مقدّمة

شكّلت الفترة الماضية ضربة في منظومة العدالة الفلسطينيّة، منذ مقتل الناشط والمرشّح السابق للمجلس التشريعيّ الفلسطينيّ نزار بنات يوم 24/6/2021، على يد عناصر من جهاز الأمن الوقائيّ الفلسطينيّ. وتبعت مقتله انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من قبل السلطة التنفيذيّة ممثّلة بالأجهزة الأمنيّة، من خلال الاعتداء على التجمّعات السلميّة، وانتهاك حقّ المواطنين في الحريّة، والتجمّع السلميّ، وحريّة الرأي والتعبير، والحقّ في الخصوصيّة.

دعا النشطاء والحراكات ومرشحو القوائم الانتخابيّة إلى العديد من التجمُّعات السلميّة؛ تنديداً بمقتل نزار بنات، ومطالبةً بمحاسبة القتلة، ورفضاً لقمع المتظاهرين واعتقالهم تعسّفيّاً، إضافة إلى المطالبة بإجراء الانتخابات الفلسطينيّة العامّة.

بدأت الدعوات في صباح الخميس 24/6/2021 بعد انتشار خبر مقتل نزار؛ حيث خرجت مسيرتان في هذا اليوم تعرّضتا للقمع الشديد من قِبل الأجهزة الأمنيّة والشّرطيّة، باستخدام قنابل الصوت والغاز والضرب بالهراوات. تبعها عددٌ من المسيرات والتجمّعات السلميّة؛ حيث وصل عدد التجمّعات التي دعت لها الحراكات ما بين 24/6/2021 حتّى 25/8/2021[1] إلى ما يقارب 17 تجمُّعاً سلميّاً، منها: 13 تجمّعاً مركزيّاً في رام الله، ومن أصل 17 تجمّعاً في رام الله والخليل وبيت لحم، تعرّضت 9 تجمّعات (8 في رام الله وواحد في بيت لحم) للاعتداء من قبل الأجهزة الأمنيّة والشرطيّة بلباس عسكريّ ومدنيّ، إضافة إلى مواطنين مدنيّين اعتدوا على المتظاهرين. وتراوحت هذه الاعتداءات ما بين القمع بواسطة الأسلحة كقنابل الصوت والغاز، والضرب بالهراوات على أنحاء الجسد كافّةً، والسحل، والتحرّش، وسرقة الهواتف، تبعها انتهاك خصوصيّة المتظاهرين تحديداً النساء منهم، من خلال نشر صورهنّ الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وأُصيب عدد كبير من المواطنين بجروح مختلفة؛ نتيجة للاعتداء والضرب الذي تعرّضوا له، حيث نُقل عدد منهم إلى المشافي لتلقّي العلاج اللازم.

 

"

                                                                                                     الصورة عن موقع المقدسيّ

 

كما قامت الأجهزة الأمنيّة بالزيّ العسكريّ والمدنيّ بالاعتداء على الصحفيّين الذين قاموا بتغطية التجمّعات السلميّة، وذلك من خلال الضرب، وتحطيم الكاميرات، وسرقة الهواتف؛ في إطار تقييد عمل الصحفيّين، ومَنْعهم من تغطية الانتهاكات التي ارتُكبت بحقّ المتظاهرين السلميّين، إضافة إلى الاعتداء على موظّفي المؤسّسات الحقوقيّة المحليّة والدوليّة الذين تواجدوا في التجمّعات السلميّة؛ لرصد الانتهاكات وتوثيقها.

"

                                                                                           الصورة عن موقع وكالة فلسطين اليوم

 

وفي المقابل، وفي إطار التمييز الذي مارسته السلطة التنفيذيّة بحقّ المواطنين الفلسطينيّين بشكلٍ مخالف للقانون، أقامت حركة فتح خلال الفترة المذكورة 12 تجمّعاً ومهرجاناً في عدد من محافظات الضفة الغربيّة؛ دعماً لرئيس السلطة الفلسطينيّة، وللأجهزة الأمنيّة، ولم تتعرّض أيّ من هذه التجمّعات للاعتداء، بل على العكس، قامت الأجهزة الشرطيّة بتأمين سيرها، على الرغم من أنّ أحد هذه التجمّعات التي دعت لها حركة فتح في رام الله يوم الأحد 27/6/2021 شابها أعمال شغب، وأخلّ المشاركون بها في الأمن والنظام العام بشكل مخالف للقانون، وقاموا بالتوجّه باتّجاه تجمّع آخر مقابل، والاعتداء على المواطنين بالضرب، والسحل، والنشل، وسرقة المقتنيات، إضافة إلى التحرّش بالنساء، والاعتداء على الصحفيّين، وذلك كلّه على مرأى ومسمع عناصر الشرطة الذين تواجدوا في المكان، دون أن يحرّكوا ساكناً في مخالفة صارخة لواجبهم بالحفاظ على الأمن وإنفاذ القانون بحقّ الجميع دون تمييز.

 

"

                                                            صورة لمسيرة حركة فتح في رام الله – الصورة عن موقع شبكة راية الإعلاميّة

 

كما وحمل متظاهرون من حركة فتح الأسلحة الناريّة في عدد من التجمّعات التي تمّت الدعوة لها، وارتدوا اللثام في مخالفة لنصّ المادّة (8) من اللائحة التنفيذيّة لقانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998 التي تنصّ على أن: "يُحظر على المشاركين في الاجتماع أو المسيرة التلثّم، أو حمل أيّة أسلحة ناريّة، أو أسلحة بيضاء، أو أيّة آلات حادّة، أو عصيّ، أو أيّة موادّ مؤذية مهما كان نوعها"، وذلك دون أن يتعرّض أيّ منهم للاعتداء، أو الملاحقة، أو الاعتقال من قبل عناصر الشرطة والأجهزة الأمنيّة.

"

                                                    صورة لمتظاهرين من حركة فتح في حلحول-الخليل/ الصورة عن الأوروبيّة

إضافة إلى التجمّعات المذكورة، فقد دعت عائلات عناصر الأمن الوقائيّ الموقوفين والمتّهمين بقتل نزار بنات إلى وقفتين احتجاجيّتين؛ للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم بحجّة أنّ المتّهمين قاموا "بتنفيذ القانون"، عُقدت إحدى هذه الوقفات أمام هيئة قضاء قوى الأمن في رام الله في ظلّ تواجد قوّات الشرطة، والأخرى أمام مبنى محافظة الخليل. لم تتعرّض أيّ من هذه التجمّعات المطالبة بالإفراج عن المتّهمين بقتل نزار لأيّ قمع، أو اعتداء، أو ملاحقة من قبل الأجهزة الأمنيّة؛ ما يكرّس سياسة التمييز التي تنتهجها السلطة التنفيذيّة بحقّ المواطنين الفلسطينيّين.

لم تقف انتهاكات السلطة التنفيذيّة بأجهزتها في الفترة الماضية عند القمع والاعتداء على التجمّعات السلميّة، بل امتدت لتشمل تنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضدّ الأشخاص المشاركين في التجمّعات السلميّة بشكلٍ تعسفيّ. حيث اعتقلت في الفترة المذكورة ما يقارب (70) شخصاً أثناء توجُّههم للتجمّعات السلميّة، أو أثناء مشاركتهم بها، ومنهم: نساء، ومسنّون، ونشطاء، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأطبّاء، ومحامون، ومحاضرون، في الجامعات، وأسرى  محرّرون، وقد جرى الاعتداء على القسم الأكبر منهم بالضرب والسحل، وتعرضوا جميعاً لظروف اعتقال صعبة، حيث قضوا فترات اعتقالهم في زنازين تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات المعيشة الإنسانيّة، وفي ظروف بيئيّة وصحّيّة سيّئة، لم يُراعَ فيها الحدّ الأدنى من التدابير الوقائيّة؛ لحمايتهم من خطر تفشّي الفايروس.

اعتُقل معظم المعتقلين على ذمّة جهاز الشرطة –المباحث العامّة-، بعضهم تم الإفراج عنهم بعد ساعات من الاعتقال، والبعض جرى تحويله للنيابة العامّة التي قامت إما بتمديد التوقيف، أو إخلاء سبيلهم، والبعض الآخر جرى تحويله للمحكمة المختصّة لاستكمال إجراءات المحاكمة بتهم التجمهر غير المشروع، وقَدْح المقامات العليا، وإثارة النعرات الطائفيّة، وتم إخلاء سبيلهم من قبل المحكمة بكفالات شخصيّة وماليّة إلى حين انتهاء إجراءات المحاكمة.

 

اعتداءات واعتقالات الأجهزة الأمنيّة والمدنيّين بحقّ مختلف فئات الشعب الفلسطينيّ

حالة الصحفيّ (أ. ح)، 27 عاماً

تعرّض الصحفيّ (أ. ح) للاعتداء أثناء تواجده في دوّار الساعة يوم الأحد 27/6/2021؛ لتصوير التجمّع السلمي الذي دعت الحراكات له، حيث كان الصحفيّ يقوم بممارسة عمله الصحفيّ والتصوير، فتوجّه له شخص بلباس مدنيّ، وقام بتهديده "ممنوع التصوير وإذا بتصوّر بنكسرك أنت والكاميرا". أكمل الصحفيّ التصوير انطلاقاً من حقّه بممارسة عمله الصحفيّ، وبعد ما يقارب 15 دقيقة، توجّه إليه اشخاص عدّة بلباس مدنيّ، وقاموا بضربه، وأحد الأشخاص حاول سرقة الكاميرا منه، وآخرون استمرّوا بضربه على رأسه ووجهه، وواحد حاول "عرقلته" ليسقط أرضاً، قبل أن يتمكن من الهرب من بين أيديهم. هذا مع العلم أنّه كان يرتدي زيّ الصحافة الكامل: درع واقٍ، وخوذة.

كما تمّ توثيق الاعتداء على الصحفيّ من قبل صحفيّين تواجدوا في المكان بواسطة الفيديو، واستصدر الصحفيّ تقريراً طبّيّاً أوّليّاً من مجمّع فلسطين الطبّيّ، يفيد بوجود كدمات وخدوش في وجهه ورأسه.

تقدّمت مؤسّسة الضمير ببلاغ للنائب العام للتحقيق الفوريّ في الشكوى المقدّمة للمؤسّسة من الصحفيّ، تضمّن صوراً للأشخاص الذين قاموا بالاعتداء على الصحفيّ، والتقرير الطبّيّ الذي يوضّح وضعه الصحّيّ؛ وذلك لملاحقة الأشخاص المعتدين الذين استطاع الصحفيّ تمييزهم، واتّخاذ المقتضى القانوني اللازم بحقّهم؛ حمايةً للحقّ الأساسيّ بالسلامة الجسديّة، وبالعمل الصحفيّ، واحتراماً للقانون الأساسيّ الفلسطينيّ، والاتّفاقيّات، والمواثيق الدوليّة التي وقّعت عليها دولة فلسطين دون تحفّظات، إلّا أنّه حتّى هذه اللحظة لم يتمّ فتح التحقيق.

 

"

"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حالة الطبيبة (د. أ)، 49 عاماً

تعرّضت الطبيبة (د. أ) للاعتداء الشديد من قبل عناصر الشرطة بتاريخ 5/7/2021 أثناء مشاركتها في تجمّع سلميّ أمام مقر شرطة البالوع في مدينة رام الله؛ احتجاجاً على اعتقال مجموعة من المواطنين الذين تمّ اعتقالهم من دوّار المنارة قبل موعد التجمّع السلميّ الذي كان مفترضاً أن يكون في تمام الساعة السابعة مساءً؛ تنديداً بالاعتقال السياسيّ. وصلت الطبيبة إلى مركز شرطة البالوع وكان هناك 10 أشخاص تقريباً، معظمهم من أهالي المعتقلين الذين جرى اعتقالهم من دوّار المنارة، جزء منهم كبار بالسنّ وأطفال، لم يكن هناك أيّة هتافات باستثناء هتاف واحد من زوجة أحد المعتقلين، ويقتصر فقط على التنديد بالاعتقال السياسيّ.

بعد فترة من تواجدهم هناك، ازداد عدد المشاركين وانضم للتجمّع شخصيّات حقوقيّة وصحفيّون، وكان التجمّع على أساس الوعد بإطلاق سراح جميع المعتقلين بحسب أقوالها. ثم أبلغت المشاركين عناصر من الشرطة والأجهزة الأمنيّة بزيّ عسكريّ ومدنيّ بضرورة مغادرة المكان خلال 10 دقائق، وبعد النقاش معهم حول سبب إصدار القرار، ومنع التجمّع، أخبروا المشاركين أنّه بناءً على قرار رئيس الوزراء بمنع التجمّع لأكثر من 7 أشخاص.

فقام المشاركون على أثر ذلك بالتفرّق، ووقفوا على الرصيف المقابل لمقرّ الشرطة على شكل 7 أفراد، كلّ سبعة معاً، وتقول الطبّيبة في إفادتها لمؤسّسة الضمير: "خلال أقلّ من 10 دقائق وصلت قوّة أمنيّة كبيرة بعدد من السيّارات، وقاموا بالهجوم والاعتداء على كلّ الموجودين بطريقة وحشيّة بالهراوات، وقبل أن نتحّرك للابتعاد تفاجأت بسحلنا وجرّنا على الأرض، لمسافة 10 أمتار تقريباً حتّى المدخل الخارجي لمقر الشرطة، في البداية بدأ السحل من خلال جرّنا  بعنف، وتمّ إكمال ذلك من قبل الشرطيّات بجرّنا من شعرنا مع لكمات على الوجه، وكنت أنا، ولم أعلم مَن أيضاً اعتُقل معي، حتى وصلنا الباب الداخليّ لمقر الشرطة، حيث تمّ اعتقالنا، وإدخالنا غرفة مساحتها لا تتعدّى 3*2 متر ، داخل المقر."

وأضافت: "وأثناء تواجدي في هذه الغرفة، شاهدت عدد من عناصر الشرطة تقوم بالتناوب بالاعتداء على ضرب المعتقلين من الشباب، وهنا أبلغت الشرطة والأمن الموجود في هذه الغرفة أنّني طبيبة، وأظهرت لهم بطاقتي كطبيبة، وطلبت منهم التوقّف عن الضرب بهذه الطريقة العنيفة لجميع المعتقلين. ثم بعد فترة بدأ عدد المعتقلين بالتزايد من الأشخاص رجالاً ونساءً، حيث كانوا يبقون الشباب على الأرض، ويستمرّون في ضربهم بطريقة وحشيّة وعنيفة، لدرجة توقّعت أنّه قد يكون هناك وجود حالات خطيرة نتيجة هذا الضرب الوحشيّ، ومن الممكن أن تؤدّي للوفاة."

وتُضيف: "حاولنا أنا وبعض المعتقلات الوقوف والطلب من المسؤولين أن يكفّوا عن ضرب المعتقلين، وكنت أصرخ عليهم بأنّ المعتقلين سيُقتلون إذا ما استمرّوا في ضربهم، وأثناء صراخي قام أحد عناصر الشرطة في دفعي وضربي بالحائط، لكنّني أصررت على معاينة المضروبين، حيث إنّ أحدهم فقد وعيه نتيجة الضرب، وطبعاً سمحوا لي بالمعاينة بعد فترة طويلة من الإلحاح والإصرار على طلب معاينتهم. ففوراً طلبت إحضار سيّارة إسعاف لنقلهم إلى المستشفى، ولم يتمّ ذلك إلّا بعد فترة تتعدّى 3-4 ساعات."

وتُكمل: "أثناء تواجدنا كان هناك باب يصل إلى ممرّ بجانب الغرفة التي كنت متواجدة فيها، حيث كانوا يُدخلون الشباب المعتقلين داخلها، وكنّا نسمع أصوات صراخ شديد وضرب، وكان ضرب جميع الموجودين في هذه الغرفة لا يتوقّف، مع العلم أنّ جزءاً من المعتقلين كانوا صحفيّين ومحامين وكانوا يصرّحون بذلك، ولكن لا أحد من الأمن اهتمّ. بعد ما يقارب الساعة والنصف من وجودنا داخل هذه الغرفة، تمّ فصلنا عن الشباب المعتقلين، وتمّ إدخالنا لغرفة داخليّة مكثنا فيها ما يقارب الساعتين، بعدها طُلب منّا التوجّه للطابق العلويّ لتوقيع تعهّد، حيث أخبرونا أنّه سيتمّ الإفراج عنّا بعد التوقيع على هذا التعهّد، طلبنا الاطّلاع عليه ولكنّهم رفضوا، فطلبنا الاتّصال بمحامي من أجل الاستفسار والاستشارة القانونيّة، وبعد رفضنا جميعاًنا التوقيع تمّ السماح لنا بالاتصال مع محامي، وأبلغناه عن التعهّد، وطلب بدوره منّا عدم التوقيع على أيّ ورقة، وأبلغونا أنّه نتيجة رفضنا سيتمّ توقيفنا، وأنّهم سيتّبعون الإجراءات ليتمّ عرضُنا في اليوم الثاني على النيابة. وبالفعل بدأوا معنا إجراءات التوقيف، وتسليم الأمانات، وأخبرونا بتجهيز أنفسنا للذهاب إلى الفحص الطبّيّ عند الخدمات الطبّيّة؛ من أجل النقل إلى السجن، وبعد أقلّ من ساعة، تمّ إبلاغنا أنّه سيتمّ الإفراج عنّا دون تعهّد، وبالفعل تمّ ذلك."

تقدّمت مؤسّسة الضمير ببلاغ للنائب العام العسكريّ للتحقيق الفوريّ في الشكوى المقدّمة للمؤسّسة من الطبيبة حول الاستخدام المفرط، وغير المبرَّر للقوّة من قبل عناصر الشرطة الذين اعتدوا على الطبيبة؛ لملاحقتهم، واتّخاذ المقتضى القانونيّ اللازم بحقّهم، إلّا أنّه حتّى هذه اللحظة لم يتمّ فتح التحقيق.

حالة المدافع عن حقوق الإنسان (أ. ع)، 37 عاماً

تعرّض المدافع عن حقوق الإنسان والأسير السابق (أ. ع) للاعتقال التعسفيّ مرتين في الفترة المذكورة على يد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة. جاء اعتقاله الأوّل بتاريخ 5/7/2021، وذلك أثناء تواجده على دوّار المنارة بعد الدعوة لتجمّع سلميّ للمطالبة بمحاسبة قتلة نزار بنات، حيث قامت عناصر الشرطة باعتقاله هو وآخرين قبل تجمّع المتظاهرين، ونُقل إلى مركز الشرطة في البالوع حيث احتُجز ليلة، عُرض في صباح اليوم التالي على محكمة صلح رام الله بتهمتَي التجمهر غير المشروع، وقدح المقامات العليا، وقرّرت المحكمة الإفراج عنه بكفالة شخصيّة. أمّا اعتقاله الثاني، فقد تم يوم 21/8/2021 حيث كان متوجّهاً نحو دوّار المنارة للمشاركة في تجمّع سلميّ للمطالبة بتحقيق العدالة لنزار بنات، والمطالبة بإجراء الانتخابات الفلسطينيّة العامّة.

وفور وصوله للمكان برفقة شخص آخر، توجّهت نحوهم قوّة أمنيّة ترتدي زيّها العسكري التابع للشرطة الخاصّة، ويرتدون أقنعة خاصّة، وقاموا باعتقاله هو والشخص الآخر. حيث نقلوهم إلى حافلة تابعة للشرطة، جلسوا فيها لما يقارب الساعة والنصف، تمّ خلالها اعتقال متظاهرين آخرين.

جرى نقل المعتقلين لمركز الشرطة في البالوع، وأنزلوهم في ساحة خارجيّة استمرّ تواجدهم فيها من الساعة السابعة مساءً حتى الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، وهذه الساحة لا يتواجد فيها كراسي إلّا لعدد قليل وغير كافٍ لكلّ المعتقلين. ثم قاموا بتسجيل معلومات المعتقلين وأخذ الأمانات، ونقلوهم إلى التحقيق؛ لأخذ إفاداتهم.

 في التحقيق، رفض (أ. ع) إعطاء إفادة، وأبلغ المحقّق أنّه مضرب عن الطعام والكلام، ليتمّ بعدها نقله مع باقي المعتقلين إلى الغرف مع المعتقلين الجنائيّين. تبلغ مساحة الغرفة التي نُقل إليها ما يقارب 35 متراً مربّعاً، فيها 8 أبراش؛ أي 16 سريراً، داخلها حمّامان و(دوش)، لا يوجد فيها تهوية فنوافذها صغيرة، وفيها 50 معتقلاً، جميعهم معتقلون جنائيّون باستثناء (أ. ع) معتقل على خلفيّة سياسيّة، الأسرّة المتواجدة لم تكن تكفي لعدد المعتقلين، فأحضروا فرشات إضافيّة إلّا أنّها أيضاً لم تفِ بالغرض، فتقاسم كلّ اثنين من المعتقلين فرشة، إمّا على الأرض أو على البرش.

جرى نقل المعتقلين على خلفيّة سياسيّة الساعة الرابعة فجراً لمقرّ الخدمات الطبّيّة العسكريّة، حيث جرى سؤالهم حول وضعهم الصحّيّ، وحول ما إذا تعرّضوا للضرب أو الاعتداء، ثمّ أعادوهم. نُقلوا صباح اليوم الثاني لمحكمة صلح رام الله، وعُرضوا على النيابة العامّة التي بدورها قامت باستجوابهم. قرّر (أ. ع) ممارسة حقّه بالالتزام بالصمت، وقرّرت النيابة تمديد توقيفه لمدّة 48 ساعة.

فور وصوله لنظارة الشرطة في البالوع، أبلغهم أنّه مضرب عن الطعام، وطلب عزله عن باقي المعتقلين غير المضربين، وحينها بدأت عناصر الشرطة المسؤولة بممارسة الضغط على المعتقلين الجنائيّين القابعين معه في الغرفة نفسها، حيث قامت بحرمانهم من الكانتينا والاتّصال الهاتفي مع عائلاتهم. قام ضابط في الشرطة باستدعائه وسؤاله حول مطالبه، فأجاب أنّها فصل المعتقلين السياسيّين عن المعتقلين الجنائيّين، وفصل المضربين عن غير المضربين، وتجميع المضربين عن الطعام في الغرفة نفسها، إلّا أنّ مطالبه قوبلت بالرفض.

في صباح اليوم الثالث، عُرض (أ. ع) على محكمة صلح رام الله بتهمتَي التجمهر غير المشروع والذمّ الواقع على السلطات، وقرّرت المحكمة الإفراج عنه بكفالة شخصيّة مقابل التزامه بحضور جلسات المحاكمة.

يفيد المدافع عن حقوق الإنسان (أ. ع) أنّ ظروف الاعتقال في المرتين كانت غير إنسانيّة، حيث تعاني الغرف من الاكتظاظ، وقلّة التهوية، وعدم وجود أسرّة وفرشات كافية لعدد المعتقلين، إضافة إلى قضيّة احتجاز المعتقلين السياسيّين مع الجنائيّين في الغرفة ذاتها.

"

                                                                                             الصورة عن شبكة المقدسيّ للإعلام

حالة الناشط السياسي (ع. ع)، 71 عاماً

تعرّض الناشط السياسيّ (ع. ع) للاعتقال التعسّفيّ ثلاث مرات على يد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في الفترة المذكورة؛ بسبب مشاركته في التجمّعات السلميّة المختلفة التي تمّت الدعوة لها. حيث اعتُقل للمرّة الأولى بتاريخ 5/7/2021 أثناء تواجده على دوار المنارة قبل بدء التجمّع السلميّ، ونُقل إلى مركز شرطة البالوع حيث احتُجز تعسّفيّاً لمدّة يوم. عُرض في صباح اليوم الثاني على محكمة صلح رام الله بتهمة التجمهر غير المشروع، وقرّرت المحكمة الإفراج عنه بكفالة شخصيّة.

أمّا اعتقاله الثاني فقد جرى يوم 21/8/2021 بعد أن تواجد على دوّار المنارة للمشاركة في تجمّع سلميّ؛ للمطالبة بمحاسبة قتلة نزار بنات، وإجراء الانتخابات الفلسطينيّة العامّة. حيث توجّه نحوه عناصر من الشرطة يحملون قوائم فيها أسماء، وقاموا باعتقاله هو ومجموعة من الرجال والنساء، ومن ثمّ نقلهم إلى مركز الشرطة في البالوع، في غرف تفتقد للتهوية، وتعاني من الاكتظاظ. وفي صباح اليوم التالي، عرض على النيابة التي وجّهت له تهمة التجمهر غير المشروع، وقرّرت تمديد توقيفه مدّة 48 ساعة. في صباح اليوم الثالث، عُرض على محكمة صلح رام الله التي قرّرت إخلاء سبيله بكفالة شخصيّة مقابل التزامه بحضور جلسات المحاكمة.

وما إن خرج الناشط السياسيّ (ع. ع) من مركز شرطة البالوع بعد استكمال إجراءات الإفراج عنه، توجّه إلى دوّار المنارة؛ للمشاركة في اعتصامٍ لأهالي المعتقلين على خلفيّة التجمّعات السلميّة؛ رفضاً للاعتقال السياسيّ. وأثناء وقوفه توجّه نحوه مدير شرطة مركز المدينة وطلب منه مغادرة المكان، إلّا أنّه رفض، وقال له: لن يترك الأهالي الذين تضامنوا معه في اعتقاله. عاد إليه مرّةً أخرى، وأخذه بجانب سيّارة الشرطة، وطلب منه المغادرة، بعد رفضه مجدّداً، طلب منه الصعود إلى سيّارة الشرطة، وبعد ما يقارب 10 دقائق، عاد إليه مع اثنين من الضباط، وطلبوا منه مغادرة المكان، فقال لهم: إنّه سينزل من السيّارة إلّا أنّه لن يغادر المكان، ولا يستطيع أحد ابتزازه بهذه الطريقة.

فبقي في سيّارة الشرطة ليتمّ نقله مجدّداً إلى مركز الشرطة في البالوع هو وخمسة من المعتصمين في المكان. عُرضوا بعد أن انتظروا ساعات في مكاتب المباحث العامّة على الخدمات الطبّيّة العسكريّة، ومن ثمّ أعادوهم إلى مركز الشرطة.

أدخلوا (ع. ع) إلى غرفة لا متّسع فيها للنوم، فقام أحد المعتقلين عن فراشه الذي يتقاسمه مع معتقل آخر وتنازل عنه لـ(ع. ع) حتّى ينام. حيث كانوا ما يقارب 18 شخصاً في غرفة تتّسع لـعشرة أشخاص فقط، حتّى قاموا بإحضار فرشات تمّ وضعها على الأرض في الممرّ المؤدّي إلى حمّام الغرفة.

في صباح اليوم الثاني، قام (ع. ع) بكتابة شكوى لمدير السجن تتعلّق بقضيّتين: الأولى حول سبب الاعتقال، والثانية حول ظروف الاعتقال والتوقيف السيّئة، وأُبلغ أنّه أوصلها لمدير جهاز الشرطة. ثم جرى نقله ومن معه إلى محكمة رام الله، وعُرض على النيابة العامّة التي قامت بتمديد توقيفه لمدّة 24 ساعة بتهم التجمهر غير المشروع، وإثارة النعرات الطائفيّة.

عند عودته من المحكمة إلى مركز الشرطة، رفض الدخول للغرفة التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الإنسانيّة، وبعد نقاش وحوار مع المسؤولين، تمّ نقله إلى غرفة ثانية أفضل نسبيّاً من الأولى. وفي اليوم ذاته عصراً، تمّ الإفراج عنه ومَن معه.

"

                                                                                      الصورة عن صحيفة الحدث

 

النيابة العامّة الفلسطينيّة والاعتقال على خلفيّة التجمّع السلميّ والانتماء السياسيّ

إنّ دور النيابة العامّة وفقاً للنظام القانونيّ الفلسطينيّ هو التحقيق والاتّهام، وتمثّل النيابة دور المدّعي في قضايا الحقّ العام باسم المجتمع.[2] والنيابة العامّة هي خصم شريف تسعى لتعزيز مبدأ سيادة القانون، وتكمُن رؤية النيابة العامّة الفلسطينيّة بحسب ما نشرته على موقعها الإلكترونيّ "بمجتمع فلسطينيّ يسوده القانون والعدل، ومبدأ الفصل بين السلطات، وتُحترم فيه الحقوق، وتُصان فيه الحرّيّات".[3] ومع كلّ هذه الاعتبارات، لا زالت النيابة العامّة الفلسطينيّة تتجاوز الدور المرسوم لها بموجب القانون، والذي يجب أن يكون منسجماً مع الضمانات الدستوريّة التي أقرّها القانون الأساسيّ في المادّة (11) منه، التي أكّدت على احترام الحقّ في الحرّيّة الشخصيّة،  والالتزام بالمعايير الخاصّة بضمانات القبض، والتوقيف الواردة في الاتّفاقيّات والمواثيق الدوليّة التي وقّعت عليها دولة فلسطين. حيث تنتهج النيابة سياسة إصدار مذكّرات الإحضار بحقّ مواطنين على خلفيّة سياسيّة، ومذكّرة الإحضار وفقاً للمادّة (106) من قانون الإجراءات الجزائيّة الفلسطينيّ تكون في حال لم يحضر المتّهم بموجب مذكّرة حضور، أو خشية من فراره. وتقوم النيابة العامّة بإصدار مذكّرات الإحضار بحقّ مواطنين على خلفيّة التعبير عن الرأي والنشاط السياسيّ المكفولَين في القانون الأساسيّ، والتشريعات ذات الصلة بناء على طلبات من الأجهزة الأمنيّة التي تتمتّع بصفة الضبط القضائيّ، دون مراجعة المسوّغات القانونيّة الداعية لمثل هذه المذكّرات، والتي في كثير من الأحيان لا يكون لها أساس في القانون، وثبتت لاحقاً من خلال إصدار المحاكم قرارات بالبراءة من الاتّهامات الموجّهة للنشطاء الذين تمّ توقيفهم.

لا يمكن التغاضي عن دور النيابة العامّة في إصدار مذكّرة إحضار بحقّ المرحوم نزار بنات قبل مقتله، على الرغم من أنّه لم يسبقها إصدار مذكّرة حضور. حيث أصدرت النيابة العامّة في دورا بتاريخ 4/5/2021 مذكّرة إحضار موجّهة لمدير شرطة الخليل، تأمر فيها بإلقاء القبض على المتّهم نزار بنات، وتأمين حضوره لمكتب نيابة دورا؛ لاتّخاذ الإجراءات القانونيّة بحقّه بتهمة الذمّ الواقع على السلطة، خلافاً لأحكام المادّة (45) من القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018، بدلالة المادّة (191) عقوبات رقم 16 لسنة 1960. وبالرغم من عِلم النيابة العامّة بأنّ المرحوم نزار بنات يمارس حقّه في التعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وأنّ فعله لا يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون، بل على العكس، فهو عمل محميّ بموجب القانون الأساسيّ الفلسطينيّ، والاتّفاقيّات الدوليّة الموقِّعة عليها فلسطين، إلّا أنّها عملت على إصدار مذكّرة إحضار، وتوجيهها للأجهزة الأمنيّة في محاولة لتجريم التعبير عن الرأي، ووضعه في إطار الذمّ الواقع على السلطة.

إنّ الاعتقال على خلفيّة الرأي والتعبير من خلال قيام النيابة بإصدار مذكّرات الإحضار يُفقد النيابة العامّة دورها الأساسي في حماية الحقوق والحريّات المكفولة في القانون الأساسيّ، ويجعلها خصماً غير عادل في دعوى الحقّ العام، ويجعلها غير مستقلة في أداء مهمّاتها، في شكل يناقض رؤيتها المُعلنة، ويناقض الدور المنوط بها في تكريس العدالة، وسيادة القانون دون تمييز بين المواطنين، وحماية الحقوق الأساسيّة والحرّيّات العامّة.

إنّ ما تنتهجه النيابة العامّة الفلسطينيّة لا يقتصر على إصدار مذكّرات إحضار بحقّ مواطنين على خلفيّة حريّة الرأي والتعبير، أو على خلفيّة سياسيّة، بل يمتدّ إلى توقيف النشطاء على خلفيّة الحقّ في التجمّع السلميّ، والحقّ في التعبير عن الرأي والانتماء السياسيّ. حيث عملت النيابة العامّة في الفترة الأخيرة في إطار صلاحيّاتها المنصوص عليها في المادّة (108) من قانون الإجراءات الجزائيّة التي تجيز لوكيل النيابة العامّة توقيف المتّهم بعد استجوابه لمدّة 48 ساعة. وقامت بتمديد توقيف عدد من المعتقلين على خلفيّة التجمّعات السلميّة التي أقيمت في الفترة المذكورة للمدّة الممنوحة لها، على الرغم من أنّ اعتقالهم بالدرجة الأولى من قبل الأجهزة الشرطيّة هو اعتقال تعسّفيّ وغير قانونيّ، حيث عبّر الفريق المعنيّ بالاحتجاز التعسفيّ في الأمم المتّحدة ولجان المعاهدات، ولجنة حقوق الإنسان بخاصّة التي تضطلع بدور الرقابة على مدى التزام الدول في إنفاذ أحكام العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة عن أنّ أيّ اعتقال أو توقيف بسبب ممارسة الحقوق الأساسيّة لحقوق الإنسان يندرج ضمن مفهوم الاحتجاز التعسّفيّ. فضلاً عن استخدام التوقيف عقوبة خلافاً لما نصّ عليه القانون، وخلافاً للغاية التي شرّع لأجلها التوقيف كتدبير احترازيّ. 

إنّ سلوك النيابة العامّة فيما يتعلّق بممارسة الحقوق والحريّات اكتنفه التمييز ما بين المواطنين في انتهاك للقانون الأساسيّ، وبخاصّة المادّة التاسعة منه، ففي الوقت الذي تقوم به النيابة العامّة بإصدار مذكّرات حضور وإحضار، وتعمل على توقيف وتمديد توقيف النشطاء، تقدّمت مؤسّسة الضمير بـأحدَ عشرَ بلاغاً حول تعرّض مواطنين للاعتداء أثناء التجمّعات السلميّة، منها: 4 بلاغات قُدّمت للنيابة العسكريّة؛ لأنّ المعتدين يتبعون للأجهزة الأمنيّة والشرطيّة، و7 بلاغات قُدّمت للنيابة العامّة المدنيّة؛ لأنّ المعتدين هم من المدنيّين، أو في زيّ مدنيّ، وبالتالي هناك حاجة للتأكّد من أنّهم يتبعون للأجهزة الأمنيّة من عدمه. وجاءت هذه البلاغات بناءً على توجُّه المواطنين للمؤسّسة مطالبين بتقديم الشكاوى نيابةً عنهم. وحتّى هذه اللحظة لم يتمّ فتح تحقيق في هذه البلاغات، باستثناء شكوى واحدة تقدّم بها مواطن حول تعرّضه للاعتداء والسرقة أثناء تجمّع سلميّ من قبل شخص بزي مدني، حيث تبين أنه عسكري وأحيل الملف للنيابة العسكريّة التي قامت بتقديم لائحة اتهام بحقه بتهمتي الاعتداء والسرقة، وقُدم للمحاكمة وما زالت إجراءات محاكمته مستمرة.

إنّ تأخُّر النيابة في التحقيق بالبلاغات حول تعرّض المواطنين للاعتداء يؤدّي إلى ضياع أدلّة الإثبات أو تلفها، ويؤدّي إلى صعوبة التعرّف والوصول إلى الأشخاص المعتدين؛ ما يؤدّي إلى غياب العدالة، وينتهك مبدأ سيادة القانون، ويُعدّ تخلّفاً من النيابة عن القيام بالمسؤوليّات والالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب القانون.

 

القضاء الفلسطينيّ وقضايا الاعتقال على خلفيّة التجمّع السلميّ والانتماء السياسيّ

إنّ دور القضاء الفلسطينيّ في قبول الدعاوى، والسير في إجراءات المحاكمة بحقّ المعتقلين على خلفيّة التجمّع السلميّ، مع العلم أنّ الوقائع المسندة في لائحة الاتّهام غير متطابقة مع النصّ القانونيّ الوارد في قانون العقوبات، ينبع من تساهُل القضاة في ملاحقة المواطنين على خلفيّات التجمّع السلميّ، وحرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ. وعلى الرغم من أنّ القضاة الذين عُرض عليهم معتقلون على خلفيّة التجمّع السلميّ قاموا بإصدار قرارات بإخلاء سبيل المعتقلين بكفالات سواء شخصيّة أو ماليّة، وعدم الإبقاء على حجز حرّيّتهم، إلّا أنّ ذلك يعني أنّهم ماضون في محاكمة المواطنين المفرَج عنهم؛ بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسيّة، كالحقّ في التجمّع السلميّ.

بتاريخ 30/11/2021، أصدرت محكمة صلح رام الله حكماً ببراءة 7 نشطاء من تهمة التجمهر غير المشروع وذلك لعدم كفاية الأدلة. وكانت الشرطة الفلسطينية قد اعتقلت كل من: أحمد خاروف، أبيّ عابودي، يحيى أبو الرب، عمر الجلاد، عدلي حنايشة، حسام برجس، وعمر علي في مناطق مختلفة قريبة من دوار المنارة قبيل بدء تجمع سلمي كان قد دعي له للمطالبة بمحاسبة قتلة نزار بنات. ونقل المعتقلون في حينها لمقر الشرطة في البالوع، وفي صباح اليوم التالي بتاريخ 6/7/2021 تم عرضهم على محكمة صلح رام الله التي قررت الإفراج عنهم بكفالة شخصية بقيمة 1000 دينار لضمان حضورهم جلسات المحاكمة. واستمرت جلسات المحاكمة على مدار 4 أشهر قبل أن تحكم المحكمة ببراءتهم من التهمة المنسوبة لهم.

يبرز من خلال سنوات عمل مؤسّسة الضمير الطويلة في الاعتقال السياسيّ، ومتابعة قضايا المعتقلين أمام القضاء الفلسطينيّ أنّ ما نسبته 99% من الملفّات التي ينظرها القضاء على خلفيّة حرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ تنتهي ببراءة المتّهم من التّهم المسندة إليه، وغالبيّتها بسبب عدم كفاية الأدلّة. وهذا دليل على استخفاف منظومة العدالة الفلسطينيّة بحقوق المواطنين، حيث يمرّ المعتقل السياسيّ برحلة طويلة من المماطلة، تبدأ من الاعتقال وحجز الحرّيّة، مروراً بالتحقيق لدى الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة والتي يتعرّض فيها المعتقل في عديد من الأحيان للتعذيب وسوء المعاملة، وصولاً للمحاكمة أمام القضاء المختصّ، من خلال عدد من الجلسات التي تُعقد على مدار أشهر طويلة تنتهي ببراءة المتّهم.

يُعدّ القضاء أحد أهمّ الآليّات الوطنيّة لحماية الحقوق والحرّيّات، ولهذه الغاية فإنّ القضاء المستقلّ والنزيه والمحايد هو الضمانة الأساسيّة لاحترام مبدأ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، حيث يقع على القضاة الفلسطينيّين واجب حماية حقوق المواطنين الأساسيّة، وحرّيّاتهم العامّة تحديداً في ظلّ توقيع دولة فلسطين على الاتّفاقيّات والمواثيق الدوليّة التي تكفل هذه الحقوق، حيث يقع عليهم واجب التحقّق من كون السلطة التنفيذيّة ملتزمة بمسؤوليّاتها تجاه المواطنين، وفي حال وقوع انتهاك، أن يقوم القضاة بمحاسبة ومساءلة الذين أوقعوا الانتهاك. كما يتوجّب على القضاة الحفاظ على استقلاليّتهم بمواجهة أيّ محاولات للتأثير، أو الانجرار خلف أهواء السلطة التنفيذيّة، والكفّ عن قبول الدعاوى، والسير في إجراءات محاكمة مواطنين على خلفيّة التجمّع السلميّ، وحرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ.

إنّ أهمّ ضمانة لحقوق الإنسان هي مبدأ سيادة القانون، وفي ظلّ غياب سيادة القانون، وغياب الفصل بين السلطات تبرز الانتهاكات التي ترتكبها السلطتين التنفيذيّة والقضائيّة بحقّ المواطنين؛ ما يعزّز عدم ثقة المواطنين بالسلطات، وبمنظومة العدالة ككلّ، ويؤسّس لحالة من العصيان تحديداً في ظلّ التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسيّ. ففي الفترة الأخيرة، برز التمييز الذي مارسته السلطات بحقّ المواطنين في التجمّعات السلميّة، حيث لم تعترض السلطة التنفيذيّة بأجهزتها أيّ من التجمّعات التي أقامتها حركة فتح أو أهالي المتهمين بقتل نزار بنات، ولم يُلاحَق أيّ من منظّميها أو المشاركين فيها، بينما تعرّضت تجمّعات أخرى معارِضة للقمع الشديد والملاحقة والاعتقال. وهذا التمييز الذي مورس بحقّ المواطنين الفلسطينيّين يخالف بشكلٍ صارخ المادة التاسعة من القانون الأساسيّ الفلسطينيّ التي تحظر التمييز بين الفلسطينيّين أمام القانون والقضاء على أساس الرأي السياسيّ، والمادّة (26) التي تكفل حقّ المواطنين بالمشاركة في الحياة السياسيّة، وعقد الاجتماعات العامّة والتجمّعات في حدود القانون. إضافة إلى مخالفة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والعهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة اللذين يحظران التمييز على أساس الرأي السياسيّ؛ ما يستلزم إجراء محاسبة شاملة وفوريّة لكلّ مَن تورّط في جرائم التمييز، والاعتداء والتعذيب، والاعتقال التعسّفيّ.

 

 

[1] كلّما وردت جملة "الفترة المذكورة" تعني ما بين تاريخ 24/6/2021 حتّى 25/8/2021.

[2] مصطفى عبد الباقي، شرح قانون الإجراءات الجزائيّة الفلسطينيّ رقم (3) لسنة 2003 (فلسطين: وحدة البحث العلمي والنشر-كليّة الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، 2015)، 83.

[3] الموقع الرسميّ للنيابة العامّة في فلسطين، http://www.pgp.ps/ar/PP/Pages/MissionVision.aspx، تم ّالدخول إلى الموقع بتاريخ: 5/10/2021.