أنهى الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي استمر لثمانية أيام بعد أن حققت الحركة الأسيرة انتصاراً بانتزاع الحقوق الأساسية للأسرى والأسيرات، بعد سلسلة من الانتهاكات الممنهجة التي تعرض لها الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، والتي هدفت إلى مزيد من التضييق عليهم في كافة مناحي الحياة الاعتقالية خاصة بعد صدور توصيات اللجنة التي شكّلها وزير الأمن الداخلي للاحتلال.
وفي يوم الأسير الفلسطيني، تفيد إحصائيات مؤسسة الضمير بأنه مع نهاية شهر آذار 2019 وصل عدد الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال إلى ما يقارب 5450 أسيراً ومعتقلاً فلسطينياً، من بينهم 497 معتقلاً إدارياً، و49 أسيرة، و7 نواب في المجلس التشريعي، و205 طفلاً منهم 32 تحت 16 عام، وبحسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين، فإنه منذ العام 2000، اعتقلت قوات الاحتلال ما يقارب 10.000 طفل فلسطيني، جرى محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية التي تفتقر لمقومات المحاكمة العادلة، ويخضع الأطفال الفلسطينيين للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أثناء الاعتقال أو في التحقيق في مخالفة لكافة الأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بالأطفال، ويحتجز الأسرى الأطفال في أقسام خاصة في سجني عوفر ومجدو والدامون، حيث جرى مؤخراً نقل مجموعة من الأسرى الأطفال إلى سجن الدامون الذي لا يصلح للعيش بظروف إنسانية.
كما ويعاني العديد من الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال من سياسة الإهمال الطبي، مما يفاقم الأوضاع الصحية للأسرى، وبحسب مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" بلغ عدد الأسرى والأسيرات المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 750 أسيراً، بينهم 350 أسيراً وأسيرة يعانون من أمراض مزمنة، منهم 7 مصابون بالسرطان، و8 بالأورام، و23 يعانون من أمراض العيون، و30 يعانون من أمراض القلب، و24 يعانون من أمراض السكري والضغط، و5 يعانون من أمراض الدم والأوعية الدموية، و11 أسير مقعد و37 أمراض عظام، و12 أمراض كلى، و28 أمراض باطنية، و23 أمراض نفسية وأعصاب، و18 يعانون من مشاكل تنفسية، و61 إصابات بالرصاص.
توصيات لجنة وزير الأمن الداخلي للاحتلال "لجنة أردان"
لقد شكّل وزير الأمن الداخلي للاحتلال في شهر حزيران من العام 2018 لجنة خاصة مكوّنة من أعضاء بالكنيست وجهاز المخابرات، والغرض من هذه اللجنة هو تقييم ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتحديد السبل التي يمكن من خلالها تقليص الظروف إلى الحد الأدنى الممكن. وعملت اللجنة منذ تشكيلها على دراسة أوضاع الأسرى الفلسطينيين تضمنت زيارات للسجون، وأصدرت اللجنة توصياتها بفرض مزيد من التضييق على الأسرى والأسيرات المعتقلين في سجون الاحتلال لتبدأ سلطات الاحتلال بشن هجمة ممنهجة على الأسرى مستَمِدة شرعيتها من توصيات اللجنة المشكّلة.
الأسيرات الفلسطينيات...أول من طالتهن الإجراءات العقابية
كجزء من الإجراءات العقابية التي تبعت توصيات لجنة أردان، وبعد زيارة اللجنة لسجن هشارون الذي كانت تقبع فيه الأسيرات الفلسطينيات، تم إعادة تشغيل الكاميرات في سجن هشارون وذلك بعد تعطيلها لسنوات على أثر اتفاق بين الأسيرات والإدارة عام 2011، رفضت الأسيرات بطبيعة الحال الكاميرات، واحتجاجاً على إعادة تشغيلها رفضن منذ 6 أيلول الخروج إلى الفورة.
كما وبعثت الأسيرات برسالة توضح أن جميع مرافقهم الترفيهية موجودة في منطقة الكاميرات، وبهذا لا يمكنهن الوصول إليها، وأن إعادة تشغيل الكاميرات يحد من خصوصية الأسيرات، وفي تاريخ 20/9/2018، اقترحت مخابرات الاحتلال إيقاف تشغيل الكاميرات لمدة ساعتين ونصف، لتحصل الأسيرات على وقت للترفيه، ولكن الأسيرات رفضن ذلك لاعتباره غير كافي. بعد رفض الأسيرات للاقتراح المقدم من مخابرات الاحتلال تعرضن للتهديد بالنقل إلى سجن الدامون، وتم سحب الاقتراح الذي يقضي بإيقاف الكاميرات لساعتين ونصف. وبعد أن استمر احتجاج الأسيرات على إعادة تشغيل الكاميرات لمدة شهرين، ومنذ بداية شهر 11 حتى 6/11/2018 كان قد تم نقل كافة الأسيرات إلى سجن الدامون الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية.
اقتحام الوحدات الخاصة للسجون وقمع الأسرى
في إطار قرار فرض مزيد من التضييق على الأسرى، قامت مصلحة السجون بشن حملات تفتيش استفزازية ومفاجئة طالت معظم السجون، تبعها العديد من الاقتحامات من قبل الوحدات الخاصة خاصة في سجن عوفر، النقب، وريمون. حيث جرى قمع الأسرى في سجن عوفر والاعتداء عليهم بالضرب بالعصي والأيدي والأرجل، وباستخدام الكلاب البوليسية والأعيرة المطاطية وغاز الفلفل وقنابل الغاز والصوت، وجرى تدمير غرف الأسرى في عدد من الأقسام، وتدمير ومصادرة ممتلكات الأسرى، تبع ذلك توترات في سجن النقب وريمون بعد تركيب مصلحة السجون لأجهزة التشويش في بعض الأقسام في سجني النقب وريمون والتي بدورها تؤثر على الهواتف الخلوية والراديو والتلفاز بالتالي تحرم الأسرى من الوسائل الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي. ونتيجة للقمع، أصيب العديد من الأسرى بجروح مختلفة، نقل البعض على إثرها للمستشفيات، إلا أنه حتى هذه اللحظة ما زال الأسرى الفلسطينيين يعانون نتيجة للإصابات التي تعرضوا لها، حيث لم يتلقوا العلاج اللازم، ويعانوا من الإهمال الطبي المتعمد من قبل سلطات الاحتلال. كما ونتيجة للاقتحامات الأخيرة، فُرض على الأسرى عقوبات عديدة كنقل الأسرى بين السجون، وعزل بعض الأسرى بالإضافة إلى منع الأسرى من لقاء المحامين، عدا عن الغرامات المالية المرتفعة التي فرضت عليهم.
معركة الكرامة (2) ...خطوة الأسرى المشروعة ضد التضييق
بعد فشل الحوارات التي جرت بين ممثلي الأسرى وإدارة السجون حول الظروف المعيشية في السجون خاصة بعد فرض المزيد من التضييق على الأسرى والأسيرات، شرع الأسرى بالدخول في إضراب مفتوح عن الطعام لتحقيق مطالبهم المشروعة، والتي تتعلق أبرزها بإعادة الوضع كما كان عليه قبل البدء بتنفيذ توصيات لجنة أردان، وطرح الأسرى تحقيق عدة مطالب لإنهاء إضرابهم تمثّلت في:
-إلغاء توصيات لجنة أردان فيما يتعلق بالتضييق على الأسرى خاصة من ناحية الطعام، الكانتينا، الفورة، الكتب، والتعليم، حيث سبق وأن أفاد الأسرى بأنه بعد لجنة أردان الخاصة أصبح هناك تقليص في كمية الطعام المتوفر، وأصبح هناك زيادة في القيود المفروضة على التعليم وتوفير الكتب، وتمت مصادرة العديد من الكتب التربوية في بعص السجون، وتم حظر جميع الكتب التعليمية في وقت لاحق، وهذا يعني أن عائلات الأسرى لم يعد بإمكانها إدخال الكتب لأبنائهم.
- إزالة كافة أجهزة التشويش التي قامت مصلحة السجون بتركيبها في سجني ريمون والنقب.
- تركيب هواتف عمومية في أقسام الأسرى في السجون، استناداً إلى حق الأسرى الطبيعي والمكفول بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية بالتواصل مع العائلة ومع العالم الخارجي.
- إلغاء منع الزيارة المفروض على المئات من الأسرى، ورفع العقوبات الجماعية التي فرضتها إدارة المعتقلات على الأسرى منذ العام 2014.[1]
- إنهاء العقوبات التي فرضتها مصلحة السجون في الآونة الأخيرة وتحديداً بعد عمليات القمع التي نُفذت بحق الأسرى في سجون النقب، عوفر، وريمون، وإعادة الأسرى الذين تم قمعهم إلى الأقسام والسجون التي كانوا فيها.
- توفير الشروط الإنسانية فيما يسمى (بالمعبار)[2] وتحسين ظروف البوسطة خاصة للأسرى المرضى.
- نقل الأسيرات الفلسطينيات إلى سجن آخر تتوفر فيه الظروف الإنسانية للمعيشة: حيث يقبع في سجون الاحتلال 49 أسيرة، جميعهن في سجن الدامون، الذي يفتقر لأدنى مقومات المعيشة، حيث كان السجن يستخدم في السابق كمخزن للتبغ وكإسطبل، بالتالي فقد كانت مبانيه مصممة بشكل خاص للاحتفاظ بالرطوبة في الداخل ولم يكن يقصد منها أبداً أن تكون مكاناً لإقامة الآدميين.
-تحسين ظروف احتجاز الأسرى الأطفال في السجون
-وقف سياسة الإهمال الطبي وتقديم العلاج اللازم للمرضى، وكذلك للمصابين من الأسرى بعد الاعتداءات الأخيرة.
- إنهاء سياسة العزل: يقوم الاحتلال بعزل الأسرى والأسيرات الفلسطينيين إما لأسباب أمنية أو لأسباب نفسية أو كسياسة عقابية، كفرض عقوبة بحق الأسرى على مخالفة "انضباطية" داخل السجن، وهنا يعزل المعتقل منفرداً في زنزانة لا يسمح له إلا بإدخال ملابسه إليها، ولا تحوي سوى الفرشة والغطاء. كما وأن العزل يمكن أن يكون بقرار من المحكمة، حيث أن القانون يخول محاكم الاحتلال إصدار قرار يقضي بحجز المعتقل في العزل لمدة 6 أشهر في غرفة لوحده، و12 شهراً في غرفة مع معتقل أخر، كما أن المحكمة مخولة حسب القانون بتمديد فترة عزل المعتقل لفترات إضافية ولمدة لانهائية.
في حقيقة الأمر، تمارس قوات مصلحة السجون الإسرائيلية سياسة العزل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وبخاصة القادة منهم، كإجراء عقابي بحقهم، وبغرض زعزعة استقرارهم وحرمانهم من حقوقهم بالتواصل مع العالم الخارجي وتلقي الزيارات العائلية، كذلك تلجأ قوات مصلحة السجون إلى سياسة عزل الأسرى والمعتقلين كوسيلة لإخضاعهم ولإضعاف قدرتهم التنظيمية، وتشتيت صفوفهم، وشل قدرتهم على تنظيم نضالهم لتحقيق حقوقهم المكفولة كأسرى حرب ومناضلين من أجل الحربة المكفولة في اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وسائر اتفاقيات حقوق الإنسان.
الاعتقال الإداري...اعتقال دون تهمة أو محاكمة
إن سياسات الاحتلال التعسفية ضد الأسرى والأسيرات الفلسطينيين لا تقتصر على الظروف المعيشية، بل تطال أيضاً الأسرى الإداريين المعتقلين تعسفياً بما يخالف المواثيق والاتفاقيات الدولية، حيث يلجأ الاحتلال للاعتقال الإداري بشكل ممنهج وبصورة غير قانونية، فيتم اعتقال الفلسطينيين دون تهمه أو محاكمة، وبالاعتماد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد. واحتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري، يستمر ستة أسرى فلسطينيين في إضرابهم المفتوح عن الطعام حتى إنهاء اعتقالهم الإداري، وهم الأسرى حسن العويوي، والأسير حسام الرزة الذي أعلن إضرابه بتاريخ 20 آذار 2019 ويقبع حالياً في عزل سجن أيشل، والأسيرين خالد فراج ومحمد طبنجة اللذان دخلا في إضراب مفتوح عن الطعام في 26 آذار 2019 والمعزولين في سجن النقب، والأسير داهود عدوان المضرب عن الطعام منذ 1/3/2019، والأسير عودة الحروب المضرب عن الطعام منذ 2/4/2019.
كما وتسعى سلطات الاحتلال لمنع التواصل الخارجي مع الأسرى المضربين، حيث تقوم بفرض تضييقات على زيارات المحامين للأسرى المضربين ضاربة بعرض الحائط حقهم الأساسي بلقاء محامي واستشارته المكفول بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية.
لقد شددت اتفاقية جنيف الرابعة والمعايير الدولية الأخرى لإجراءات المحاكمة العادلة على منع استخدام الاعتقال الإداري كبديل عن المحاكمة، مما يدعو للتأكيد على أن الاعتقال الإداري كما يستخدمه الاحتلال هو اعتقال تعسفي ومنافي للقوانين والأعراف الدولية.
[1] إن زيادة التشديد والتضييق على الأسرى الفلسطينيين تكرر في مراتٍ عدة، وتشمل هذه الحالات عام 2014 بعد اختفاء ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية ومن ثم في حرب غزة الأخيرة، حيث تم تقييد العديد من حقوق الأسرى، كالحرمان من الزيارات العائلية لبعض الأسرى أو تكون الزيارات العائلية بشكل متقطع وغير منتظم، وبالنسبة لأسرى غزة زاد عدد الممنوعين أمنياً من زيارة أبنائهم في السجون، وأصبحت زيارة أهالي قطاع غزة مرة كل شهرين بدلاً من مرة شهرياً، كما وتم تقليص عدد القنوات الفضائية في السجون إلى 3 قنوات من أصل 10 قنوات كان مسموحاً بها، وخُفضت ساعات الفورة إلى ساعتين يومياً، كما وتم خفض سقف المشتريات من الكانتينا، وتقليل كمية المبالغ المودعة للأسرى عبر الكانتينا من 1200 شيكل إلى 800 شيكل كحدـ أقصى.
[2]السجن الذي يتم فيه وضع الأسرى الفلسطينيين المنقولين من سجن إلى آخر.