحرب على تطويع قوانين لترسيخ هذه الجرائم ومنذ عدة شهور، تبذل عدد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، ومن المؤسسات في الأراضي المحتلة عام 1948، جهودا في ضوء بعض التعديلات القانونية التي طرأت على اللوائح الخاصة بمعتقلي غزة، من أجل معرفة أماكن احتجازهم، والسعي لاحقًا من أجل زيارتهم، إلا أنّ تلك المحاولات تتم تحت قيود مشددة،وصعوبات كبيرة.
وفي ضوء ذلك تمكّن عدد من المحامين من إتمام زيارات للعشرات من معتقلي غزة كان من بينهم زيارات لمعسكر (سديه تيمان) الذي شكّل عنوانا بارزا لجرائم التّعذيب، والجرائم الطبيّة، إضافة إلى ما حملته روايات وشهادات معتقلين وآخرين مفرج عنهم عن عمليات اغتصابات واعتداءات جنسية فيه، وقد جاءت هذه الزيارات بعد عدد من التّقارير والتّحقيقات الصحفية التي كشفت جانبا عن عمليات التّعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في معسكر (سديه تيمان)، مع العلم أنّ هذا المعسكر ليس المكان الوحيد الذي يحتجز فيه معتقلو غزة، فالاحتلال وزّعهم على عدة سجون مركزية، ونفذ بحقهم عمليات تعذيب ممنهجة، توازي عمليات التعذيب في معسكر (سديه تيمان)، منهم سجني (النقب وعوفر).
الاعتقال الإداري القضية الأبرز التي فرضت تحولات على أعداد الأسرى
يُشكّل عدد المعتقلين الإداريين على خلفية ما يسمى (بالملف السرّي) 33% من إجمالي الأسرى حتى نهاية 2024
شكّلت قضية المعتقلين الإداريين التّحول الأبرز إلى جانب جملة الجرائم الممنهجة التي نفّذها الاحتلال بعد تاريخ السابع من أكتوبر، وقد تصاعد أعداد المعتقلين الإداريين ليكون الأعلى تاريخيا، فقد وصل عدد المعتقلين الإداريين حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر 2024، (3428) من بينهم ما لا يقل عن (100) طفل، و(22) أسيرة، مع العلم أنّ عدد المعتقلين الإداريين قبل الحرب،بلغ نحو (1320) معتقل، وهذا التصاعد ترافق مع قدوم حكومة المستوطنين المتطرفة، أي قبل بدء حرب الإبادة.
وبالعودة إلى السياق التاريخي لجريمة الاعتقال الإداري، نؤكد أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية استخدمت سياسة الاعتقال الإداري التعسفي بحق الفلسطينيين، وعلى مدار كل تلك الأعوام اعتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين تحت الاعتقال الإداري. ويتيح الاعتقال الإداري اعتقال الفلسطينيين دون تقديم تهمًا أو محاكمة استنادًا على ما تسميه "بالملف السري"، ولا يسمح للمعتقل أو محاميه الاطلاع على الملف، وحسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية فإنه يمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور غالبًا ما يتم تجديدها، ويطال الاعتقال الإداري كافة شرائح وفئات الشعب الفلسطيني من طلبة الجامعات، وصحفيين، ونساء، ونواب سابقين في المجلس التشريعي، ونشطاء حقوق إنسان، وعمال، ومحامين، وأمهات،ومعتقلين سابقين.
وتتزايد حالات الاعتقال الإداري تحديدًا في فترات الهبات والانتفاضات في الأراضي المحتلة، حيث تلجأ سلطات الاحتلال لاستخدام سياسة الاعتقال الإداري كأداة للقمع والسيطرة وترهيب الفلسطينيين، ولا تقتصر سلطات الاحتلال على إصدار أوامر اعتقال إداري جديدة بل في معظم الأحيان تقوم بتجديد أوامر الاعتقال بحق المعتقلين الذين ينهون أوامر اعتقالهم أثناء الهبات والانتفاضات، فخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" وصل عدد المعتقلين إدارياً في العام 1989 إلى ما يزيد على (1,700) معتقل، أما في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتحديدا في عام 2003، فقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين نحو (1140)، ومنذ بدء حرب الإبادة، لجأت سلطات الاحتلال لشن حملات اعتقالات واسعة لا زالت مستمرة طالت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس، حيث جرى تحويل غالبيتهم إلى الاعتقال الإداري.
اعتقال المئات على خلفية حرية الرأي والتعبير على منصات التواصل الاجتماعي تحت ادعاء ما يسميه الاحتلال (بالتحريض)
في إطار حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قمعية رئيسية تُستخدم لتبرير حملات الاعتقال الواسعة التي تطال مختلف فئات المجتمع الفلسطيني. يُوظّف الاحتلال المراقبة الرقمية المتطورة لتتبع المنشورات الفلسطينية، التي غالبًا ما تتضمن توثيقًا للانتهاكات أو تعبيرًا عن الغضب الشعبي، ويُعيد تأويلها كأدلة "تحريضية" تحت ذريعة الحفاظ على الأمن. هذه الممارسات تُشكل غطاءً قانونيًا زائفًا لاعتقال أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى استهداف حرية الرأي والتعبير، فهم جميعا معتقلو رأي.
وتُظهر الإحصائيات أن الاحتلال كثّف من هذه الاعتقالات مع تصاعد العدوان الأخير التي طالت المئات، حيث أصبحت "تهمة التحريض عبر وسائل التواصل" ذريعة شائعة لاستهداف النشطاء والشباب وحتى الأطفال. هذه السياسة ليست مجرد أداة للقمع الفردي، بل تُعتبر جزءًا من حرب شاملة تهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني، ومنع فضح الجرائم التي تُرتكب يوميًا بحق المدنيين في الأراضي المحتلة.
في ظل هذه الحرب، يتحول اعتقال الفلسطينيين بسبب منشوراتهم إلى وسيلة إضافية لإرهاب المجتمع، حيث يعاني المعتقلون من محاكمات عسكرية غير عادلة، وغالبًا ما يتم احتجازهم إداريًا لفترات طويلة دون محاكمة. يُضاف إلى ذلك أن الاحتلال يستغل هذه السياسة لتبرير حملات اعتقال جماعية، تشمل اعتقال النساء والأطفال والشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل للتعبير عن معاناتهم أو دعم المقاومة. وبهذا، تُصبح وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُعد فضاءً حرًا عالميًا، ساحة أخرى تخضع لسيطرة الاحتلال، تُوظف ضمن منظومة الإبادة الجماعية التي تستهدف الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة.
السجون والمعسكرات الإسرائيلية تحوّلت إلى ساحات للتعذيب
جرائم مروعة وصادمة نفذتها منظومة السّجون بحقّ الأسرى والمعتقلين أدت لاستشهاد العشرات من الأسرى
مع بداية حرب الإبادة، بدأت سلطات الاحتلال وإدارة سجونها، بتضييق الخناق والانتقام من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، واستخدمت كل أدوات السلب والحرمان وحوّلت كل شيء في السّجن إلى أداة للتعذيب والتنكيل، وفعليا وفي ضوء مئات من الشهادات التي حصلت عليها المؤسسات المختصة، فإن السّجون والمعسكرات الإسرائيلية تحوّلت إلى ساحات للتعذيب، ومع أنّ جريمة التعذيب ليس سابقة في سجون ومعسكرات الاحتلال إلى أنّ ما يجري منذ بدء حرب الإبادة يفوق القدرة على تصوره داخل السّجون، والتي أدت إلى استشهاد العشرات من الأسرى لتشكل هذه المرحلة، المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة منذ عام 1967.
وعملت منظومة السّجون على استكمال تحقيق أهدافها في تصفية المزيد من الأسرى، وقتلهم بشكل ممنهج، ومحاولة سلبهم إنسانيتهم، وتجريدهم من أي حقّ، وفعلياً إن هذه الأهداف سعت لها منظومة السّجون المتوحشة منذ ما قبل الحرب، والعديد مما جرى تنفيذه من إجراءات وجرائم ممنهجة كانت منظومة السّجون تلوح به منذ عقود طويلة، فعمليات القمع التي نفذتها وحدات من جيش الاحتلال المدججة بالسلاح، كانت الصورة الأبرز التي تعكس واقع ما عاشه ويعيشه الأسرى والمعتقلين، حتّى أن منظومة السّجون وبقيادة الوزير المتطرف (بن غفير) كانت قد سرّبت فيديوهات لعمليات تنكيل الأسرى، التي تفاخرت بها منظومة الاحتلال وحرضت على تنفيذ المزيد من التوحش بحقّ الأسرى والمعتقلين، ولم يعد هناك سقف للتوقع لمستوى التوحش الذي يمكن أن تمارسه منظومة السّجون، فغالبية الأسرى والمعتقلين الذين ارتقوا بعد الحرب، ارتقوا نتيجة لجرائم التعذيب والتجويع، والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسية التي شكلت التّحول الأبرز في شكل الجرائم ومستواها بعد الحرب، والتعمد في نشر الأوبئة بين صفوف الأسرى كان أبرزها نشر مرض الجرب، عبر توفير كل الظروف التي كانت المسبب لانتشاره بشكل واسع بين الأسرى، وحوّلته منظومة السّجون فعليا إلى أداة للتعذيب والتنكيل.
ومن خلال مئات الشهادات فقد استخدمت قوات القمع عمليات الضرب الجماعي والمبرح كما أسماها الأسرى (حفلات الضرب) في ساحات السّجون، وداخل الزنازين، واستخدمت بحقهم كافة أنواع الأسلحة حتى أنهم تحدثوا عن أشكال جديدة من الأسلحة لم يراها الأسرى من قبل، وحوّلوا كل حيز في السّجن إلى أداة للتعذيب، وحتى الإجراءات اليومية التي كانت جزءا من بينة السّجن، نموذجا على ذلك ما يسمى بإجراءات العدد أو الفحص الأمني، الذي تحوّل إلى محطة للاستفراد بالأسرى وضربهم، ونذكر هنا قضية الشهيد ثائر أبو عصب الذي عمل الاحتلال على تصفيته جرّاء الضرب المبرح، بحسب عدة شهادات حصلت عليها المؤسسات الحقوقية، كما جرى مع الشهيد عبد الرحمن مرعي، وآخرون.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد صعّدت من جرائمها الطبيّة الممنهجة لقتل الأسرى، وتسببت بإصابة آلاف الأسرى بأمراض مختلفة، فلا يمكن أن يخرج أسير من السجن دون أن يكون قد حمل معه مرض جسدي أو نفسي، وقد عملت المؤسسات منذ تصاعد هذه الجريمة على إخضاع الأسرى المفرج عنهم إلى فحوص طبية ضمن بروتوكول محدد، ساهم بالكشف عن مستوى الجرائم الطبيّة الممنهجة بحقّ الأسرى والمعتقلين، كما وساهمت جريمة التجويع بحقّ الأسرى إلى تفاقم أوضاعهم الصحيّة، وضعف مناعتهم، وتحديدا المرضى منهم وكبار السّن والأطفال وبعض الأسيرات اللواتي اعتقلن وهن حوامل، واليوم يواجه آلاف الأسرى والمعتقلين حرمان من العلاج، ومن يتوفر له الحد الأدنى يكون عبر متابعة قانونية جلّها مليئة بالصعوبات والعقبات والتحديات حتى تتمكن المؤسسة الحقوقية أو الطاقم القانوني من فرض الحد الأدنى من المتابعة الصحية من قبل منظومة السّجون، ونذكر هنا قضية الشهيد وليد دقة، وسميح عليوي، والشهيد أحمد الصبار، وعرفات حمدان وغيرهم من الأسرى الذين ارتقوا جراء الجرائم الطبيّة وجريمة التجويع.
كما وساهم حرمان الأسرى من التهوية ومن التدفئة ومن التعرض للضوء من انتشار الأمراض بينهم، خاصة في ظل حالة الاكتظاظ -غير المسبوقة- داخل الزنازين، فقبل الحرب كانت كل زنزانة تتسع بحسب عدد الأسرّة- الأبراش إلى 6 أسرى، وذلك بحسب قانون المساحة، إلا أنّه وبعد الحرب ونتيجة لحالة الاكتظاظ فإن عدد الأسرى داخل الزنزانة يصل في الحد الأدنى إلى عشرة، وهذا الواقع يختلف ما بين السّجون والمعسكرات بحسب بنية السّجن أو المعسكر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى قضايا برزت كأدوات تعذيب منها استخدام القيود أداة لتعذيب الأسرى والمعتقلين، والتي كانت سببا في بتر أطراف لمعتقلي من غزة، الذين واجهوا عمليات التكبيل على مدار شهور طويلة وبشكل متواصل، كما واستخدمت منظومة السّجون البرد القارس وحتى ارتفاع درجات الحرارة إلى أداة للتعذيب من خلال حرمانهم من الأغطية والملابس، وكذلك حرمانهم من أي أدوات للتهوية في الصيف، ونشير هنا إلى أن بعض الجهود القانونية ما تزال متواصلة للضغط على منظومة السجون بتوفير الملابس للأسرى والأغطية في ظل أجواء البرد القارس، الذي ساهم كذلك بإصابة الأسرى بالعديد من الأمراض.
وقد شكّلت الاعتداءات الجنسية إحدى أبرز الجرائم التي نفّذتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ الأسرى والأسيرات، والتي تضمنت الاغتصاب، والتّحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التّهديد بالاغتصاب، وعدا عن إعلان الأمم المتحدة الواضح والذي صدر في شهر فبراير الماضي، عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب، فإن شهادات أخرى لمعتقلين، وأسرى أكدت تعرضهم لاعتداءات جنسية ومنها اغتصابات.
وقد تصاعد الحديث عن الاعتداءات الجنسية بعد أن تمكّن المحامون من تنفيذ زيارات لمعتقلين من غزة في معسكر (سديه تيمان) مؤخرًا، عدا عن إفادات وروايات لأسرى مفرج عنهم من غزة.
وإضافة إلى كل ما ذكر أعلاه، فإن سياسة العزل بمستوياتها المختلفة تخيم على السجون والمعسكرات، فعدا عن أن كافة الأسرى في عزل جماعي عن أي عملية تواصل مع العالم الخارجي بعد أن سحبت منظومة السّجون التلفاز والراديوهات ومنع عائلاتهم من الزيارة منذ بدء الحرب، فإن هناك العشرات من الأسرى في العزل الانفرادي، وتحديدا قيادات الحركة الأسيرة، والأسرى الذين شكلوا حالة فاعلة في السّجون على مدار عقود، فهم معزولون انفراديا في ظروف قاهرة وصعبة جدا، عدا عن الاعتداءات المتكررة التي طالت العديد منهم، وأصيبوا بسببها بإصابات مختلفة، وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ منظومة السجون جرّدت الصليب الأحمر الدولي من مهامه في قضية الأسرى، ومنعته من زيارتهم، كما وعملت على ابتكار العديد من الأساليب لعرقلة زيارات الطواقم القانونية.
وفي ضوء كل ما ذكر أعلاه كعناوين عامة فقط لتوحش يتعرض له الأسرى على مدار الساعة، فإنّنا كمؤسسات نؤكد بأن العناوين العامة لجرائم وإجراءات منظومة السّجون لم تعد كافية لتوصيف مستوى التوحش الذي وصلت له هذه المنظومة، كما ونؤكد بأن استمرار هذا المستوى من التوحش ستكون سببا في استشهاد المزيد من الأسرى والمعتقلين.
واقع الأسيرات في سجون الاحتلال والمعسكرات الإسرائيلية
شكّل هذا العام الأكثر دموية بحقّ النساء الفلسطينيات على مدار تاريخ سنوات الاحتلال، وذلك في ضوء العدوان الشامل والإبادة الجماعية المستمرة بحقّ شعبنا في غزة، هذا إلى جانب جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنّ لها، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني، والاعتقالات الممنهجة، وما رافقها كذلك من انتهاكات مروعة، منها اعتداءات جنسية، وشكّلت عمليات الاعتقال للنساء ومنهنّ القاصرات، أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء خلال عام 2024، (266)، فيما بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء منذ بدء حرب الإبادة أكثر من (450)، ويتضمن هذا المعطى النّساء اللواتي تعرضن للاعتقال في الضّفة بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، ونساء غزة اللواتي اعتقلن من الضفة، واللواتي استخدمهنّ الاحتلال رهائنا للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد النّساء اللواتي اعتقلنّ من غزة.
ويبلغ عدد الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال حتى نهاية عام 2024، والمعلومة هوياتهنّ (89) أسيرة، من بينهنّ أربع أسيرات من غزة، وهم فقط المعلومة هوياتهنّ، حيث تشير المعطيات المطلعة عليها المؤسسات أنّ الاحتلال يحتجز أسيرات من غزة في سجون أخرى وينفذ بحقهن جريمة الإخفاء القسري، دون معرفة أي بيانات خاصّة بهنّ، فمنذ بداية العدوان والإبادة الجماعية، ومع تنفيذ الاحتلال الاجتياح البري لغزة، نفّذ عمليات اعتقال واسعة لنساء من غزة منهنّ قاصرات ومسنّات، واحتجزهن في معسكراته، بالإضافة إلى سجن (الدامون).
وقد شكّلت سياسة استخدام النساء رهائنا، إحدى أبرز الجرائم التي تصاعدت بشكل كبير منذ بدء الحرب وشملت زوجات أسرى، وشهداء، وأمهات منهنّ مسنّات تجاوزنّ السبعين عامًا، مع الإشارة إلى أنّ هذه السّياسة كذلك طالت فئات أخرى، وليس فقط النّساء، وقد رافق عمليات احتجازهن رهائنا، تهديدات وصلت إلى حد قتل نجلها المستهدف أو زوجها، هذا عدا عن الاعتداءات التي تعرضنّ لها خلال عملية الاعتقال، إضافة إلى عمليات التّخريب التي طالت منازلهنّ، وترويع أطفالهنّ، وأبنائهنّ، ومصادرة أموالهنّ ومصاغ ذهب.
وإلى جانب هذه السياسة، برزت الاعتداءات الجنسية بمستوياتها المختلفة، والتي تضمنت التّحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التّهديد بالاغتصاب، هذا عدا عن إعلان الأمم المتحدة في شهر شباط 2024، في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب.
وشكّل سجن (هشارون) كمحطة مؤقتة لاحتجاز الأسيرات، قبل نقلهنّ إلى سجن (الدامون)، شاهدًا على عمليات التفتيش العاري، التي تعرضنّ لها غالبية الأسيرات وذلك بحسب عشرات الشّهادات التي وثقتها المؤسسات، عدا عن ظروف الاحتجاز المذلّة والمهينة التي تعرضنّ لها، والاعتداءات، ومنها اعتداءات بالضرب المبرّح.
ومع الإفراجات التي تمت للعشرات من أسيرات غزة، فقط نقلنّ شهادات قاسية عن عمليات اعتقالهنّ، ونقلهنّ إلى المعسكرات، وما تعرضنّ له من عمليات إذلال وتنكيل وحرمان من كافة حقوقهنّ، وتهديدهن بالاغتصاب، وإخضاعهنّ للتفتيش العاري المذل، وتعرضهنّ للتحرش، عدا عن الألفاظ النابية والشتائم التي تعمد جنود الاحتلال استخدامها بحقّهنّ، وإجبارهنّ على خلع الحجاب طول فترة الاحتجاز، بالإضافة لتعريتهنّ، وهنا نشير مجددًا إلى تقرير الأمم المتحدة التي أشار إلى تقارير موثوقة تتحدث عن تعرض معتقلتين من غزة للاغتصاب.
وتعاني الأسيرات اليوم، إلى جانب السياسات التي استعرضناها سابقًا، سياسة التّجويع التي مارستها إدارة السّجون منذ بدء الحرب، بحرمان الأسرى والأسيرات من الحصول على مواد غذائية إضافية من (الكانتينا) وتقديم لقيمات من الطعام لهم، إضافة إلى حرمانهنّ من العلاج، والذي يندرج في إطار الجرائم الطبيّة، كما وألقت حالة الاكتظاظ التي فرضتها إدارة السّجون، بثقلها على الأسيرات، الأمر الذي أدى إلى إفراز العديد من ظروف الاعتقال المأساوية داخل سجن (الدامون)، مما اضطرت العديد من الأسيرات النوم على الأرضحتى في البرد الشديد، هذا عدا عن النقص الحاد في الملابس، والأغطية والتي تعاظمت حدتها في ظل موجة البرد القاسية، فبعض الأسيرات بقيت في ملابسها التي اعتقلت فيها، ولم تتمكن من استبدالها، هذا إلى جانب استخدام سياسة العزل الانفرادي أداة مركزية للتنكيل بالأسيرات، كما يجري اليوم مع الحقوقية والناشطة وعضو المجلس التشريعي السابق خالدة جرار المعزولة انفراديا في سجن (نفي ترتيسيا)، منذ شهر آب/ أغسطس 2024 في ظروف قاسية وصعبة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى غالبية الأسيرات المعلومة هوياتهن، والمحتجزات في سجن (الدامون)، معتقلات إدارياً ويبلغ عددهن (22) معتقلة إدارياً، فيما أنّ الغالبية من بقية الأسيرات معتقلات على خلفية قضايا رأي وتعبير تحت ما يسميه الاحتلال (بالتحريض) على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ شهر أيلول / سبتمبر 2024، فإن الهجمة على الأسيرات تضاعفت بشكل ملحوظ، حيث أن كل ما ذكر أعلاه أخذ منحى تصاعدي، خاصة فيما يتعلق بمستوى عمليات القمع المتكررة والتفتيشات، وتنفيذ عمليات إذلال ممنهجة بحقّهن، إضافة إلى حصول المؤسسات على شهادات تشير إلى تصاعد وتيرة التفتيش العاري التي تشكل إحدى أبرز الاعتداءات الجنسية التي مارستها منظومة السّجون بحقّ الأسيرات، كما وضاعفت من سلب الأسيرات ما تبقى لهن من أي شيء إضافي كالملابس أو الأحذية.
واقع الأسرى الأطفال في سجون ومعسكرات الاحتلال
يواجه الأسرى الأطفال مرحلة هي الأكثر دموية بحقّهم في تاريخ قضيتنا، مع استمرار حرب الإبادة وعمليات المحو الممنهجة، والتي أدت إلى استشهاد الآلاف منهم، إلى جانب آلاف الجرحى، والآلاف ممن فقدوا أفرادا من عائلاتهم أو عائلاتهم بشكل كامل، وقد وصل مستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال بحقّ أطفالنا، إلى مستوى لا حدود له، وشكل الأطفال أحد أبرز أهداف حرب الإبادة المستمرة، لتشكل هذه المرحلة من التوحش، امتدادا لسياسة استهداف الأطفال الذي يمارسها الاحتلال منذ عقود طويلة، إلا أن المتغير اليوم، هو مستوى وكثافة عمليات المحو لأجيال كاملة.
وشهدت قضية الأسرى الأطفال تحولات هائلة منذ بدء حرب الإبادة، وتصاعد حملات الاعتقال بحقّهم، سواء في الضّفة بما فيها القدس، حيث سُجل عدد حالات الأطفال خلال عام 2024 ما لا يقل عن (700)، أما عدد حالات الأطفال منذ بدء حرب الإبادة بلغ (1055) على الأقل وهم فقط من الضفة بما فيها القدس، أما بشأن أعداد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال من غزة فلا تتوفر معطيات واضحة في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري. ويواصل الاحتلال اليوم اعتقال ما لا يقل عن (300) طفلاً تقل أعمارهم عن 18 عاماً في سجون(عوفر، ومجدو، والدامون) إلى جانب المعسكرات التابعة للجيش الاحتلال، ومنها معسكرات استحدثها الاحتلال بعد الحرب مع تصاعد عمليات الاعتقال التي طالت آلاف المواطنين، وهذا العدد لا يشمل أطفال غزة المعتقلين داخل السجون ويقدر عددهم بالعشرات.
وعلى مدار أكثر من (450) يوما على حرب الإبادة، تمكّنت الطواقم القانونية، من تنفيذ زيارات للعديد من الأطفال، رغم القيود المشددة التي تجرى فيها الزيارات، وخلالها تم جمع عشرات الإفادات من الأطفال التي عكست مستوى التوحش الذي يمارس بحقهم، فقد نفّذت بحقهم جرائم تعذيب ممنهجة، وعمليات سلب -غير مسبوقة، علماً أنّ الأعداد المذكورة لحالات الاعتقال بين صفوف الأطفال، ليست المؤشر الوحيد لقراءة التّحولات التي رافقت سياسة عمليات الاعتقال للأطفال، فهذا العدد لحجم الاعتقالات في الضّفة واجهناه سابقاً، وكان هناك عدة مراحل تصاعدت فيها عمليات اعتقال الأطفال بشكل كبير، ويمكن الإشارة هنا إلى المرحلة التي تلت الهبة الشعبية، إلا أنّ هذا المعطى يعكس بشكل أساس مستوى تصاعد الجرائم والانتهاكات الممنهجة بحقّهم.
وأبرز هذه الجرائم: تعرضهم للضرب المبرح، والتهديدات بمختلف مستوياتها، حيث تشير الإحصاءات والشهادات الموثّقة للمعتقلين الأطفال؛ إلى أنّ غالبية الأطفال الذين تم اعتقالهم تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التّعذيب الجسدي والنّفسيّ، عبر جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة المنافية للقوانين، والأعراف الدولية، والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطّفل. هذا إلى جانب عمليات الإعدام الميداني التي رافقت حملات الاعتقال، وكان من بينها إطلاق الرصاص بشكل مباشر، ومتعمد على الأطفال، عدا عن توثيق لعدد من الحالات خلالها استخدم الاحتلال الأطفال رهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه، وكانت أبرز هذه الحالات احتجاز طفل من بلدة بيت لقيا في رام الله، عمره ثلاث سنوات، لساعة ونصف، ثم أطلق سراحه، وقام والده بتسليم نفسه لقوات الاحتلال لاحقًا.
ومن بين السياسات التي تعرض لها الأطفال، عمليات التحقيق الميداني التي تعرضت لها المدن والبلدات، وعدد من المخيمات، بوتيرة كبيرة جدا، طالت آلاف المواطنين منذ بدء الحرب، وكان من بينهم أطفال، وكان هناك محاولات متكررة من قبل مخابرات الاحتلال لاستغلال الأطفال وإسقاطهم للتخابر معهم، عبر أساليب تعتمد على استغلال حاجتهم، تحديدا في المناطق التي تشهد مواجهة محتدمة ومتصاعدة مع الاحتلال.
ويكمل الاحتلال سلسلة انتهاكاته وجرائمه بحقّ الأطفال داخل السجون، من خلال تجويعهم، وتنفيذ اعتداءات متكررة بحقّهم باقتحام الأقسام من قبل وحدات السّجن، ووحدات تابعة لجيش الاحتلال، وقد وثقت والمؤسسات المختصة العديد من عمليات الاقتحام التي جرت لأقسام الأسرى الأطفال بعد الحرب، خلالها دخلت القوات أقسامهم وهي مدججة بالسّلاح، واعتدت عليهم بالضرّب، وقد أصيب العديد منهم، هذا عدا عن حرمان عشرات المرضى والجرحى منهم من العلاج، منهم من يعاني من أمراض مزمنة وخطيرة، وإصابات بمستويات مختلفة.
ويمكن التأكيد على أنّ جريمة التّجويع التي تُمارس بحق الأسرى ومنهم الأطفال، احتلت السطر الأول في شهاداتهم بعد الحرب، فالجوع يخيم على أقسام الأطفال بشكل –غير مسبوق- حتى أنّ العديد منهم اضطر للصوم لأيام جراء ذلك، وما تسميه إدارة السّجون بالوجبات، هي فعليا مجرد لقيمات. وخلال الشهور الماضية، طال الأسرى الأطفال أمراض جلدية، أبرزها مرض الجرب (السكايبوس)، الذي تحوّل إلى كارثة صحية سيطرت على غالبية أقسام الأسرى وفي عدة سجون مركزية، واستخدمه الاحتلال فعليا إلى أداة لتّعذيب الأسرى ومنهم الأسرى الأطفال، بحرمانهم من العلاج، وكذلك تعمد إدارة السّجون، بعدم اتخاذ الإجراءات التي تحد من استمرار انتشاره.
ويستكمل الاحتلال جريمته بحقّ الأطفال من خلال محاكمة الأطفال، وإخضاعهم لمحاكمات تفتقر الضمانات الأساسية (للمحاكمات) العادلة، كما في كل محاكمات الأسرى؛ ففي الضفة وكما يعلم جميع المختصون، فإن الأطفال يخضعون لمحاكمات في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، التي شكّلت وما تزال الذراع الأساس لترسيخ الجرائم بحقّ الأطفال والأسرى عموماً، ولربما وأكثر من أي وقت مضى، فإن المحاكم العسكرية تعرّت بشكل كامل في ضوء حرب الإبادة، وكشفت عن مستوى توحش غير مسبوق من خلال القانون، والقرارات الصادرة عنها.
وهذا الواقع فعليا لا يختلف في المحاكم الإسرائيلية التي تجري بحقّ الأطفال المقدسيين، حيث يخضع الأطفال في القدس، لأحكام (قانون الأحداث الإسرائيلي) بشكل تميزي، ويحرم الطفل المقدسي من أدنى الحقوق، استنادا إلى نهج المحاكم القائم على تحويل كل الاستثناءات إلى قواعد للتعامل مع الأطفال المقدسيين، علماً أنّ نسبة اعتقال الأطفال المقدسيين شكّلت على مدار سنوات النسبة الأعلى مقارنة مع أي من المناطق الجغرافية الأخرى في الضّفة.
كما ويستمر الاحتلال في ترسيخ سياسة الحبس المنزلي التي تحوّلت إلى كابوس للعشرات من العائلات المقدسية، حيث عمل الاحتلال على ابتكار أدوات مرعبة ضمن نظام السّيطرة والرقابة الأشد والأكثر توحشا في القدس، وهنا نشير إلى ما تسمى بالإسوار الإلكترونية التي ترافق العديد من الأطفال المقدسيين خلال حبسهم المنزلي، حيث يخضعون لرقابة لا تقل خطورتها عن الظروف القاسية التي يواجهونها الأطفال في السّجون، من خلال تحويل منازل عائلاتهم إلى سجن، وتحويل عائلاتهم لسجانين عبر هذه السياسة.
وقد شكّلت قضية اعتقال الأطفال إدارياً وتصاعدها الذي ارتبط فعليا في تصاعد عمليات الاعتقال الإداريّ منذ بدء الحرب، وبشكل -غير مسبوق- تاريخيا، حيث وصل عدد الأطفال المعتقلين الإداريين إلى (100) معتقل على الأقل، وهذا المعطى فعليا لم يسجل حتى في أوج حالة المواجهة في الانتفاضتين الأبرز في تاريخ شعبنا، واليوم يشكّل أحد أبرز التّحولات الخطيرة والمرعبة، بالمقابل فإن الاحتلال يواصل اعتقال أطفال من غزة وتصنيفهم (بالمقاتلين غير الشرعيين).
وفي إطار حجم الجرائم المهولة التي يواصل الاحتلال بكل ما يملك من ممارستها، عمل على ترسيخ العديد من القوانين ومشاريع القوانين لسلب الأطفال مصيرهم، وعلى مدار السنوات الماضية تصاعدت القوانين العنصرية التي مست بمصير المئات من الأطفال المعتقلين، من خلال عمليات تعديل جرت للقوانين الخاصة بالأحداث، وتحديدا بعد مرحلة الهبة الشعبية، وهناك العديد من التفاصيل المتعلقة في هذا الجانب، وأخر ما خرجت به اللجنة التشريعية في الكنيست الإسرائيلي، إقرار قانون يقضي بفرض أحكام طويلة على الأطفال دون 14 عاماً في إطار قانون الطوارئ ولمدة خمسة أعوام، وتعتبر دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ومنظم نحو 600 -700 طفل فلسطيني أمام المحاكم العسكرية للاحتلال.
رسالة مؤسسات الأسرى
(إننا وفي ضوء كل ما تناوله التقرير الصادر عن مؤسسات الأسرى، فإننا لا بد من الإشارة إلى أن منظومة السّجون عملت بكل ما تملك من أجل التضييق على عمل الطواقم القانونية في المؤسسات، وحرمان المئات من الأسرى من الزيارة إلى جانب حرمان عائلاتهم من الزيارة، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقد تعرض العديد من المحامين للمنع من الزيارات، هذا عدا عن القيود المشددة التي فرضت على الزيارات، من خلال إحضار الأسير للزيارة بعد تعرضه للضرب، وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين بطريقة مؤذية ومذلة، وهذا الأمر أصبح جزءا من شكل الزيارة التي تتم للأسرى بعد الحرب، ولا تستثني أحد سواء البالغين والمرضى والجرحى وكبار السن والأطفال والنساء، إن الطواقم القانونية عملت وتواصل عملها في سبيل رفع صوت آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب رغم كل القيود والصعوبات الكبيرة التي يواجهونها)
تجدد مؤسسات الأسرى مطالبتها للمنظومة الحقوقية الدولية لاستعادة دورها اللازم، أمام حرب الإبادة المستمرة، ووضع حد لحالة العجز المستمرة أمام وحشية الاحتلال والجرائم المهولة التي يواصل تنفيذها، والانتصار للإنسانية التي ناضلت من أجل حرية شعوبها، وعدم الاكتفاء بدورها الراهن العاجز، والمتمثل بعمليات الرصد وإعلان المواقف، ومنها المتعلق بالجرائم التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال ومعسكراته كوجه من أوجه حرب الإبادة، مع ذلك نعبر عن تقديرنا لعدد من القرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية، وعن المحكمة الجنائية الدولية التي تشكّل بارقة أمل في وضع حد لمعنى حالة العجز المرعبة، ومحاسبة قادة الاحتلال على جريمة الإبادة جرائم الحرب الذين يواصلون ارتكابها دون أدنى اعتبار للبشرية جمعاء، ورسالتنا مجدداً إلى أنّ كل هذه الجرائم لا تمس فقط بالفلسطيني، بل بالإنسانية وبنضالات الشعوب التاريخية التي سعت إلى تقرير المصير.
الحرية للأسرى