" لا ينتهي الشبه بين السجن الصغير والسجن الكبير فلسطينيًا عند هذا الحدّ. بل هناك تشابه بالقراءة الخاطئة والمعالجات التقليدية العاجزة عن النهوض بالقضية الفلسطينية كما هو النهوض بقضية الأسرى"  (وليد دقة دراسة صهر الوعي).

 

نبذة عن الضمير

مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان كانت من أولى المؤسسات الحقوقية التي نشأت هنا في الأرض الفلسطينية المحتلة نصرة لعدالة قضية الأسرى والمعتقلين وحريتهم.  ومنذ 20 عاماً بالتمام، وهي تعمل على تقديم المساعدة القانونية بمفهومها الواسع للأسرى والمعتقلين في مختلف مراحل الاعتقال، وأمام مختلف درجات وأنواع المحاكم الاحتلالية العسكرية والمدنية، وعلى امتداد جغرافيا فلسطينا الانتدابية.
 
أسست الضمير بمبادرة من محامين فلسطينيين وأسرى محررين في العام 1992 في مدينة القدس، ويضم اليوم طاقم عملها 22 موظفاً يعملون في أربع وحدات.  وتضم الوحدة القانونية سبعة محامين يقدمون التمثيل القانوني للأسرى والمعتقلين بمعاونه طاقم من العاملين الحقوقيين المختصين في شؤون الأسرى والمعتقلين، وإلى جانب الوحدة القانونية، تقوم وحدة التوثيق والدراسات برفد عمل الوحدة القانونية بتوثيق الانتهاكات، ونشر تقاريرها السنوية والفصلية باللغتين العربية والإنجليزية، وتغذية عمل وحدة الضغط والمناصرة التي تعنى بشؤون المدافعة عن الأسرى والمعتقلين أمام مختلف اللجان الأممية، وعبر تقديم المراسلات والشكاوى الدولية للمقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، إضافة إلى إطلاقها حملات دولية لوقف الاعتقال الإداري، وحملة أسرى في خطر للأسرى المرضى، وحملات التضامن مع الأسرى والمعتقلين أثناء إضراباتهم الجماعية والفردية، وتحشيد الرأي العام العالمي للوقوف إلى جانبهم، من خلال اللقاءات مع المسؤولين وحركات التضامن مع شعبنا الفلسطيني في مختلف أصقاع الأرض.
 
وعلى مدار هذه السنوات، وعلى الرغم من صعوبة الظروف التمويلية، والملاحقة الأمنية والسياسية لأعضاء مجلس إدارة الضمير و العاملين فيها على يد قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية، فإن كل ذلك لم، ولن يثنيها -مهما بلغ الثمن- عن أداء رسالتها التي تتقاسمها مع أبناء وبنات شعبنا الفلسطيني، ومؤسساته الحقوقية والقانونية.
 
فخلال العام الماضي 2011، على سبيل المثال، قامت الضمير بالترافع القانوني عمّا يزيد على 600 معتقل فلسطيني، في حين بلغ مجموع حالات الاعتقال التي أقدمت عليها قوات الاحتلال في العام نفسه 3312 حالة اعتقال، ما يجعل من مساهمة الضمير في تقديم المساعدة القانونية للمعتقلين خلال ذلك العام، تقترب من نسبة 20%.  هذا إلى جانب الحالات القانونية التي تابعتها الضمير، خلال العام نفسه، لأسرى ومعتقلين من الأعوام السابقة.
 
مؤسسة الضمير تنظر إلى هذا المؤتمر الوطني المهم من حيث موضوعه وتوقيته الذي يتزامن مع منح فلسطين صفة عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون محطة مهمة على صعيد بلورة إستراتيجية قانونية موحدة للدفاع عن عدالة قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وحريتهم، مسنودة بقواعد القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، وكافة أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
 

خلفية تاريخية

 
فمنذ العام 1967، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 750 ألف فلسطيني، وهو ما يشكل 20 % من مجموع سكان الأرض الفلسطينية المحتلة، و40% من الذكور.  وتعتقل سنوياً ما بين 3000 و5000 فلسطيني، من بينهم 700 طفل، كما تشير إحصاءات الأعوام المنصرمة، ولا تزال تواصل اعتقال 5000 فلسطيني في سجونها.
 
إن إقدام قوات الاحتلال على اعتقال آلاف الفلسطينيين من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال على امتداد الأرض الفلسطينية المحتلة، لا يمكن تبريره بالدواعي الأمنية كما تزعم قوات الاحتلال، بل ما هي إلا أداة مكملة لما تمارسه قوات الاحتلال منذ العام 1948 بحق شعبنا، من "إبادة مجتمعية" تتجلى من خلال التطهير العرقي والمكاني للفلسطينيين من أرضهم التاريخية، خدمة لمشروعها الاستيطاني الكولونيالي الإحلالي، الذي يعتمد في تطبيقاته على ارتكاب أفظع الجرائم من قتل وسلب وتهجير، واستيطان واقتلاع للأشجار والمزروعات وتزوير للحقائق والتاريخ.
 
وما زالت سياسة الاعتقالات تشكل أحد أعمدة هذا المشروع المتواصل، وتهدف في حقيقتها إلى كي وعي أبناء الشعب الفلسطيني، وكسر أرادة مقاومة مجتمعنا، وقتل نموه وحيويته وديمومته.  بل يروم حقيقة إلى كي وعي الشعب الفلسطيني، وعزل مقاومته، وتطويعه، وتركيعه، وإرغامه على التخلي عن حقوقه التاريخية، وقبول الأمر الواقع دون مقاومة.
 
وتتعمد قوات الاحتلال استخدام شتى صنوف التعذيب وغيرها من المعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية بحق الأسرى والمعتقلين على طوال مراحل الاعتقال، وليس فقط إبان فترات التحقيق، حيث يشكل التعذيب انتهاكاً جسيماً لمقررات القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وجريمة ترقى لإعتبارها من جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم، تستوجب المساءلة والمحاسبة القانونية.
 

واقع المساعدة القانونية

 
اسمحوا لي أن أستعرض أمامكم بشكل موجز وسريع واقع المساعدة القانونية للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، كي يتسنى لنا تقييم عملنا كمؤسسات حقوقية وقانونية في هذا المجال، بما يسمح لنا، في ما تبقى من وقت، باقتراح ملامح الإستراتيجية الفلسطينية القانونية، التي نتطلع إليها بشراكة مع كل الفاعلين والعاملين في مجال نصرة عدالة قضية الأسرى والمعتقلين وحريتهم.
 
أظهرت تجربة الضمير طوال العقدين الماضيين، أن المساعدة القانونية لقضايا الأسرى والمعتقلين قد شهدت تطوراً مهماً على أصعدة عدة، لعل من أهمها وأبرزها تطور مفهوم المساعدة القانونية نفسه، الذي لم يتوقف عند تقديم خدمات المرافعة القانونية ومجانيتها وتوثيق انتهاكات حقوق الأسرى والمعتقلين.  فخلال العقدين الماضيين، تطور أداء هذه المؤسسات القانوني والتوثيقي والدعائي، "مخاطبة الرأي العام العالمي"، والتعريف بقضية الأسرى والمعتقلين وحماية حقوقهم.
 
واليوم يمكننا القول إن مفهوم المساعدة القانونية قد اكتسب قوة جديدة بتفعيل المساءلة الدولية لانتهاكات الاحتلال، من خلال الآليات التي توفرها الاتفاقيات الدولية الحقوقية، ومخاطبة لجان الشكاوى الدولية، ورفد مختلف أجهزة الأمم المتحدة بالتقارير المفصلة والمهمة حول انتهاكات "إسرائيل" لالتزاماتها؛ سواء باعتبارها قوة الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو بموجب عضويتها في الأمم المتحدة، الأمر وإن لم ينهِ تصرف دولة الاحتلال باعتبارها دولةً فوق القانون الدولي والمحاسبة الدولية، فإنه أسهم ويسهم في تفعيل قضية الأسرى والمعتقلين على المستوى الدولي، ووضع دولة الاحتلال في موقع الدفاع والتبرير عن ديمقراطيتها الزائفة، ويؤسس لمحاسبتها مستقبلاً.
 
غير أن تعاظم دور المؤسسات الحقوقي والسياسي -إن جاز لنا التعبير- يرتبط بتراجع دور القوى الوطنية في دعم وإسناد الأسرى والمعتقلين، وازدياد اتّكالها على المؤسسات الحقوقية في الاهتمام بهم وبقضيتهم.  ومع تفكك وترهل بناها التنظيمية، لم تعد تلك القوى والفصائل تقوم بدورها على صعيد تحصين المناضلين قبل الاعتقال، جراء غياب البرامج التربوية والتثقيفية، ولم تعد هي الجهة التي تتولى تأمين صمود ذويهم، ما أضاف أعباء جديدة على مؤسسات المساعدة القانونية، وأخذت لدى الكثير من المؤسسات منحىً خدماتياً.
 
كما أن الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال أفقدت المؤسسة السياسية الرسمية وبعض مكوناتها، القدرة والحيوية على الدعوة إلى مقاطعة دولة الاحتلال، وفرض العقوبات عليها، والشروع الجدي في محاسبتها على جرائمها.
 
غير أن عمل المؤسسات التي تقدم المساعدة القانونية، وعلى الرغم من ارتقائه وتطوره في العقدين الماضيين، فإنه ظل محدود الإنجازات، وعاجزاً عن إحداث نقلة نوعية في أحكام القضاء العسكري والإسرائيلي، بما يوفر ضمانات المحاكمة العادلة للمعتقلين، ويصون كرامتهم وحقوقهم، باعتبارهم أسرى حرب ومقاتلين/مناضلين من أجل الحرية.
 
يعود هذا العجز لجملة أسباب مركبة ومتداخلة، لعل من أهمها استناد أحكام القضاء الاحتلالي إلى أزيد من 1700 أمر عسكري احتلالي تجرم ممارسة الفلسطيني لحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
 
كما تحرم هذه الأوامر العسكرية الفلسطيني من ضمانات المحاكمة العادلة، بل إن المحاكم العسكرية التي أقامتها قوات الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، تمثل تعدياً سافراً على القانون الدولي الإنساني من حيث نشأتها، وهياكلها، وقوانينها، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة في مادتيها (64) و(66)، اللتين اشترطتا أن يتم تقديم المتهمين من سكان الأرض المحتلة أمام المحاكم العسكرية، و بأن تكون مشكلة تشكيلاً قانونياً، وشريطة أن تعقد هذه المحاكم في البلد الواقع تحت الاحتلال.
 
وفي دراسة بحثية قامت بها مؤسسة الضمير في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بغرض الوقوف على واقع المحاكم العسكرية الاحتلالية، ومدى توفيرها لضمانات المحاكمة العادلة للمعتقلين، كشفت الدراسة من خلال الأمثلة الموثقة عن وقوع انتهاكات خطيرة، ومنها:
 
-       الحق في المطالبة بلائحة اتهام.
-       الحق في إعداد دفاع فعال.
-       الحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له.[1]
-       الحق في الترجمة الفورية الشفوية.
-       الحق في الامتناع عن تجريم الذات.
-       الحق في افتراض البراءة.
-       الحق في استدعاء الشهود واستجوابهم.
-       الحق في الحصول على محاكمة قضائية نزيهة ومستقلة.
 
ما خلصت إليه دراسة الضمير أعلاه من استنتاجات تتفق عليها كافة المؤسسات الحقوقية الفلسطينية العاملة في مجال تقديم المساعدة القانونية للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، يرفع الصوت عالياً لوقفة تقييمية جادة حول جدوى استمرار الترافع أمام هذه المحاكم.
 
فمن الواضح جداً، أن استمرار التعامل والترافع أمام المحاكم العسكرية، يسهم في صبغ الشرعية على المحاكم العسكرية والأوامر العسكرية المعمول بها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالتالي أحكام تلك المحاكم.
 
تدفع أحكام المحاكم العسكرية المحامين الفلسطينيين إلى تفضيل عقد الصفقات مع النيابة العسكرية، وبالتالي صرف النظر عن استنفاذ الإجراءات القضائية تجنباً للأحكام الانتقامية من المعتقل ومحاميه على حد سواء.
 
وتهدف المحاكم العسكرية والنيابة العسكرية من وراء ذلك أولاً، إلى تخفيف العبء عن نفسها بإغلاق أكبر عدد ممكن من الملفات، وهو الأمر الذي يسهل مهمة قوات الاحتلال في الاستمرار في اعتقال الفلسطينيين، وثانياً تنجح النيابة العسكرية وأحكام القضاء في تجريم وإدانة ممارسة الفلسطينيين لحقوقهم، ما ينزع الشرعية عن نضالهم ومقاومتهم، ذلك أن الصفقات تثبت الإدانة.
 
وهذا ما يثبته تقرير المحاكم العسكرية للعام 2010، الذي أشار إلى أن المحاكم العسكرية (عوفر، وسالم) نظرت خلال العام 2010 في 9542 ملفاً، منها 2016 ملفاً على خلفية "القيام بعمل تخريبي معادٍ"، و763 ملفاً بتهمة "الإخلال بالنظام العام"، وهو ما يعني ارتفاعاً نسبته 3% في عدد الملفات التي أغلقت قياساً بنتائج العام 2009، حيث أنهت المحاكم العسكرية النظر في 9231 ملفاً، منها 2659 ملفاً بتهمة القيام بعمل تخريبي معادٍ، و738 ملفاً بتهمة الإخلال بالنظام العام.
 
وأظهر التقرير حقيقة فاجعة للحريصين على نوعية المساعدة القانونية، حيث بيّن أن عدد الملفات التي تم فيها استنفاذ الإجراءات القانونية كافة خلال العام 2010، لم يزد على 82 ملفاً، من أصل 9542 ملفاً، الأمر الذي أظهر انخفاضاً نسبته 3% عما كانت عليه في العام 2009 في عدد الملفات التي تم فيها استنفاذ الإجراءات القانونية كافة وحسم الإدانة، ما يعني أن بقية الملفات حسمت بموجب "صفقات" تعقد بين محامي الدفاع والنيابة العسكرية.
وكما أظهر التقرير انخفاض عدد الحالات التي تمت فيها تبرئة المتهمين –الذين استنفذوا الإجراءات القانونية كافة- تبرئة كاملة من كافة بنود لائحة الاتهام، إذ بلغت 25 ملفاً من أصل 82 ملفاً.
 
وبين التقرير أنه تم شطب بند واحد فقط من لائحة الاتهام في 40% من الملفات -التي غالباً ما تتكون من بنود عدة- والتي نظرت فيها المحاكم العسكرية خلال العام 2010.
 
وهنا لا يفوتنا التأكيد على أن  الكثير من لوائح الاتهام ترتكز على إفادت منتزعة من المعتقل تحت التعذيب  الجسدي والنفسي.
 
وتؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية أن النظام القانوني الإسرائيلي بشقيه المدني والعسكري، يسمح باستمرار التعذيب، ويحول دون تحقيق المساءلة القانونية، حيث أنه على الرغم من تقديم أكثر من 700 شكوى ضد التعذيب خلال العقد الماضي، لم يفتح تحقيق جنائي في أيٍّ من هذه الشكاوى، وبالتالي لم توجه لوائح اتّهام، ولم تتم مقاضاة أو إدانة أيٍّ من محققي جهاز الأمن العام الإسرائيلي.
 
ففي الوقت الذي لم تفلح فيه المساعدة القانونية أمام المحاكم العسكرية في تحقيق العدالة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، فإنها استمرت في صبغ الشرعية على النظام القانوني والقضائي لقوة الاحتلال، ولا شك أن مرد ذلك يعود إلى غياب الإستراتيجية الفلسطينية القانونية.
 
إضافة إلى كل ذلك، بات اعتقال الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال مصدر دخل لا يجوز الاستخفاف به، حيث تشير تقارير المحاكم العسكرية نفسها إلى أن مجموع الغرامات المالية التي فرضت على المعتقلين الفلسطينيين خلال العام 2010، بلغت 15.940.910 شواقل جديدة.
 
كما تقوم قوات مصلحة السجون بفرض الغرامات المالية الباهظة والمتعسفة والانتقامية على الأسرى والمعتقلين في أقسامهم، بحجة مخالفتهم لما يعرف بلوائح مصلحة السجون الخاصة لمن تسميهم "السجناء الأمنيين" .
 
وتقوم وزارة الأسرى بتسديد جزء كبير من هذه الغرامات التي تصل إلى ملايين الشواقل سنوياً، فيما تقوم مصلحة السجون باقتطاع مبلغ الغرامات من حسابات الكانتين الخاصة بالأسرى والمعتقلين.
 
جدير بالقول إن مصلحة السجون لا تقوم بترجمة تلك اللوائح ولا نشرها في الأقسام، وبذلك فإن الأسرى والمعتقلين يعاقبون بموجب "قواعد انضباطية" لم يطلعوا عليها، وبذلك فهم لا يعرفون ما هو مسموح، وما هو محظور بموجبها.
 
وعلى صعيد آخر، تفيد تقديرات مؤسسة الضمير برفض أكثر من 90% من الالتماسات المقدمة لتحسين ظروف المعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال، أو للتظلم على بعض ممارسات وسياسات قوات مصلحة السجون، التي تنظر فيها المحاكم المركزية والمحكمة العليا الإسرائيلية.
 
 

الدور الخدماتي

 
وخلال العقدين الماضيين أتسع الدور الخدماتي وبات يشمل تقديم العون المالي، ودعم مشتريات الأسرى والمعتقلين من الكانتين داخل السجون.  وتشير دراسة الضمير الأخيرة إلى أن سياسة قوات مصلحة السجون، أفلحت في نقل العديد من التزاماتها المالية والغذائية على كاهل الأسرى والمؤسسات المناصرة لهم، وبخاصة وزارة الأسرى والأسرى المحررين.
 
وحيث أظهرت الدراسة أن متوسط إنفاق الأسير/ المعتقل الفلسطيني يصل إلى 800 شيقل لغير المدخن، فيما ينفق الأسير/ المعتقل المدخن أكثر من 1300 شيقل شهرياً لدعم سلته الغذائية، بعدما تنصلت مصلحة السجون من الكثير من التزاماتها الغذائية إزاء الأسرى والمعتقلين والتي تراجعت إلى 20% من احتياجاتهم، وأقفلت باب تلقيهم المعونات الغذائية من ذويهم ومن المؤسسات الداعمة.
 
ويتلقي الأسرى والمعتقلون إعانات مالية من جهات عدة، منها وزارة الأسرى والأسرى المحررين التي تغذي حساب كل أسير بمبلغ يتراوح ما بين 250 و300 شيقل شهرياً، كما تقوم منظمة التحرير الفلسطينية في فترات متباعدة بتغذية حساب الأسرى في الكانتين، هذا إلى جانب الدعم المالي من ذوي المعتقل.
 وخلافاً لنص المادة (87) من اتفاقية جنيف الرابعة، تقوم شركة إسرائيلية خاصة تدعى (ددش) بإدارة الكانتين، حيث الأسعار تزيد على مثيلتها في السوق الفلسطينية والسوق الإسرائيلية على السواء، كما يرغم الأسرى على شراء منتجات المستوطنات.
 
هذا الدور الخدماتي لمؤسسات المساعدة القانونية، يضمر في طياته قبولاً لمنطق الاحتلال، وبالمحصلة إعفاء الاحتلال من مسؤولياته القانونية إزاء الأسرى والمعتقلين بموجب القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
 
وتثبت الدراسات، ومنها دراسة صهر الوعي للأسير وليد دقة، خطورة هذا الدور الخدماتي وفشله. كما وأفسح  المجال لمصلحة السجون في تحويل "الامتيازات إلى أدوات تعذيب"، وأسهم في تعزيز النزعة الفردية والأنانية في نفوس بعض الأسرى، واستبدل أولوياتهم، ودفع بعضهم لتفضيل امتيازاتهم عن الانخراط في نضالات الحركة الوطنية الأسيرة، ما ضاعف من أزمتها.
 
وإذا كان من الصحيح القول إن الفترة التي تلت إنشاء السلطة الفلسطينية شهدت تزايداً في عدد المؤسسات التي تعمل من أجل حقوق الأسرى وتقديم الخدمات لهم، فإنه من الصحيح أيضاً، أن ذلك دليل على الفشل في تحرير الأسرى.
أمام هذا الواقع القاتم جاءت إضرابات الأسرى عن الطعام لتعبر عن مكنونات الإرادة البشرية في التصدي للظلم و الانتصار للحق والعدل . فحملت تلك الإضرابات عن الطعام الكثير من المعاني و الدلالات ومن أهمها رفض معاملتهم باعتبارهم سجناء أمنيين و إرهابيين. كما عبرت عن إقلاعهم عن تعليق الآمال على المفاوضات للإفراج عنهم.
  واليوم وبعد أن حصلت فلسطين على صفة عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من شهر تشرين الثاني المنصرم وإطلاق الحركة الأسيرة لحملة (أنا مناضل من أجل الحرية أنا أسير حرب) يوم أول أمس، يمكننا القول أن اللبنة الأساسية للإستراتيجية القانونية الفلسطينية لنصرة الأسرى وقضيتهم باتت متوفرة و يجب البناء عليها وترجمتها إلى سياسات و مواقف.
وعليه ترى مؤسسة الضمير بأن هذه الاستراتيجية لا بد لها من اسناد الحركة الوطنية الأسيرة وهي تستنهض نفسها، وتنظم صفوفها، وتعزز وحدتها بما يضمن  استعادة مكانتها ودورها الفاعل داخل الحركة الوطنية الفلسطينية.
وترى الضمير أن الوصول إلى هذه الاستراتيجية يتطلب إجراء مراجعة نقدية شاملة للعمل الفلسطيني الرسمي والمؤسساتي حيال قضية الأسرى ودراسة كافة الخيارات بأوسع حواريشترك فيه أولاً الأسرى والأسرى المحررين و ذويهم و منظمة التحرير الفلسطينية وبقية الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية و القانونية.
وبكلمات الأسير وليد دقة في دراسته الهامة صهر الوعي :
" فمهمة كشف ما يجري في السجون وتوضيحه للرأي العام في إطار تعريف جديد للتعذيب، هي مهمة لجان حقوق الإنسان ولجان الأسرى. لكنها قبل كل شيء مهمة الفصائل الوطنية والقوى السياسية الفلسطينية. فالقضية المطروحة ليست قضية حقوقية أو إنسانية فحسب، وإنما سياسية بالدرجة الأولى".
 

الاستراتيجية الوطنية

بعد هذا الاستعراض السريع لواقع المساعدة القانونية والتحديات التي تحيط بها بفعل ممارسات وسياسات دولة الاحتلال، تتبين الضرورة الملحة لصياغة استراتيجية وطنية في الدفاع عن الأسرى والمعتقلين يمكن استخلاص ملامحها عبر الدعوة إلى:
1.    الاصرار على ضرورة انضمام فلسطين العضو المراقب في الجمعية العمومية إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الأسرى منذ العام 1967 .
2.    دعم جهود وزارة الأسرى والأسرى المحررين لطلب رأي استشارى من المحكمة الدولية للمكانة القانونية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
3.     دراسة خيار مقاطعة المحاكم العسكرية وذلك  بأوسع مشاركة شعبية ورسمية وعبر التشاور المعمق مع الأسرى والمعتقلين و ذويهم ومؤسسات المساعدة القانونية وبالشراكة مع م.ت.ف وكافة الفصائل الفلسطينية  وفي حال لم يتم الاتفاق على ذلك الشروع في:
·        مقاطعة جلسات النظر في قضايا الاعتقال الإداري.
·        التوقف عن عقد الصفقات مع النيابة العسكرية.
·        تحديد معايير واضحة للتمثيل القانوني وميثاق شرف بين المحامين العاملين في المجال بما يحول جلسات المحاكم إلى محاكمة للاحتلال.
 
4.    دعوة وزارة الأسرى والحكومة الفلسطينية إلى التوقف عن دفع الغرامات المالية لمحاكم الاحتلال.
5.    دعوة وزارة الأسرى والحكومة الفلسطينية إلى مراجعة اتفاقية الكانتين المبرمة مع مصلحة السجون الإسرائيلية  والتوقف عن تحمل الاعباء المالية للأسرى و المعتقلين ومطالبة الاحتلال بتحمل أعباءه المالية و القانونية.
6.    . توحيد الخطاب القانوني و الحقوقي والسياسي الفلسطينيي حول قضية الأسرى والمعتقلين و إنهاء  التباين في الأرقام والمصطلحات و المطالب.
7.    البحث عن وسائل خلاقة لمقارعة النظام القضائي والقانوني الإسرائيلي للطعن في شرعيته محليا ودوليا وخاصة تلك القوانين المتصلة بمعاملة الأسرى باعتبارهم سجناء أمنيين تطبق عليهم لوائح مصلحة السجون الخاصة بهذه الفئة .
8.    الدعوة إلى محاسبة ومقاطعة الشركات التي تعمل مع مصلحة السجون الإسرائيلية نظراً لاشتراكها في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين والتنكيل بهم ومنها شركة  G4S التي توفر خدمات امنية في بعض السجون ومنها أيضاً شركة VOLVO التي تزود مصلحة السجون بالحافلات التي تنقل الأسرى والمعتقلين بين السجون، وغيرها من الشركات التي تبيع الاسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات الخاصة التابعة لمصلحة السجون (نحشون ومالمتسادا ودرور و اليامز) في قمع وتعذيب الأسرى والمعتقلين.
 
 
وحين نتحدث عن استراتيجية فلسطينية فإننا نعني أيضاً:
1.    تشكيل هئية تنسيق مكونة من كافة المؤسسات الحقوقية والقانونية بما يضمن توحيد الجهود والارتقاء في الأداء.
2.     تشكيل "بنك معلومات" حول قضايا الأسرى والمعتقلين بما يفضي إلى توحيد المعطيات و البيانات حول الأسرى.
3.    إنشاء موقع الالكتروني " مكتبة الكترونية " مصورة ومكتوبة لشهادات ضحايا التعذيب من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
4.    تفعيل العمل المشترك و الموحد على مستوى  تقديم الشكاوى الدولية.
5.    تفعيل قضية الأسرى وترسيخ مكانتها في الوعي الفلسطيني والعربي عبر إدراجها في المناهج الدراسية والأكاديمية ليحملها الشعب على أكتافه، ويفرضها بقوته على المحتل حتى يلتئم الجرح الذي انفتح عام 1948 ومازال راعفاً بعد.
 
 
وأسمحوا لي أن اختم بما كتبه الأسير وليد دقة في دراسته صهر الوعي أو في إعادة تعريف التعذيب
2010 ، والذي هو شديد الصلة بما نحن مجتمعون عليه اليوم.
 
يقول الأسير وليد دقة :
"لا أحد عاقلا يعارض "سيادة القانون" أو حتى محاربة " فوضى السلاح" لكن هذه الشعارات وغيرها لا تطرح في سياق خطاب حركة التحرر التي تناضل ضد الاحتلال وفي إطار استراتيجيتها وبرنامجها، وإنما تطرح لتغييبها وتغييب القيم التي من المفترض أن يتم اشتقاقها منها" .
 
 
 
 

 


[1] من الأدلة الصارخة على انتهاك المحاكم العسكرية لهذا الحق، يكفي التذكير بما يتعرض له النائب عن حركة فتح "جمال الطيراوي"، المعتقل منذ 29/5/2007، ولم يصدر حكم بحقه إلى اليوم (وقت كتابة التقرير)، علماً أنه يمثل أمام المحكمة بمعدل مرة كل أسبوعين، ما يعني أنه خلال العام 2009 فقط، مثل قرابة 25 مرة، ومنذ اعتقاله إلى نهاية 2009 ما يزيد على 50 جلسة، بما يعنيه ذلك من مشقة وتعذيب نفسي وجسدي.