
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 17 شهرًا حملات التنكيل بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين داخل السجون والمعسكرات، ضمن سياسة قمعية ممنهجة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تطال الشعب الفلسطيني بكافة أماكن تواجده.
فقد شنت سلطات الاحتلال، منذ اليوم الأول للعدوان، حملة اعتقالات موسعة طالت عشرات الآلاف من الفلسطينيين من مختلف محافظات وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة. ترافقت هذه الاعتقالات مع تصعيد خطير داخل السجون، حيث فرضت الإدارة إجراءات قمعية شاملة بحق الأسرى والأسيرات، شملت سياسة التجويع والتعطيش، العزل الكامل عن العالم الخارجي، منع زيارات الأهالي، وعرقلة زيارات المحامين. كما صادرت كافة الأدوات الكهربائية داخل الأقسام، واتبعت سياسة الإهمال الطبي المتعمد، وجرائم التعذيب وسوء المعاملة، مما أدى إلى استشهاد 62 أسيرًا خلال الفترة الماضية من المعلومة هوياتهم، إضافة إلى استشهاد عدد آخر من أسرى غزة داخل المعسكرات والسجون، وسط استمرار سياسة الاختفاء القسري بحقهم.
وتزداد الأوضاع سوءًا مع دخول شهر رمضان، حيث تعمد إدارة السجون إلى تقديم وجبات غذائية قليلة ورديئة النوعية، دون توفير وجبات السحور، ما يضطر الأسرى لادخار جزء من الطعام لتلبية احتياجاتهم الأساسية. إضافة لذلك، تم تقليص أدوات النظافة الشخصية، وأصبحت السجون مكتظة بالأسرى ما أدى إلى تفشي مرض "السكابيوس" في معظم السجون، دون تقديم الأدوية أو الرعاية الصحية المناسبة، ما يعمق معاناة الأسرى حتى اللحظة.
وتعدّ عيادة سجن الرملة واحدة من أبرز النماذج على سياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى والمصابين. حيث تفتقر العيادة لأدنى مقومات الرعاية الصحية الأساسية، وتفتقد للكوادر الطبية المؤهلة للتعامل مع الحالات الخطيرة والمستعصية. ورغم تحويل عدد من الأسرى المرضى والمصابين إليها، إلا أن المعاناة تستمر دون تقديم العلاج المناسب أو المتابعة الطبية اللازمة، بل غالبًا ما يُترك الأسرى فيها لتفاقم أمراضهم وإصاباتهم دون تدخل حقيقي.
ويُحتجز في عيادة سجن الرملة حاليًا ما يقارب 24 أسيرًا يعانون من أمراض مزمنة، إصابات خطيرة، أو إعاقات مستديمة، وسط ظروف صحية بالغة السوء، مع غياب الأدوية والفحوصات الدورية، واتباع سياسة المماطلة في نقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات المدنية. هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة منهجية تهدف إلى إنهاك الأسرى المرضى نفسيًا وجسديًا، وتعريض حياتهم للخطر المباشر.
الأطفال في سجني الدامون ومجدو.. معاناة مستمرة لا تنتهي..
يتعرض الأطفال الفلسطينيون المعتقلون في سجون الاحتلال على مدار سنوات لمعاناة مضاعفة، تفاقمت بشكل خطير بعد حرب الإبادة الجماعية الأخيرة، حيث كثفت سلطات الاحتلال من حملات الاعتقال التي طالت الأطفال، إذ يعيش هؤلاء الأطفال، الموزعين بين سجون مجدو والدامون وعوفر، ظروفًا قاسية وغير إنسانية، تبدأ من لحظة الاعتقال العنيف الذي غالبًا ما يتم خلال مداهمات ليلية، وتستمر خلال فترات التحقيق القاسي الذي يُحرمون فيه من حقوقهم الأساسية، إضافة إلى التجويع والتعطيش وغيرها من الوسائل التنكيلية، وفي أعقاب حرب الإبادة الجماعية، ازدادت السياسات الانتقامية بحقهم؛ حيث يعانون من العزل، والإهمال الطبي، وسوء المعاملة النفسية والجسدية، وحرمانهم من زيارات الأهل.
تضييق متصاعد على الأسيرات
وفي سجن الدامون، تتعرض الأسيرات الفلسطينيات لتضييق ممنهج، حيث تفرض إدارة السجن عقوبات جماعية عليهن، تشمل الاقتحامات المتكررة للغرف، مصادرة المقتنيات الشخصية، تقليص "الفورة"، وعدم توفير الملابس والأغطية. كما تمارس الإدارة سياسة عزل إضافية عبر تقليص وعرقلة زيارات المحامين وقطع الاتصال بهن لفترات طويلة، وحرمانهن من التواصل مع عائلاتهن وأطفالهن.
وتعاني الأسيرات أيضًا من الإهمال الطبي وحرمانهن من العلاج اللازم، إذ يتم المماطلة في التعامل مع الحالات المرضية وعدم نقلها إلى عيادة السجن، التي تفتقر بدورها لأدنى مقومات العلاج، ما يعرض حياة العديد من الأسيرات للخطر المباشر.
إن استمرار هذه الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين يشكل خرقًا فاضحًا للقوانين الدولية والإنسانية، ويؤكد على النهج الانتقامي الذي تتبعه سلطات الاحتلال لفرض مزيد من العزلة والقهر عليهم.