القوانين المستحدثة والتعديلات القانونيّة خلال العام 2023 اتّبعت الحكومات الإسرائيليّة المتتالية نظام الفصل العنصريّ على الأراضي الفلسطينيّة، لكنّ هذا النظام ازداد وطأةً وقساوة منذ استلام الحكومة اليمينيّة المتطرّفة الحكم منذ بداية العام 2023، حيث سارعت في إصدار قوانين وتعديلات على قوانين تستهدف الأسرى وعائلاتهم بشكل مباشر ، في محاولات من الحكومة بفرض المزيد من العقوبات على الأسرى وعائلاتهم من خلال فرض العقوبات الماليّة عليهم، وسحب الجنسيّة، أو الإقامة من الأسرى المقدسيّين، وترحيل عائلاتهم، وحرمان الأسرى المقدسيّين من الحصول على تمويل من الحكومة الإسرائيليّة للعلاج الطبّيّ، وغيرها العديد من القوانين والتي تجاوز عددها ما بين قوانين جديدة أو تعديلات على قوانين )30( قانوناً . ويدخل ضمن هذه القوانين العديدة كيف تمّ استغلال أحداث 7 أكتوبر لفرض واقع قانونيّ على جانبي الخطّ الأخضر، مع الحفاظ على سياسات التمييز العنصريّ، إذ طُبِّقت هذه الإجراءات على الفلسطينيّين بصورة متفاوتة من ناحية المدد الزمنيّة، وبعض الإجراءات ما بين الأرض المحتلّة وفلسطين التاريخيّة، وأصبح إعلان الحكومة عن حالة الطوارئ الخاصّة يوم 8 أكتوبر هو الأساس القانونيّ لهذه التعديلات، والإجراءات كافّة. القوانين سلاح فتّاك في يد الحكومة اليمينيّة إنّ استلام الحكومة اليمينيّة المتطرّفة للحكم في دولة الاحتلال منذ بداية عام 2023 شكّل تحوّلاً حادّاً في السياسة والتشريعات بشكل عام، وما يخصّ الأسرى الأمنيّين بشكل خاصّ. بدأت هذه الحكومة اليمينيّة بسنّ سلسلة من التشريعات التي تندرج تحت مِظلّة العنصريّة، وتستهدف الفلسطينيّين بشكل خاصّ. أحد أبرز تلك التشريعات هو الاستهداف الواضح للنواحي الصحّيّة، حيث تمّ حرمان السجناء من حقوقهم الصحّيّة الأساسيّة؛ ما يُعدّ انتهاكاً صارخاً للقوانين الدوليّة والأخلاقيّات الإنسانيّة. هذا التوجيه العنصريّ يعكس عدم المساواة في مجال الرعاية الصحّيّة، ويجسّد أحد أوجه الفصل العنصريّ الذي يستهدف الأسرى الأمنيّين دون الأسرى الجنائيّين في السجون، حيث إنّه في تاريخ 22/2/2023 صادقت الهيئة العامّة للكنيست بالقراءة التمهيديّة على مشروع قانون ينصّ على حرمان الأسرى من الحصول على تمويل من الحكومة الإسرائيليّة للعلاج الطبّيّ الذي يتجاوز الرعاية الطبّيّة الأساسيّة، ويهدف الى "تحسين جودة الحياة"، ويدخل ضمن ذلك الأدوية غير المشمولة في سلّة الخدمات الصحّيّة . وتعقيباً على هذا القانون أقرّ "بن غفير" أنّ علاج الأسنان الذي يشمل الفحوصات الأوّليّة للأسرى ستكون جميعها على نفقتهم الشخصيّة. وبدأت إدارة السجون الخصم من أموال الأسرى المخصّصة للكانتينا لدفع علاج أسنانهم، فمقابل كلّ ساعة علاج يستخدم فيها الأسير عيادة السجن سيتمّ خصم مبلغ (175) شيكلاً، وفي بداية النصف الثاني من عام 2023 بدأت عمليّة الخصم بشكل فعليّ من بعض الأسرى في سجن عسقلان . ويجدر ذكر أنّ المبالغ المسموح للأهالي بإدخالها شهريّاً للكنتينا محدّدة بسقف (1200) شيكل فقط. وعلى صعيد ماليّ، تظهر سياسات الحكومة الجديدة رغبتها في الهيمنة على أموال وممتلكات الأسرى وعائلاتهم. لتصبح هذه السياسات جزءاً من نظام يهدف إلى تكريس الهيمنة والسيطرة الاقتصاديّة؛ ما يفاقم التميّيز ضدّ الأسرى الأمنيّين وعائلاتهم. وفي تاريخ 12/6/2023 بدأت لجنة الخارجيّة والأمن برئاسة عضو الكنيست "يوئيل إدلشتاين" مداولاتها لإعداد اقتراح قانون تعويض عائلات ضحايا "الإرهاب"، حيث ينصّ القانون على السماح للمتضرّرين من العمليّات الإرهابيّة برفع دعاوى إضرار ضدّ المنفّذين، والحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت بهم. ويمكن تنفيذ أحكام المحكمة من خلال الممتلكات التي يملكها الفلسطينيّون منفّذو العمليّات، أو من خلال أموال السلطة الفلسطينيّة المجمّدة لدى الاحتلال، بحسب قانون تجميد الأموال التي دفعتها السلطة الفلسطينيّة للمتورّطين بتنفيذ العمليّات لسنة 2018. وسخّرت الحكومة الإسرائيليّة ما تملك لكي تجرّد مدينة القدس، ويصل أعداد الفلسطينيّين الساكنين فيها إلى الحدّ الأدنى، وذلك من خلال وضع مقترح لقانون إجراميّ تعسُّفيّ، يعكس التطرُّف الكامن في أعضاء الكنيست، وهو القانون الذي يقضي بسحب الجنسيّة، أو الإقامة المقدسيّة من الأسرى الفلسطينيّين المقيمين في القدس، أو الداخل المحتلّ، في حال ثبت تلقّيهم تعويضات، أو أموالاً من السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة. وما يؤكّد أنّ هذه القوانين مبتغاها الرئيسيّ هو استهداف الفلسطينيّين، ومحاربتهم من خلال هذه القوانين، وتقدم أعضاء الكنيست للتصويت على مقترح القانون من غير الالتزام بفترة الأسبوعين لطرح مسوّدتة على الكنيست. وبناء على هذا القانون، سيتمّ إلغاء الإقامة الدائمة من قبل وزير الداخليّة بعد التشاور مع لجنة استشاريّة، والحصول على موافقة وزير القضاء، فيما سيتمّ إلغاء المواطنة من قبل المحكمة، على أساس طلب من وزير الداخليّة بعد التشاور مع لجنة استشاريّة، والحصول على موافقة وزير القضاء. وتمّت المصادقة على هذا القانون بتاريخ 15/02/2023 ودخل حيّز التنفيذ، وأصبح قابلاً للتطبيق على جميع الأسرى من تاريخ 19/02/2023. وفي سياق آخر، يتمّ تنفيذ سياسات الحكومة المتطرّفة عبر إجراءات قاسية تتضمّن طرد أهالي الأسرى من أماكن سكنهم. يصبح هذا الإجراء جزءًا من استراتيجيّة أوسع لتحقيق أهداف عنصريّة، حيث يتمّ تجريد أهالي الأسرى المستهدفين من أبسط حقوقهم الأساسيّة، ويصبحون عرضة للإقصاء والنقل القسريّ من أماكن سكنهم ومن منازلهم. وتظهر تعسفيّة هذه القوانين من خلال نصّها على طرد أهالي الأسرى أو الشهداء الذين يكونون فقط على علم بأنشطة أبنائهم، وفي تاريخ 15/02/2023 صادقت الهيئة العامّة للكنيست في قراءة تمهيديّة على مشروع قانون قدّمه عضو الكنيست "حانوخ ميلبيتسكي"، يقضي بترحيل عائلات الأسرى، أو الشهداء الذين يكونون على علم بالعمليّات الإرهابيّة -كما عبّر عنها الكنيست-، أو أبدوا تأييدهم، أو تشجيعهم، أو تعاطفهم معها. إنّ هذه الممارسات التي تستهدف جزءاً من السكّان لا تُظهر إلّا وجهاً آخر للفصل العنصريّ. وتتّسم هذه السياسات بالعنف والظلم، وينعكس فيها تصاعد التمييز وفقًا لمعايير عنصريّة، وتحمل هذه الأفعال وراءها عدم احترام القيم الإنسانيّة الأساسيّة، وتهديداً جادّاً لاستقرار المجتمع وتنميته. وطالت تعديلات "بن غفير" قانون الإفراج المبكّر، الذي ألغى فيه الإفراج المبكّر المعروف "بالمنهلي" كإجراء عقابيّ يُفرَض على بعض الأسرى المصنّفين تحت "أعمال الإرهاب". وجاء التعديل على المادّة (68) التي كانت تتيح الإفراج المبكّر عن الأسرى الذين أمضوا مدّة معيّنة من محكوميّتهم، واستوفوا شروط الإفراج المبكّر، بسبب عدم اتّساع السجون. وهذا تعديل مؤقّت سيبقى نافذاً حتّى الشهر السابع من عام 2024. تمّت الموافقة على هذا التعديل في الكنيست بالقراءة الثالثة بتاريخ 19/09/ 2023. وبلغت العنصريّة والتمييز ذروتها حينما ناقشت لجنة شؤون الأمن القوميّ بالكنيست، برئاسة "تسفيكا فوغل" من حزب "عظمة يهوديّة"، مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيّين، الذي أُعيد طرحه من الحكومة الإسرائيليّة عقب معركة "طوفان الأقصى"؛ بغية المصادقة عليه بالقراءة الأولى، والإسراع بالمصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة ليكون نافذاً بشكل فوريّ. وينصّ مشروع القانون على أنّ "الشخص الذي يتسبّب عمداً، أو من خلال اللامبالاة بوفاة مواطن إسرائيليّ، وعندما يحدث الفعل بدافع العنصريّة، أو العداء تجاه الجمهور اليهوديّ، وبهدف الإضرار بدولة إسرائيل وأمنها، ونهضة الشعب اليهوديّ، يُحكم عليه بالإعدام"، علماً أنّه لا توجد في النسخة الحاليّة للقانون أيّ تفاصيل حول كيفيّة تنفيذ عقوبة الإعدام. ونقلت صحيفة "معاريف" العبريّة عبر موقعها الإلكترونيّ، عن "بن غفير" قوله: إنّ "الكنيست سيناقش الإثنين 20/11/2023، التحضير للقراءة الأولى لقانون عقوبة الإعدام لأسرى فلسطينيّين". وننوّه أنّه في آذار الماضي، صادق الكنيست بقراءة تمهيديّة على مشروع قانون يتيح فرض عقوبة الإعدام بحقّ أسرى فلسطينيّين مدانين بقتل إسرائيليّين، تقدّمَ به "بن غفير"، وأيّده رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، لكنّ القانون لم يتمّ تمريره في القراءتين الثانية والثالثة. يسود التمييز أيضاً على معاملة الأطفال، حيث يحمي القانون المدنيّ الإسرائيليّ الأطفال من الاعتقالات الليليّة، ويمنحهم حقّ حضور أحد الوالدين أثناء الاستجوابات، ويحصر المدّة التي قد يُحتجز فيها الطفل قبل تمكّنه من التواصل مع محامٍ وعرضه على قاضٍ. مع ذلك، تعتقل السلطات الإسرائيليّة بانتظام الأطفال الفلسطينيّين في مداهمات ليليّة، وتحقّق معهم دون حضور وليّ الأمر، وتحتجزهم لفترات مطوّلة قبل عرضهم على قاضٍ، وتحرمهم من لقاء المحامي. وترجمت محاولات السلطات الإسرائيليّة في ملاحقة الأطفال الفلسطينيّين، الذين صنّفتهم "بالإرهابيّين" من خلال مشروع قانون يسمح بملاحقة الأطفال ابتداء من سنّ 12 عاماً، مع العلم أنّ السنّ القانونيّ للملاحقة والسجن هو 14 عاماً. فبتاريخ 5/07/2023 صادقت الكنيست بالقراءة التمهيديّة على مشروع قانون طرحه النائب "يتسحاق كرويزر"، يناقش إمكانيّة فرض الحبس الفعليّ على الأطفال من سنّ 12 عاماً بدلاً من إرسالهم إلى مؤسّسات لإعادة التأهيل، على أثر قيامهم بعمليّات "إرهابيّة"، أو قيامهم بعمليّات بناء على "خلفيّات قوميّة" التي يصنّفها الاحتلال على أنّها إرهابيّة. وشرح بياناً تمّ نشره على الموقع الرسميّ للكنيست أنّه في عام 2016 تحدّد هذا المشروع ضمن القوانين المؤقّتة سارية المفعول لثلاث سنوات، وكان القانون المؤقّت يسمح بسجن الأطفال الذين أُدينوا بجرائم قتل، أو بمحاولة القتل بشرط أن تُنفّذ بعد بلوغ الطفل سنّ 14. ويقضي القانون الحاليّ بتحويل القانون المؤقّت الذي انتهى سريانة عام 2019 إلى تشريع دائم، مع تقليصه إلى جرائم القتل التي ارتُكبت كجزء من عمل إرهابيّ، مع إزالة القيد الذي يلزم تنفيذ العقوبة ابتداء من سنّ 14 . التعديلات القانونيّة في الضفّة الغربيّة بعد السابع من أكتوبر اجتمع المجلس الإسرائيليّ الوزاريّ المصغّر لقضايا الأمن القوميّ، أو ما يُعرف بـِ"الكابينت الأمنيّ -السياسيّ" في تاريخ 7/10/2023 وأعلن حالة الحرب، وبدأ العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، وبالتوازي ومنذ هذا الإعلان، سخّرت دولة الاحتلال قدراتها المتمثّلة بالمشرّع الإسرائيليّ (الكنيست)، والوزراء، والقائد العسكريّ بإجراء تعديلات واقتراح مشاريع قوانين لتكون أداة تنفيذيّة في يد قوّات الاحتلال لتوسيع رقعة الاعتقالات في الضفّة الغربيّة، والداخل المحتلّ على حدّ سواء، وتمّ التعديل على شروط الاحتجاز وأماكنه؛ ليتسنّى استيعاب أكبر عدد من المعتقلين حتّى لو تمّت ممارسة انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسيّة . جاء أوّل تعديل من خلال "الأمر العسكريّ المؤقّت رقم 2141"، بشأن عقد جلسات تمديد التوقيف، والمراجعة القضائيّة، وأوامر الاعتقال الإداريّ من خلال تقنية "الفيديو كونفرنس" . وقد عُلّقت الإجراءات كافّة في الملفّات التي كان قد قُدِّمَ بها لوائح اتّهام سابقاً، ولاحقاً، تمّ تعديل هذا الأمر ليشمل جلسات تقديم لوائح الاتّهام، وافتتاح المحاكمة من خلال تقنية الفيديو . وبالتوازي مع هذا التعديلات القانونيّة، باشرت مديرة مصلحة السجون "كيتي بيري" بإصدار تعليمات تخصّ الإجراءات داخل مصلحة السجون، وتهدف إلى التضييق على نشاطات الأسرى في السجون إلى حدّها الأدنى من خلال إعلانها الذي تمّ نشره في تاريخ 16/10/2023، والتي أعلنت من خلاله العمل بموجب قانون الطوارئ، والذي بالضرورة يوقف العمل بموجب قوانين مصلحة السجون التي تنصّ على الحقوق الأساسيّة للأسرى الفلسطينيّين، وطبيعة العلاقة التي تحكم مصلحة السجون مع الأسرى، وبهذه الذريعة أصدرت "بيري" تعليمات لوحدات السجون بخصوص الأسرى الفلسطينيّين تحثّ على الحفاظ على أمن السجون، إلّا أنّ هذه التعليمات تمّت ترجمتها بممارسات قمعيّة، وضرب مبرح لم يستثنِ أيّ أسير في أيّ من السجون المركزيّة الإسرائيليّة. وبدورها أصدرت "بيري" بياناً مغايراً بالعودة للعمل وفق لوائح مصلحة السجون في الشقّ المتعلّق بالسجناء الجنائيّين الإسرائيليّين ، فيما بقي الأسرى الأمنيّون تحت حالة الطوارئ حتّى كتابة هذا التقرير. تتيح إجراءات الاعتقال استناداً إلى" الأمر العسكريّ رقم 1651" تحديداً بموجب المادّة (31)، اعتقال الشخص 96 ساعة قبل عرضه على سلطة قضائيّة، وهذا الإجراء مطبّق منذ عام 2012. ولكنّ سلطات الاحتلال أبقت على الإجراء الذي يتيح اعتقال الشخص لمدّة 8 أيّام مباشرة دون عرضه على أيّة سلطة قضائيّة، في حال جاء الاعتقال في سياق "عمليّة عسكريّة"، أو "حرب على الإرهاب"، وفي هذه الحالة يمنع المعتقل مباشرة من لقاء محاميه لمدّة يومين من تاريخ اعتقاله . ولاحقاً، تمّ تعديل المادّة (33) لتوضيح أنّ مدّة 8 أيّام تعني 192 ساعة كاملة من موعد توقيع قرار الاعتقال ، وقد أتاح هذا مزيداً من الوقت لاحتجاز المعتقلين قبل عرضهم على سلطة قضائيّة؛ وذلك بسبب أعداد الاعتقالات التي كانت في تزايد مستمرّ منذ السابع من أكتوبر، ولكي يتسنّى للنيابة والمحاكم العسكريّة العمل على جميع هذه الملفّات، تمّ إجراء هذه التعديلات، والتي تتنافى مع حقّ المعتقل في ضمانات المحاكمة العادلة. لقد طالت التعديلات أيضاً إجراءات الاعتقال فيما يتعلّق بإصدار أمر الاعتقال الإداريّ، وأيضاً إجراءات المراجعة القضائيّة، وجاءت "تعليمات الساعة" لتستبدل فترة التوقيف بهدف إصدار أمر اعتقال إداريّ من 72 ساعة لتصبح 144 ساعة، أي ما يعادل 6 أيّام. وفي حال كان المعتقل رهن التوقيف بغرض تقديم لائحة اتّهام، أو التحقيق وقرر القاضي إطلاق سراحه، فيمكن للنيابة العسكريّة طلب توقيف المعتقل لِـ 144 ساعة لفحص إمكانيّة إصدار أمر اعتقال إداريّ. وإذا صدر أمر اعتقال إداريّ، فبموجب هذا التعديل يجب إحضار المعتقل لإجراء عمليّة المراجعة القضائيّة لأمر الاعتقال خلال 12 يوماً بدلاً من 8 أيّام كما كان سابقاً. وما يظهر تعسّفيّة هذه القرارات وعنصريّتها وذلك بالرجوع إلى القانون الإسرائيليّ، الذي ينصّ على وجوب عرض السجين على قاضٍ خلال 24 ساعة من اعتقاله، ويمكن تمديدها إلى 96 ساعة عندما يُسمح بذلك في حالات استثنائية. أمّا بموجب القانون العسكريّ فينطبق على الفلسطينيّين إجراءات وسياسات مجحفة تمسّ بحقوقهم الدستوريّة، ومع ذلك تستخدمة دولة الاحتلال من خلال المحاكم الإسرائيليّة لفرض أشدّ العقوبات على الفلسطينيّين من خلال الإجراءات، وفترة العقوبة على حدّ سواء. أمّا على صعيد العقوبات، فأصبحت القاعدة السائدة لدى سلطات الاحتلال أنّ المتّهم مدان بالتحريض حتّى إثبات البراءه، وخاصّة بهدف ملاحقة الناشطين، والصحفيّين، والطلّاب، وكلّ من يجرؤ على التعبير عن رأيه، لفرض الترهيب والسيطرة على أفراد المجتمع الفلسطينيّ كافّة؛ ما كشفت عن ممارسات أبعد من العنصريّة، بحيث أصبح فلسطينيّو الداخل متّهمين بدعم الإرهاب حتّى تثبت براءتهم، وليس العكس. فأصبح جميع الفلسطينيّين الذين يمارسون أبسط الحقوق الدستوريّة، كالحقّ في التعبير عن الرأي على رأس قائمة الاستهداف لقوّات الاحتلال، إضافة إلى تحويل المظاهرات الداعمة للقضيّة الفلسطينيّة في الداخل المحتلّ إلى فرص لاعتقال المشاركين فيها، ومحاكمتهم بناء على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2016، حيث قامت دولة إسرائيل بقمع مظاهرات في مدينتي أم الفحم وحيفا، واعتقلت عدداً من المتظاهرين، حيث رصد مركز عدالة 12 حالة اعتقال على خلفيّة مظاهرة أم الفحم بتاريخ 19/10/2023، وتمّ الإبقاء على احتجاز بعضهم . علاوة على ذلك، درست دولة الاحتلال احتماليّة إدخال تعديل على تعليمات الشرطة، والتي هدفها السماح للشرطة بإطلاق النار تجاه المتظاهرين بسبب "تهديدهم للنظام العام". ولم يسلم الصحفيّون، والطلبة، والناشطون في الداخل المحتلّ من الملاحقة والاستهداف، ولم تكتفِ دولة الاحتلال باعتقالهم فقط، بل قامت قوّات الاحتلال بتصوير بعضهم وهم مكبّلون، ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل ما حدث مع المحامية أصالة أبو بكر، والممثّلة ميساء عبد الهادي، والذي يُعدّ انتهاكاً لخصوصيّتهم، وينتهك حقّهم في محاكمة عادلة. وبناء على ذلك تمَّ التعديل على عقوبة مخالفات التحريض ومساندة "منظّمة معادية" لتكون سنتي سجن، شرط ألَّا تقلّ فترة السجن الفعليّ عن نصف هذه المدّة، ويسري هذا التعديل حتّى بداية العام القادم . وفي الداخل المحتلّ يمكن سجن الفلسطينيّين لمشاركتهم في تجمّعات تضمّ 10 أشخاص فقط بشأن موضوع "يُمكن تفسيره كسياسيّ" دون ترخيص، بينما يمكن للمستوطنين التظاهر دون ترخيص في تجمّعات ما لم يتجاوز عددهم 50 شخصاً، وتجري في مكان مفتوح، وفيها "خطب وبيانات سياسيّة"، وبالرغم من عيش الفلسطينيّين، والمستوطنين الإسرائيليّين في المنطقة نفسها، لكنّهم يُحاكمون بموجب قوانين مختلفة، ويواجهون اختلافاً في الإجراءات القانونيّة واجبة الاتّباع في المحاكم، ويواجهون أحكاماً مختلفة على "الجرائم" ذاتها، وذلك يعود لعدم تطبيق الأوامر العسكريّة على فلسطينيّي الداخل المحتلّ. ولتكتمل منظومة القمع والسيطرة، داخل السجون وخارجها، كان لا بدّ من إجراء تعديلات أيضاً على قوانين مصلحة السجون في دولة الاحتلال؛ لإضافة الشرعيّة على احتجاز آلاف المعتقلين الجدد في ظروف قاسية وحاطّة بالكرامة، ولا تحتوي على الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش الآدمي. حيث تمّ إقرار "قانون تعديل أوامر مصلحة السجون" بتاريخ 18 تشرين أوّل 2023 ، ليتمكّن "وزير الأمن القوميّ" "ايتمار بن غفير"، من إعلان حالة طوارئ اعتقاليّة. تتيح هذه الحالة احتجاز الأسرى دون توفير أسرَّة للنوم، واحتجاز عدد كبير من الأسرى في الغرف الاعتقاليّة الصغيرة، التي لا تمكّنها سِعتها من استيعاب هذه الأعداد الكبيرة؛ ما يجعل غرف الاعتقال مكتظّة، ولا تفي بشروط الحدّ الأدنى للمساحة اللائقة لكلّ معتقل، والتي كانت قد فرضتها المحكمة العليا سابقاً عام 2017. وكان هذا التعديل ساري المفعول لمدّة 3 أشهر من تاريخ بدء العمل به، ويجوز تمديده لمدّة 8 أيّام في كلّ مرّة، على ألّا تتجاوز مدّة التمديد 30 يوماً. وعلى الرغم من الالتماس الذي تمّ تقديمة من قبل مجموعة من المؤسّسات الحقوقيّة التي اعترضت على تقليص مساحة العيش للسجناء الأمنيّين فقط، وعدم سريانه على الأسرى الجنائيّين، واعتباره غير دستوريّ، ويرقى إلى مستوى العقوبة القاسية واللاإنسانيّة والمهينة، ويشكّل تمييزاً ضدّ الأسرى الأمنيّين، وينتهك حقّهم في المساواة . وعلى الرغم من هذا الالتماس، رفضت محكمة العدل العليا الإسرائيليّة هذا الالتماس وجاء في القرار الذي وقّعه القضاة "ياعيل ويلنر"، "خالد كبوب وروث رونين" ما يأتي :"تقييم انتهاكات حقوق الإنسان في أوقات الحرب لا يمكن مقارنته بالتقييم في الحالات السلميّة"، وأكمل القرار: "بعد فحص الالتماس بعناية، وبالنظر إلى الترتيب القانونيّ المنصوص عليه في التعديل – بما في ذلك كونه أمراً مؤقّتاً لفترة قصيرة نسبيّاً، وحدوده، وآليّات التوازن، وضبط النفس القضائيّ الذي يصاحب عموماً المراجعة القضائيّة للتشريعات، وضبط النفس الذي يتمّ تعزيزه خلال الظروف الاستثنائيّة السائدة في البلاد، والتي فرضت عليها بشكل غير متوقّع وتتطلّب الحذر الشديد – لم نجد أن هناك أسباباً للتدخل القانونيّ كما هو مطلوب" . وبالرغم من هذا الالتماس، أقرّت الهيئة العامّة للكنيست بتاريخ 15/1/2023 بتمديد "قانون الطوارئ" لغاية 18/4/2024، حيث إنّ فترة السريان الأصليّة تنتهي في تاريخ 22/1/ 2024. التعديلات القانونيّة بخصوص معتقلي قطاع غزّة بعد السابع من أكتوبر منذ انسحاب دولة الاحتلال من قطاع غزّة عام 2005، استمرّت في تطبيق قوانينها المدنيّة على معتقلي القطاع، ومن ضمن هذه القوانين قانون الإجراءات الجزائيّة (صلاحيّات التنفيذ- اعتقالات) لعام 1996، وقانون المقاتل غير الشرعيّ لعام 2002، وقانون منع الإرهاب لعام 2016، وغيرها العديد من القوانين التي تسمح لدولة الاحتلال بمحاكمة معتقلي قطاع غزّة أمام محاكمها المدنيّة، على عكس معتقلي الضفّة الغربيّة الذين تتمّ محاكمتهم أمام المحاكم العسكريّة. وهذه القوانين هي التي تمّ تطبيقها منذ ذلك الحين، واستمرّت في تطبيقها منذ السابع من أكتوبر إلّا أنّ السلطات الإسرائيليّة عدّلت على القوانين لتوسيع صلاحيّات الاعتقال، وإطالة فترات التحقيق، والمنع من لقاء المحامي ليتمكّن المحقّقون من إيقاع أقصى العقوبات على الأسرى خلال هذه الفترات. لقد صدرت تعليمات وأوامر عدّة من الوزراء الإسرائيليّين منذ بداية الحرب، منها قرار وزير الحرب "يوآب جالانت" بالإعلان عن معسكر "حقل اليمن" الواقع بالقرب من مدينة بئر السبع، كمكان احتجاز للمعتقلين الذين سوف يعلن عنهم "كمقاتلين غير شرعيّين"، وذلك اعتباراً من يوم 8 أكتوبر، ولمدّة 10 أسابيع من تاريخه . ومنذ صدور هذا الإعلان حتّى نهاية عام 2023، منعت سلطات الاحتلال اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر والمحامين من زيارة المحتجزين في هذا المعسكر، ولم تفصح السلطات الإسرائيليّة عن عدد الأسرى الذين تمّ احتجازهم هناك، ولا تحت أيّ ظرف، ولا عن تصنيف هؤلاء المحتجزين، فحتّى نهاية العام كان لا يزال غير معروف هل هم مقاتلون، أو مدنيّون، أو عمّال من الذين تواجدوا في الداخل الفلسطينيّ يوم 7 أكتوبر، علماً أنّه تمّ اعتقال ما يزيد عن 5000 عامل، وتمّ احتجازهم بشكل غير قانونيّ دون عرضهم على المحاكم أثناء فترة احتجازهم، وتمّ ترحيل ما يقارب 3000 منهم عبر معبر كرم أبو سالم إلى القطاع بعد ثلاثة أسابيع. وتحدَّث العديد منهم عن ظروف احتجاز لا إنسانيّة رافقها الكثير من التعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة، وبعض من هؤلاء العمّال ما زالوا محتجزين في مراكز اعتقال وسجون، وتتمّ محاكمتهم على مخالفات بحجّة الدخول دون تصريح بموجب "قانون الدخول إلى إسرائيل، 1952". ولاحقاً، قامت الحكومة بإصدار أوامر مؤقَّتة تخوِّل السلطات باحتجاز "المقيمين غير القانونيّين" من سكّان قطاع غزّة إلى حين ترحيلهم إلى القطاع وسط العمليّات الحربيّة هناك. وقد جاء هذا القرار للتغطية على حقيقة احتجاز العشرات من المعتقلين دون إجراءات قانونيّة واضحة . تعاملت سلطات الاحتلال مع مجموعة كبيرة من المعتقلين على أساس "قانون المقاتل غير الشرعيّ، 2002" ، وهو اعتقال شبيه بالاعتقال الإداريّ مبنيّ على ملفّ سريّ دون تهمة واضحة وغير محدّد المدّة . وقد أعلنت الحكومة يوم 26 أكتوبر عن إصدار "أوامر ساعة الطوارئ" للتعامل مع "المقاتلين غير الشرعيّين" ، وبموجب هذه الأوامر أصبحت السلطة لإصدار أمر الاعتقال بيد ضابط أقلّ درجة من القائد العام لجيش الاحتلال، بهدف تسهيل عمليّة إصدار أوامر الاعتقال. كما تمّ تمديد موعد إصدار أمر الاعتقال بعد الاحتجاز لفترة 30 يوماً بدل 7 أيّام، ويمكن إجراء المراجعة القضائيّة للأمر بعد 45 يوماً من إصداره، وليس 14 يوماً كما كان في السابق. وهذا يعني، بطبيعة الحال، أنّه أصبح بالإمكان احتجاز الشخص مدّة تصل إلى 75 يوماً قبل عرضه على أية جهة قضائيّة للبتِّ في أمر اعتقاله، ويمكن منع لقائه مع محاميه لمدّة 45 يوماً، وقد تجدَّد لفترة 60 يوماً. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه سياسة إخفاء قسريّ للمحتجزين من خلال القانون، وللاستمرار في عمليّة إخفاء المعتقلين، وحرمانهم من حقّهم في المثول أمام المحاكم، أو في لقاء المحامي، صدر بتاريخ 18 كانون أوّل تعديل آخر كان جزءاً من تعديلات عدّة جرت على "قانون المقاتلين غير الشرعيّين"، والذي رفع المدد إلى 45 يوماً لإصدار أمر الاعتقال، وتكون المراجعة القضائيّة خلال 75 يوماً، أمّا المنع من لقاء المحامي يكون إلى حدّ 75 يوماً أيضاً دون أمر من المحكمة، أمّا التمديد من قبل المحكمة يمكن أن يصل لمدّة 180 يوماً، وقد أصبح هذا التعديل هو التعديل المعتمد لاغياً جميع التعديلات التي تتعارض مع ما جاء به، ونصّ التعديل أنّ مدّة سريانه هي 4 أشهر من تاريخ نشره . وكان آخر التعديلات الحاصلة على قانون المقاتل غير الشرعيّ بتاريخ 22/2/2024 والذي صدر تحت عنوان "أمر بسجن المقاتلين غير الشرعيّين" (تحديد مكان السجن) (أمر زمنيّ) (تعديل رقم (2))، وحدّد أماكن احتجاز الأسرى في معسكرات الجيش، وهي: "سديه تيمان" و"عناتوت" وسجن وعوفر، وحدّد هذا التعديل مدّة سريانه حتّى تاريخ 9/5/2024. أمّا بخصوص المعتقلين من قطاع غزّة الذين تمّ تحويلهم لمراكز التحقيق، فيتمّ احتجازهم بموجب "قانون الإجراءات الجزائيّة (صلاحيّات التنفيذ–اعتقالات) 1996"، و"قانون منع الإرهاب، 2016". وقد حدَّدت هذه القوانين فترة التحقيق قبل تقديم لائحة اتّهام بمدّة 35 يوماً، ويستطيع القاضي تمديد التوقيف لأوّل مرّة لفترة 20 يوماً . ولكنّ الحكومة قامت بإصدار أوامر جديدة يوم 7 تشرين ثاني 2023 ، تتيح احتجاز المعتقل لمدّة 45 يوماً قابلة للتجديد لـ 45 يوماً إضافيّة، علماً أنّ الحكومة كانت قد قامت بتعديل سابق على "قانون الاعتقالات، 1996" يتيح منع المعتقل من لقاء محاميه لفترة تصل إلى 90 يوماً . إنّ هذه التعديلات تعيد إحياء إجراءات الاعتقال والتحقيق بموجب الأوامر العسكريّة السابقة التي أتاحت احتجاز المعتقل فترة ثلاثة أشهر، دون مراجعة قضائيّة حقيقيّة، وبعزلة تامّة عن العالم الخارجيّ، وتركه عرضة للتعذيب الشديد، فالتعذيب والاعتقال التعسّفيّ هي جرائم حرب بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ، والقانون الجنائيّ الدوليّ . وتأتي موجة القوانين هذه في ظلّ جريمة الاختفاء القسريّ التي تمارسها دولة الاحتلال على جميع الأسرى المعتقلين من قطاع غزّة، حيث يأتي رفض السلطات الإسرائيليّة الإفصاح عن أماكن المحتجزين وظروفهم وأسمائهم وأعدادهم، مدعوماً بقرارات المحاكم الإسرائيليّة التي رفضت جميع الالتماسات المقدّمة من قبل المؤسّسات الحقوقيّة بخصوص معتقلي قطاع غزّة.