رصدت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان ومنذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة حملات الاعتقال واسعة النطاق التي شنتها قوات الاحتلال أثناء التوغل البري الذي لا زال مستمرًا، حيث رافق هذه الحملات الاعتقالية عدة تعديلات قانونية أجازت ممارسة جريمة الاختفاء القسري، والمعاملة الوحشية والحاطة بالكرامة التي أودت بحياة عشرات المعتقلين خلال الاشهر الماضية.

 

وكانت كافة التعديلات القانونية على قانون " المقاتل غير الشرعي" قد تركزت حول اعطاء صلاحيات أوسع لإصدار أوامر الاعتقال، وإتاحة مساحة زمنية لاعتقال الاشخاص دون عرضهم على أي سلطة قانونية حتى 75 يوما من بداية الاعتقال، إضافة إلى عدم السماح لهم بأية استشارة قانونية لفترة تصل إلى 6 شهور، وأيضًا تم إجراء عدة تعديلات على قانون " الاعتقالات 1996" والتي أتاحت بدورها تمديد التوقيف كل مرة مدة 45 يوماً لأغراض التحقيق الذي قد يصل فترة 6 شهور، دون أدنى رقابة قضائية حقيقية خلال هذه الفترة على ممارسات التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة، بل وتواطأ القضاة عمليا مع جرائم التعذيب إذ قاموا بتمديد توقيف مئات الأسرى دون الاشارة ان التعديل يمس بالحقوق الجوهرية للمعتقلين ويخالف القانون الدولي، فيصبح الاعتقال تعسفيا ويشكل جريمة حرب[1].

 

هذه الاجراءات القانونية اتاحت ممارسة جريمة الاختفاء القسري بحق معتقلي قطاع غزة، واحتجازهم بعزل كامل عن العالم الخارجي. وكانت شهادات أولئك الذين تم إطلاق سراحهم خلال هذه الأشهر، من المعسكرات الخاضعة للجيش أو السجون تحت سيطرة مصلحة سجون الاحتلال، وإفادات الأسرى لبعض المحامين الذين نجحوا بزيارة بعض الأسرى في الاسابيع الاخيرة، تشير بشكل جليّ إلى انتهاكات شديدة الخطورة بحق الأسرى من لحظات الاعتقال الأولى مرورًا بممارسة التعذيب بشكل منهجي خلال التحقيق، ومواصلة الاعتداءات والقمع الوحشي بحق الأسرى خلال احتجازهم في السجون المركزية كعوفر والنقب وغيرها.

حيث تحدث الأسرى عن تجريدهم من كافة ملابسهم مع الاعتقال وتقييد اطرافهم بشكل مؤلم والاعتداء عليهم بالضرب الوحشي، وهذا الضرب يستمر خلال عمليات نقلهم لمراكز الاحتجاز كمعتقل " سديه تيمان" او "عناتوت" او ما سماه بعض الأسرى " البراكس" دون معرفة مكان هذا المقر واسمه الرسمي.

حيث يتعرض الأسرى حسب إفاداتهم "لحفلات" من الضرب الجماعي والتعنيف من قبل الجنود، واستخدام الفاظ نابية عجز الأسرى عن تكرارها. ويجبروا إيضًا على الركوع على الأرض البحصية أو على الإسفلت،  ويقضي الأسرى أيامهم مقيدي اليدين ومعصوبي الأعين طوال النهار، ولا يسمح لهم بالحديث مع بعض، ويقوم الجنود بسحب الفرشات الرقيقة منذ ساعات الصباح الباكر حوالي الخامسة صباحا وحتى ساعات الليل التاسعة او العاشرة.

 

إضافة إلى ذلك كله، يتعرض الأسرى في معسكرات الجيش لجلسات تحقيق تشمل ممارسة التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة، حيث كانت تطلق الكلاب الشرسة لتعتدي عليهم وتسبب لهم اصابات بليغة، وكان العديد من الأسرى قد تعرضوا لإصابات جراء تكبيلهم بالقيود الحديدية، وجميعهم شددوا على سوء الرعاية الصحية خاصة في معسكر "سديه تيمان"، حيث تم بتر ايدي وأرجل بعض الأسرى نتيجة لهذه السياسات.

هذا ويتعرض الأسرى من قطاع غزة في السجون المركزية أيضًا لذات الاعتداءات الوحشية من قبل السجانين ويتكرر ذلك عدة مرات يومياً خلال اقتحام غرفهم، حيث أكد الأسرى على استشهاد معتقلين اثنين في سجن عوفر، وتحدثوا عن الحالة الحرجة التي وصل اليها دكتور عدنان البرش حين تم احضاره لسجن عوفر. وتستخدم سلطات الاحتلال بحق الأسرى من القطاع سياسة تجويع مقصودة، إذ لا يوفر لهم كمية كافية من الطعام، ولا يسمح لهم بالخروج من الغرف بتاتا ولا حتى لبعض الوقت يوميا، ومنهم من قال انه منذ اعتقاله قبل سبعة شهور لم يشاهد الشمس ولا مرة، ولا يسمح لهم بتبديل ملابسهم حيث لم توفر لهم الغيارات اللازمة إلّا في الاسبوع الاخير من شهر نيسان، وطوال هذه الأشهر لم يسمح لهم بقص شعرهم او لحاهم أو اظافرهم، وأجبروا على الاستحمام على فترات متباعدة جدا وارتداء ذات الملابس القذرة، حيث اشتكوا من الروائح الكريهة التي تنبعث من ملابسهم وقالوا نشعر بأننا نعيش في "حظيرة للماشية"، وكان بعض الأسرى قد تعرضوا لحالات من الاغماء نتيجة الهزال.

 

يذكر أن الأسرى الذين تعرضوا للتحقيق في مراكز التحقيق الرسمية كانوا قد تعرضوا لأساليب التعذيب التي يتم استخدامها عادة، مثل الشبح بوضعيات مختلفة ولساعات طويلة، وحني الظهر باسلوب شبح " الموزة"، إضافة إلى حرمانهم من النوم والضرب العنيف على اعضاء الجسد خاصة القدمين والساقين، مع العلم أن بعض الأسرى ما زالت علامات القيود على معصميهم حتى اليوم، وبعضهم مع كدمات على صدره او بطنه.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال كان قد أعلن عن ارتقاء 27 أسيرًا من قطاع غزة في معسكر "سديه تيمان"،  فيما لم يعرف لغاية الآن إلا هوية ستة شهداء ممن ارتقوا نتيجة للتعذيب والظروف القاسية التي يعيشها الأسرى من القطاع في المعسكرات والسجون.

 

تؤكد مؤسسة الضمير أن هناك أساس معقول للادعاء ان قوات الاحتلال تقوم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق الأسرى من قطاع غزة، وبشراكة وتواطؤ من الحكومة، القضاة، سلطات مصلحة السجون، قوات الشرطة وجيش الاحتلال. وعليه تطالب مؤسسة الضمير المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية بأجراء تحقيق خاص في الجرائم بحق الاسرى، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمحاسبة كافة المسؤولين عن هذه الجرائم، كما وتطالب كافة الجهات الدولية ذات الاختصاص ضمن اجراءات هيئة الامم برصد وتوثيق هذه الجرائم ومتابعتها لضمان تحقيق العدالة من خلال المحاسبة.

 

[1]لمزيد من المعلومات حول التعديلات القانونية التي تمت بعد السابع من اكتوبر عبر التقرير: https://www.addameer.org/ar/media/5347