بعد 15 شهراً من حرب الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ترحب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقرق الإنسان بقرار وقف إطلاق النار ووقف حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني والتي استمرت على مدار 15 شهرًا بشكل متواصل، راح ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين، إضافة إلى اعتقال الآلاف من المواطنين ضمن حملات الاعتقال الواسعة التي تنفذها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويأتي قرار وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى لينهي معاناة سكان القطاع و وعدد كبير من الأسرى داخل السجون والمعتقلات.
كما وترحب مؤسسة الضمير بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بعد أشهر وسنوات طويلة قضوها داخل سجون ومعسكرات الاحتلال. حيث جرى يوم الأحد 19/1/2025 الإفراج عن الدفعة الأولى من الأسرى والأسيرات من المرحلة الأولى، وتضمنت الإفراج عن 92 أسيرة وطفل بينهم 69 أسيرة، منهم قاصرتين، و20 معتقلة إدارية، و5 أسيرات محكومات، و44 معتقلة موقوفة للمحاكمة، و3 من الأسيرات كان قد أطلق سراحهن في صفقة التبادل التي جرت في نوفمبر 2023، وتم اعادة اعتقالهن ليتحررن بهذه الصفقة. كما وتبقى داخل الأسر 19 أسيرة، منهن 14 من الضفة الغربية والداخل، و5 معتقلات من قطاع غزة.
كما وجرى إطلاق سراح 23 طفلاً، ما بين معتقلين إداريين وموقوفين للمحاكمة، وبعض المفرج عنهم تجاوز سن الطفولة ولكن تم اعقتالهم وهم أطفال، إضافة إلى 3 أطفال تم إطلاق سراحهم بالصفقة في نوفمبر 2023 وتم إعادة إعتقالهم ليتحرروا بالصفقة الحالية.
وكانت سلطات الاحتلال قد بدأت منذ اليوم الأول للعدوان بشن حملات اعتقال واسعة في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة، فمنذ اليوم الأول لحرب الابادة حتى يوم إعلان وقف اطلاق النار اعتقلت سلطات الاحتلال ما يزيد عن 14300 فلسطيني/ة من الضفة الغربية والقدس المحتلة، منهم نحو 450 من النساء، و1055 من الأطفال، ونتيجة لسياسة الاخفاء القسري التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق المعتقلين من قطاع غزة، لم نتمكن من توثيق الأعداد الدقيقة للاعتقالات التي بدأت بعد العدوان البري على قطاع غزة، وهي تقدّر بالآلاف.
وقبل بدأ حرب الابادة بحق الشعب الفلسطيني، بلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ما يقارب 5200، بينهم 33 أسيرة، و170 طفلاً، و1264 معتقلاً إدارياً. أما الآن وبعد أن شنت سلطات الاحتلال حملات اعتقال واسعة طالت مختلف فئات الشعب الفلسطيني، وصل عدد الأسرى والمعتقلين الحاليين إلى (10221)، بينهم 88 أسيرة منهن 4 قاصرات، و21 معتقلة إدارية، و20 طالبة جامعية، و6 صحافيات. إضافة إلى 320 طفلاً بينهم 95 رهن الاعتقال الإداري. ويبلغ عدد المعتقلين الإداريين الحالي ما يزيد عن 3400 معتقلاً/ة ، إضافة إلى ما يزيد عن 3464 معتقلاً من قطاع غزة بينهم ما يزيد عن 1886 معتقلاً بموجب قانون المقاتل غير شرعي. وهذه الاحصائية لا تشمل كل المعتقلين من قطاع غزة المخفيين قسراً.
إن تضاعف عدد الأسرى والمعتقلين مع بدء حرب الإبادة يظهر بشكل جليّ كيف تستخدم سلطات الاحتلال الاعتقال بحق الفلسطينيين كأداة للقمع والسيطرة، وكعقاب جماعي تسعى من خلاله لمساومة الفصائل الفلسطينية في عمليات تبادل الأسرى، وتستخدم أسهل وسيلة ممكنة لزج أكبر قدر من الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة من خلال الاعتقال الإداري والاعتقال بموجب قانون المقاتل غير الشرعي.
وفي ظل جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قتل وتدمير وتهجير قسري، عمدت سلطات الاحتلال للانتقام من الأسرى والمعتقلين داخل السجون، حيث مورست بحقهم سياسات تعسفية وانتقامية، من عزل تام عن العالم الخارجي، وسياسة التجويع والتعطيش، وانعدام أدوات النظافة الشخصية، ومصادرة الملابس والأدوات الكهربائية، والحرمان من الزيارات العائلية، والإهمال الطبي، إضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة الذي تعرض له الأسرى على مدار أشهر من القمع والضرب المبرح والذي أدى إلى ارتقاء 56 أسيرًا من المعلومة هوياتهم خلال هذه الفترة، عدا عن عدد من الأسرى الذين ارتقوا في المعسكرات والسجون ومراكز التحقيق التي يحتجز بها معتقلي قطاع غزة، دون إفصاح الاحتلال عن هوياتهم وأعدادهم.
وفي ذات السياق، قامت قوات الاحتلال باعدام عدد من المعتقلين من قطاع غزة بعد أن أفرجت عنهم، حيث وثقت مؤسسة الضمير اختفاء عدد من المعتقلين قبل وصولهم إلى عائلاتهم مع تأكيد السلطات الإسرائيلية أنه جرى بالفعل اطلاق سراحهم، مما يعني أنه تم استهداف وقتل المعتقلين المحررين فوراً بعد أن أفرج عنهم.
لم تكتفِ سلطات الاحتلال بالقتل المباشر للأسرى داخل السجون والمعتقلات وعدم توفير الرعاية الصحية اللازمة للمرضى منهم، بل عملت على احتجاز جثامينهم ومنع عائلاتهم من وداعهم، حيث تحتجز سلطات الاحتلال جثامين (64) أسيراً شهيداً، منهم (53) من الشهداء الأسرى الذي سقطوا منذ بدء حرب الإبادة، إضافة إلى عدد غير معلوم من جثامين الشهداء الأسرى من قطاع غزة.
وعلى مدار سنوات طويلة للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وفي كل عمليات تبادل الأسرى بين الفصائل الفلسطينية وسلطات الاحتلال، تعمل سلطات الاحتلال على فرض سلسلة من الاجراءات التعسفية بحق الأسرى المفرج عنهم، حيث تعمل على اقصاء الأسرى الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 من قوائم الأسرى، وتحاول فرض معايير محددة للأسرى التي تسمح بالإفراج عنهم، كما وتمنع عائلات الأسرى من الاحتفال بتحرر أبنائهم وتقوم بتهديد العائلات وتجبرهم على عدم رفع أي شعارات أو أعلام عند استقبال الأسرى المحررين، وتداهم المنازل بالقوة لمنع الاحتفالات وغيرها من الانتهاكات التي ترافق عمليات اطلاق سراح الأسرى في اتفاقيات التبادل.
كما وتفرض سلطات الاحتلال الابعاد على عدد من الأسرى المحكومين أحكاماً مؤبدة، وتمنعهم من العودة إلى بلداتهم الأصلية في اطار محاولات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين تهجيراً قسرياً، وتهدف إلى أفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين. وتنص في بعض الأحيان على الإبعاد المشروط، إلا أنها لا تلتزم بالمعايير والشروط المتفق عليها أثناء المفاوضات.
تنتهك سياسة ابعاد الأسرى المحررين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل صارخ، حيث تحظر اتفاقية جنيف الرابعة في المادة (49) النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه. كما ويشكل الإبعاد والنقل القسري مخالفة جسيمة بموجب المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة، وترقى لاعتبارها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب المادتين(7) و(8) من ميثاق روما الأساسي الناظم للمحكمة الجنائية الدولية.
وجاء في نص المادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً"، وهو ما يؤكد ان الإبعاد ممارسة محظورة وغير قانونية وفقاً للقانون الدولي، وتعتبر ممارسته أياً كانت الظروف والدوافع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تستوجب الملاحقة والمحاكمة الدولية.
وفي ذات السياق، تتعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد إبرام كل صفقة تبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية لاستهداف الأسرى المحررين بتلك الصفقات عن طريق إعادة اعتقالهم دون الاكتراث للضمانات التي يتم تقديمها والاتفاق عليها مع الأطراف الراعية لصفقات التبادل، وغالبًا ما تقوم سلطات الاحتلال بتقديم ما تسميها بالملفات السرية والتي يتم بموجبها محاكمة الأسرى المحررين وإعادتهم إلى نفس الأحكام المؤبدة السابقة، كما حدث مع محرري صفقة وفاء الأحرار عام ٢٠١١، فبعد أن أفرجت سلطات الاحتلال عن ١٠٢٧ أسيرًا وأسيرة فلسطينية، أعادت اعتقال نحو ٧٠ منهم، وقدمت ملفات سرية بحق ٤٩ أسير لتبطل إطلاق سراحهم في إطار الملاحقة المستمرة للأسرى المحررين. أما الآن، وفي اطار الصفقة المبرمة حالياً، قررت سلطات الاحتلال إبعاد هؤلاء ال49 أسيراً المعاد اعتقالهم إلى الخارج وبشكل دائم، استكمالاً لسلسة الاجراءات التعسفية التي فرضت بحقهم.
كما وقام الاحتلال بإعادة اعتقال 27 اسيرًا وأسيرة، من الأسرى المفرج عنهم خلال الصفقة التي تمت في نوفمبر الماضي ٢٠٢٣، وابقوا على اعتقال 18 منهم حتى اليوم. وتنصلت سلطات الاحتلال ورفضت الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى المعتقلين ما قبل توقيع اتفاقية اوسلو، ويقبع حالياً في السجون 21 أسيراً معتقلاً قبل توقيع اتفاقية اوسلو.
لا يتوقف استهداف الاحتلال للأسرى المحررين في الصفقات بإعادة اعتقالهم، بل يتعدى ذلك ليصل حد اغتيالهم وتحديدًا المبعدين منهم إلى قطاع غزة خلال الحروب على القطاع، حيث ومنذ بدئ العدوان الأخير في أكتوبر على قطاع غزة استهدف الاحتلال منازل لأسرى محررين مبعدين إلى قطاع غزة ما أدى لارتقاء عددًا منهم مع أفراد عائلاتهم، ويأتي هذا في إطار الاستهداف المتكرر والنهج المستمر في ملاحقتهم والانتقام منهم حتى بعد الافراج عنهم.
إن سياسة إعادة اعتقال الأسرى المفرج عنهم في صفقات التبادل بحجة خرق شروط الإفراج المشروط جرى تقنينها من خلال الأوامر العسكرية الإسرائيلية، حيث تم إضافة المادة (186) من الأمر العسكري رقم (1651) في العام 2009، بما يتيح إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم ضمن صفقات التبادل، لاستكمال ما تبقى من مدة عقوبتهم الأصلية بناءً على تعليمات لجنة عسكرية خاصة، مع عدم الكشف عن الأدلة التي تستند عليها عمليات إعادة الاعتقال. أي أنها تكون وفقاً لملف سري لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليه.
كما وتحاكم سلطات الاحتلال الفلسطينيين أمام محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى المطلوب لضمانات المحاكمة العادلة، وهذه المحاكم هي محاكم غير قانونية تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير. وهذا ما أكد عليه الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، حيث أن كل الممارسات الناتجة عن الاحتلال غير القانوني هي غير قانونية، مما يستوجب تفكيك كامل للنظام القضائي العسكري.
في ظل جرائم الاحتلال المتواصلة ومحاولاته للافلات من العقاب، صدر الرأي الاستشاري من قبل محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية الاحتلال الفلسطيني للأراضي الفلسطينية، ومن هذا المنطلق تدعو مؤسسة الضمير المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وعدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وانهاء الاحتلال وعدم الاعتراف بأي من الممارسات التي يقوم بها الاحتلال، والضغط عليه للإفراج الفوري عن كل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ووقف سياسات الاعتقال التعسفي والتهجير القسري، وضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وملاحقة الاحتلال عن جريمة الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وكل جرائمه بحق الأسرى واعتقال ومحاسبة كل من تورط في هذه الجرائم.