يصادف 26 حزيران من كل عام اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، والذي أقر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة دخول اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب حيز النفاذ في العام 1987، بهدف القضاء على التعذيب المحظور بشكل مطلق في الحالات العادية والاستثنائية في معظم المواثيق والاتفاقيات الدولية والقواعد العرفية ذات العلاقة، وتعتبر الاتفاقية أحد أبرز الأدوات الرئيسية في مكافحة التعذيب، والتي انضمت لها أكثر من 160 دولة لغاية الآن.
رغم انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية "مناهضة التعذيب" في العام 2014 والبروتوكول الاختياري الملحق بها في العام 2017، والالتزامات التي ترتبت عليها بموجب هذا الانضمام، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة وثقت العديد من التجاوزات لمضامين الاتفاقية وأحكامها، حيث بلغت الحالات الموثقة (211) حالة لأشخاص يدعون تعرضهم لأفعال التعذيب وسوء المعاملة، في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ الانضمام للاتفاقية. تجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم لا يعبر عن جميع حالات التعذيب في الواقع.
تشير الائتلافات إلى أن التشريعات الجزائية النافذة في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك التشريعات العقابية الثورية المطبقة في فلسطين، تفتقر إلى تعريف واضح وصريح لجريمتي التعذيب وإساءة المعاملة كذلك إلى عدم اتساق عقوبة مرتكبها مع جسامة الفعل بما يتوائم مع الالتزامات الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب، وعدم قدرة النظام القانوني الفلسطيني على إنصاف وتعويض ضحايا جرائم التعذيب وسوء المعاملة، حيث اكتفت التشريعات الفلسطينية بضمان أحد أشكال إنصاف المتعرضين لفعل من أفعال التعذيب بالتعويض المادي فقط دون إدراج باقي الضمانات المتمثلة بتأهيلهم ورد حقوقهم وكذلك جبر الضرر.
ترى الائتلافات أن غياب نظام شكاوى فعال خاص بالإبلاغ عن حالات التعذيب، يبقي ضحايا التعذيب دون مساندة وإنصاف، بما يبقي مرتكبي انتهاكات التعذيب دون عقاب، ويسهم في غياب المساءلة الفعالة على هذا الصعيد، بما يستوجب ضرورة تبني نظام خاص بالشكاوى الخاصة بالعذيب يكفل حماية الشهود والمبلغين عن التعذيب لضمان عدم تهديدهم أو ملاحقتهم في حال الإدلاء بإفادتهم أو تقديم شكاوى للجهات المختصة، وكذلك اعتماد آلية مستقلة لاستقبال للشكاوى المتعلقة بالتعذيب وإساءة المعاملة ومتابعتها، ففلسطين ملزمة بموجب الاتفاقية برصد كافة حالات التعذيب وإساءة المعاملة، واستقبال الشكاوى ذات العلاقة، وكفالة التحقيق بها بشكل فوري وفعال، وتقديم مرتكبي أفعال التعذيب إلى المحاكمة، مع ضمان إنصاف ضحايا التعذيب وتعويضهم وجبر الضرر الذي لحق بهم أو بذويهم.
تتابع الائتلافات التزامات دولة فلسطين المترتبة على انضمامها إلى البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والمتمثل بإنشاء الألية الوطنية للوقاية من التعذيب بموجب قانون ينظم أحكامه، وتأمل إقرار الآلية الوطنية بما يكفل إنشائها واستقلاليتها والقيام بواجبتها وفق المعايير الدولية الخاصة بالأليات الوطنية للوقاية من التعذيب.
وبهذه المناسبة فإن الائتلافات الموقعة أدناه تؤكد على ما يلي:
- ضرورة التزام كافة الجهات المكلفة بإنفاذ أحكام القانون باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وحظر كافة أشكال التعذيب في الحالات العادية والاستثنائية.
- ضرورة العمل دون إبطاء على إنفاذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب، وضمان سموها على التشريعات المحلية، وإنفاذها في النظام القانوني الفلسطيني ونشرها في الجريدة الرسمية.
- ضرورة تعديل التشريعات العقابية المطبقة في النظام القانوني الفلسطيني بما يضمن تغليظ العقوبة على مرتكبي جريمة التعذيب، بما يتناسب مع جسامة الأفعال المرتكبة، على أن يمتد نطاق التجريم ليشمل حالات الشروع والتحريض والمشاركة والتواطؤ لارتكاب أفعال التعذيب، باعتبارها جرائم. وألا تخضع لأحكام العفو العام أو الخاص أو لقوانين التقادم. كذلك أن تكفل النص على عدم التذرع بالأوامر التي تصدر عن رتبة أعلى لتبرير التعذيب، مع ضمان الإنصاف الفاعل لجميع ضحايا التعذيب، وإعادة تأهيلهم.
- ضرورة إنشاء آلية رسمية للشكاوى مع وضمانة استقلاليتها وعدم التدخل في عملها، لإجراء التحقيقات الفورية في كافة الشكاوى المقدمة لها بما يحقق النزاهة والاستقلالية وإنصاف الضحايا، ووقف الجناة المشتبه باقترافهم لأعمال تعذيب وإساءة المعاملة عن أعمالهم لحين انتهاء التحقيق، وتقديمهم للمحاكمة.
- ضرورة كفالة حصول جميع الأشخاص المحتجزين على جميع الضمانات الدستورية والقانونية في التشريعات النافذة، والضمانات المكفولة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت لها دولة فلسطين بدون تحفظات، بحكم القانون والممارسة العملية، فور القبض عليهم.
- ضرورة تعزيز البرامج التثقيفية لضمان توعية المكلفين بإنفاذ القانون وموظفي السجون ومراكز التوقيف والعاملون في الحقل الطبي، بضرورة حظر التعذيب، وتدريبهم على أساليب تقصي وتوثيق حالات التعذيب وسوء المعاملة.
- ضرورة الالتزام بأحكام البروتوكول الإضافي لاتفاقية مناهضة التعذيب من خلال إنشاء آلية وطنية لمنع التعذيب مع ضمان استقلاليتها، والأخذ بعين الاعتبار كافة الملاحظات المقدمة من مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية وملاحظات اللجنة الفرعية للتعذيب ذات العلاقة.